أبو مازن مع تقديرنا .. هذا ليس كافياً
تاريخ النشر : 2014-02-26 13:46

استوقفني عنوان لافت في الصفحة الأولى لإحدى الصحف اللبنانية، والذي كان «محمود عباس عراب جنيف 2». مباشرة ومن باب حب الإطلاع والفضول فتحت الصفحة على هذه المادة المثيرة، من دون الاطلاع على بقية العناوين كما أفعل مع كل صحيفة قبل الغوص في أهم المواضيع والأخبار فيها.

العنوان اللافت والمثير كان مقالة للإعلامي سامي كليب على الفور أدركت أن في الأمر شيئاً استحق منه هذا الجهد، وهو المعروف من خلال إطلالاته الإعلامية سواء عبر الفضائيات أو المقالات، أنه يعتمد بالإضافة إلى الثقافة السياسية الراقية التي يتمتع بها، على المعلومة ليصنع منها عملاً إعلامياً وصحافياً مميزاً. قرأت المقالة مرتين بكل تأنٍّ وروية، لأجد بما احتوته من معلومات وأحداث وشواهد موثقة عن دور هام وبارز لرئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، في سياق الأزمة السورية وما تتعرض له من أحداث دامية.

خلاصة هذا الدور، بحسب ما ورد في المقال، أنه يسجل لأبي مازن ما أبداه من حرص عالٍ على الدولة السورية بكل مكوناتها، وسعيه الحثيث لتقديم كل ما يستطيع في سبيل الحفاظ والمحافظة على سورية. هذا السعي المحمود كان معنوناً في محطات حرجة مرت بها الأحداث في سورية، من لعب دور لدى الرئيس الأميركي أوباما في ثنيه عن الاستمرار في القول «أن لا دور للرئيس الأسد في المرحلة المقبلة»، وعدم السماح له في الترشح إلى الانتخابات الرئاسية القادمة. إلى تسهيله وإنضاجه صفقة الكيماوي السوري. والتقريب بين سورية الدولة والمشير السيسي والحكم الجديد في مصر بعد نظام محمد مرسي، وفتحه قنوات الاتصال والتوسط بين الدولة السورية والمعارضة الداخلية من هيئة التنسيق وتيار بناء الدولة وشخصياتها المعروفة، من خلال نقل الأفكار والتصورات والإقتراحات والرؤى بينهم. حتى نجاحه في دفع معاذ الخطيب إلى الموافقة على محاورة الدولة السورية وحضور مؤتمر جنيف 2 الذي ساهم بشكل مباشر في إنضاجه حتى غدا حقيقة واقعة. ناهينا عن الكثير من اللقاءات في أكثر من عاصمة عربية وأجنبية خصصت لهذا الشأن. وكشف الكاتب عن دور مميز أيضاً لكريم بقرادوني في هذا السياق. والمقال يحتوي على تفاصيل كثيرة تُظهر دور محمود عباس ومبعوثيه الذين أرسلهم في كل اتجاه، وإن كان من أبرزهم الناشط الفلسطيني نضال السبع.

من قرأ هذا المقال وتحديداً من الفلسطينيين، لا يستطيع إلاّ أن يثني على هذا الدور بغض النظر عن المواقف السياسية المتخذة في مواجهة رئيس السلطة على خلفية انخراطه في مفاوضات عبثية مع كيان العدو الغاصب. بل وتمسكه بها كخيار وحيد أمامه من بين الكثير من الخيارات المتاحة، ويدير الظهر لها بل ويعنفها أحياناً ويجرمها أكثر الأحيان. ومن حق الفلسطيني أن يتساءل ويسأل إذا كانت هذه هي القدرات الخلاقة في العمل والدهاء والحكمة السياسية لدى أبو مازن، لماذا إذاً هذا التعثر الفلسطيني في كل شيء. خصوصاً في إنهاء الانقسام وانجاز ملف المصالحة وتوحيد الصفوف من أجل مواجهة التحديات التي تتعاظم في وجهنا جميعاً. والتي تهدف إلى تصفية القضية بعناوينها وثوابتها وحقوقنا الوطنية على أرضنا من بحرها إلى نهرها. لذلك بأعلى الصوت نقول: «إن هذا الدور، مع تقديرنا الكبير لمحمود عباس، ليس كافياً والقضية الوطنية تواجه ما تواجهه من تحديات.

أثناء كتابتي هذه المقالة وقبل البدء بخط الخاتمة، حضرني سؤالان، ترددت في طرحهما حتى لا أبدو كمن يتعمد ممارسة التنغيص في لحظة الفرح. لكن ولأنني أعلم كالجميع أن السياسة في المحصلة تقوم إما على المصالح أو على القناعات المشتركة. قررت أن أطرح السؤالين اللذين لا أهدف من ورائهما التنغيص أو تبهيت الصورة الجميلة التي رسمها الإعلامي سامي كليب في مقالته. فالأول يتمحور حول ما هي خلفيات هذا الدور الذي لعبه أبو مازن؟ الذي يحمل في طياته الكثير من الإيجابيات إلاّ أنه خطر جداً خصوصاً بعدما رمت الدول الإقليمية كل ما في جعبتها على الطاولة من أجل إسقاط الدولة السورية ونظامها. علماً أن السيد عباس يدرك ويعلم أن موقف هذه الدول في أغلبها كيدي، تقوده غرائز الانتقام من خلفيات عشائرية وقبلية وعصبيات بغيضة. ألاّ يخشى غضبهم وزعلهم، أم أن هناك مظلة تحمي هذا التحرك. ناهينا عن الكيان الذي تتقاطع مصالحه مع هؤلاء على ضرورة إسقاط الدولة السورية.

أما الثاني، ما هو الثمن السياسي الذي يمني السيد أبو مازن نفسه به، وينتظر أن يقبضه مقابل هذا الدور الكبير الذي لعبه؟.