من المسئول عن إعاقة استنهاض حركة فتح ؟
تاريخ النشر : 2014-01-02 02:45

بالرغم من كل أشكال الضعف التي تعتري تنظيم حركة فتح وحالة التشويه التي لحقت بحركة فتح إلا أن الشعب مازال يراهن عليها لا على غيرها لاستنهاض المشروع الوطني ،لأن فتح تمثل الوطنية الفلسطينية التي تشكل النقيض الأيديولوجي والتاريخي والوجودي للمشروع الصهيوني، ولأن القوى السياسية الأخرى عجزت عن ملئ فراغ تراجع حركة فتح خلال السنوات الماضية، ولأن مشروع الإسلام السياسي - ممثل بحركة حماس- المتعدي للوطنية وصل لطريق مسدود .

ومن هنا يمكن فهم لماذا تعتبر إسرائيل الفكرة الوطنية التي تحملها وتمثلها حركة فتح هي الخطر الرئيس الذي يهددها ،وبالتالي فإن إسرائيل معنية بإضعاف حركة فتح ومنظمة التحرير بكل الوسائل، بل يمكن القول إن هدف إسرائيل من كل عملياتها العدوانية على الشعب الفلسطيني من فصل غزة عن الضفة وحصار القطاع وإضعاف السلطة الوطنية الخ ليس القضاء على الجماعات المسلحة فقط - حيث إسرائيل مستعدة للتعامل والتعايش مع هذه الجماعات ما دامت لا تتبنى أو تحمل الفكرة الوطنية ولا تسعى لتجسيدها من خلال دولة فلسطينية مستقلة على ارض فلسطين - بل هدف إسرائيل تدمير وإضعاف منظمة التحرير وحركة فتح كعنوانين للمشروع الوطني الذي يشكل النقيض للمشروع الصهيوني ، وإسرائيل في ذلك توظف سياسة تشتيت وإفشال جهود القيادة حتى السلمية منها ، من جانب ، ومن جانب آخر إفساد نخبة تنظيم فتح لتقوم بدورها بإفساد فتح الفكرة والتنظيم ، بما يؤول لتدمير حركة فتح من داخلها وبالتالي تشويه المشروع الوطني والفكرة الوطنية .

نعم ، إن عظمة فتح تكمن ، بالإضافة إلى تاريخها ،في الفكرة الوطنية ، وفكرة فتح هي الفكر الوطني المعتدل والمنفتح على الجميع والذي يقبل الجميع ، وفكرة فتح هي الوسطية والاعتدال وحب الجميع وعدم تكفير أو تخوين الخصم السياسي إلا من باع نفسه للعدو ، وفكرة فتح الوطنية ترفض رفع السلاح في وجه أبناء الوطن حتى وإن كانت السلطة موضوع الخلاف، حيث إن احد أسباب سيطرة حماس على قطاع غزة يعود لتردد أبناء فتح في الدخول في مواجهات مسلحة ضد عناصر حماس المعبئين عقائديا لتكفير الآخرين وإحلال دمهم وهو ما لا يوجد عند أبناء فتح ،وهو نفس المنطلق الوطني الذي يمنع الرئيس أبو مازن من إعطاء الأوامر للدخول في مواجهة مسلحة ضد حماس في غزة أو تبني فكرة التمرد المسلح على حماس بالرغم من الضغوط التي تمَارَس عليه من أطراف عربية وأجنبية لتصفية وجود حماس في قطاع غزة.

لأن المشروع الوطني الفلسطيني أرتبط بداية بحركة التحرر الوطني الفلسطيني (فتح) ، ولأن حركة فتح قادت المشروع الوطني من خلال قيادتها لمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ، ولأن رئيس الشعب الفلسطيني ورئيس منظمة التحرير ورئيس السلطة هو نفسه رئيس حركة فتح ، ولأن حركة فتح ما زالت تقول بأنها تمثل المشروع الوطني والمؤتمنة عليه ، ولأن حركة فتح مازالت تحتكر الوطنية الفلسطينية بحكم ما سبق ولأنه حتى الآن لم تظهر حركة سياسية تمثل الوطنية الفلسطينية أو تنافس حركة فتح عليها .... لكل ذلك فإن حركة فتح تتحمل المسؤولية الأكبر ، ليس فقط على ما تم تحقيقه من انجازات بل أيضا عن الواقع المزري الذي تعيشه القضية الوطنية .

القيادة أو الزعامة ليست فقط تشريفا بما يصاحبه من امتيازات وحياة مريحة، بل تكليف بما يرَتِب من التزام بالأهداف الوطنية ،وتقدُم الصفوف لمواجهة العدو،وتَحَمُل المسؤولية عن كل ما يصيب المشروع الوطني من تعثرات أو نكسات ، والتكليف يستدعي المحاسبة إن اخل المُكلفُ بما كَلفه به الشعب ، والمسؤولية لا تكون فقط وقت الانجازات والنضال المريح بل تستمر حتى وقت الأزمات والنكسات،ومصداقية القيادة الحقيقية تبرز وسط الأزمات وفي المعارك الكبرى . لا يجوز لتنظيم حركة فتح ،مع كل تاريخ حركة فتح وانجازاتها ،أن يستمر بالعيش في الماضي والذكريات أو ترديد إن فتح الرصاصة الأولى وصاحبة المشروع الوطني ، فالتاريخ الوطني لا يمنح شرعية سياسية لأحد إلا إن إنجاز المشروع الوطني جزءا من هذا التاريخ ، كما أن المشروع الوطني ليس ملكا لأحد بل مسؤولية وطنية لمن يقدر على دفع وتحمل مسؤولياته واستحقاقاته.

 

في مناسبة الذكرى التاسعة والأربعين لانطلاقة حركة فتح لا يجوز أن لا يلمس المواطنون حضور حركة فتح إلا في ذكرى انطلاقتها أو مناسبة ذكرى وفاة القائد أبو عمار ! ، فحركة فتح مشروع تحرر وطني أو حركة الشعب في مواجهة الاحتلال وليست مجرد كوفية وراية وضريح أبو عمار ! ، وحيث إن الاحتلال ما زال متواجدا فعلى حركة فتح أن تكون دائمة الحضور وعلى رأس العمل الوطني ميدانيا وبين جماهيرها داخل الوطن وخارجه، ولا يجوز تبرئة تنظيم فتح وقيادة فتح من المسؤولية أو التهرب منها من خلال الحديث عن المؤامرات واختلال موازين القوى أو الانقسام الخ . ويجب الحذر من الوقوع في سوء تفسير الخروج الحاشد للجماهير في مهرجانات حركة فتح ، فهذه الحشود تخرج التفافا وتأييدا للوطنية الفلسطينية في مواجهة نقيضها الرئيس وهو الاحتلال، وفي مواجهة حالة الانقسام ، وحركة حماس المثغيبة للوطنية ،وليس تأييدا لتنظيم حركة فتح ، وهذه الحشود يمكن أن تلتف حول أية حالة سياسية جديدة تظهر على الساحة يمكنها التعبير عن الفكرة الوطنية ، أو تلتف حول قيادات فتحاوية من خارج تنظيم فتح الحالي.

إن استنهاض حركة فتح ضرورة وطنية وليس حزبية فقط حيث الشعب كله مع استنهاض الوطنية الفلسطينية والتمسك بها ، لذا فإن ما يعيق عملية الاستنهاض ليست الشروط الموضوعية بل الشرط الذاتي ، المهم توفر الإرادة عند قيادة حركة فتح . في رأيينا أن جوهر الخلل في حركة فتح يكمن في بعض المتنفذين في تنظيم فتح الذين وبالرغم من فشل كثيرين منهم في كثير من التجارب والاختبارات العملية إلا أنهم ما زالوا يتبوءون مركز الصدارة سواء داخل المؤسسات القيادية للتنظيم أو في الجامعات والمؤسسات المالية والاقتصادية أو في السفارات والتمثيل الخارجي الخ ، وكأن الفشل تزكية لهؤلاء الفاشلين، أو هناك من يريد أن تكون حركة فتح العملاقة وبالتالي الشعب الفلسطيني محكومين بفاشلين وفاقدي المصداقية، وإسرائيل تقدم كل التسهيلات لهؤلاء للتنقل بين شطري الوطن أو منه وللخارج ، بل إسرائيل وواشنطن وأطراف عربية يزكون ولو بطريقة غير مباشرة هؤلاء الفاشلين والمشبوهين عند الرئيس لتولي مناصب مهمة .

خطورة هذه القلة المتنفذة لا تقتصر على استمرار إعاقة حركة فتح وضبابية موقفها من القضايا الوطنية الإستراتيجية ، بل يتعدى كل ذلك إلى تفكك شبكة الحلفاء التقليديين لحركة فتح والقضية الوطنية ،وعدم قدرتها على استقطاب حلفاء جدد سواء من داخل الساحة الفلسطينية أو خارجها ،بالإضافة إلى عدم قدرتها على الحفاظ على مؤسسات وطنية كانت تتفرد بها .

بانت خطورة هذه القلة في البداية عندما كِّيَفت تنظيم وحركة فتح مع تسوية أوسلو ورهنتهما باستحقاقاتها وتداعياتها ،وذلك من خلال تراجع الاهتمام بساحة الخارج وقصر تنظيم فتح على الضفة وغزة لتصبح حركة فتح حاملة المشروع الوطني جزءا من تسوية أوسلو وخاضعة لاستحقاقاته بل ويعتمد تنظيم فتح في مصروفاته على ميزانية السلطة التي يتم تمويلها من جهات مانحة أوروبية وأمريكية لا تعترف بالمشروع الوطني التحرري ، وبعد ذلك بدأت قيادات في فتح توظف حركة وتنظيم فتح في صراعاتها الداخلية من اجل تولي مراكز في السلطة وخصوصا السيطرة على الأجهزة الأمنية، وظهرت جماعة الوقائي وجماعة المخابرات وجماعة حرس الرئيس الخ ،ثم العرفاتية والعباسية ، واليوم فتح الشرعية وفتح دحلان أو العباسية والدحلانية ! .

بعد التراجع والانسحاب من الساحات الخارجية وبعد انقسام فتح إلى جماعة أبو فلان وأبو فلان ، يعمل البعض اليوم على إهمال تنظيم وحركة فتح في قطاع غزة ، فكما تم تطويع فتح لاستحقاقات التسوية السياسية والسلطة يعمل البعض على تطويعها اليوم وبطريقة ممنهجة لواقع الانقسام ليصبح لدنيا فتح الضفة وفتح غزة ، أو تقسيمها داخليا بين القيادات المتصارعة داخل فتح على وراثة اسم فتح ورصيدها التاريخي أو ما تبقى منه !.

مع كامل التقدير والاحترام للرئيس أبو مازن إلا أنه يتحمل جزءا من المسؤولية لكونه رئيس فتح ورئيس الشعب الفلسطيني ومن خلال مسؤوليته عن (النخبة) الضيقة المحيطة به والمسئولة عن التعيينات في كل المواقع القيادية داخل التنظيم وخارجه وخصوصا في السلك الدبلوماسي وفي كل مواقع التمثيل الخارجي. حيث نلاحظ أن كثيرا من التعيينات في السلك الدبلوماسي لا تقوم على أساس الكفاءة ولا على أساس الالتزام بالخط الوطني بل على أساس العلاقات العائلية والشخصية لهذا المسئول أو ذاك ،أو البحث عن الشخصيات الضعيفة أو الانتهازية أو الجاهلة التي ستُدين بطبيعة الحال بالولاء والطاعة لمن وضعها في موضع لا تستحقه ولكن ولاءها للوطن غير مضمون .

نتيجة ذلك أن كثيرا من العاملين في السفارات والممثليات الخارجية في المنظمات الدولية والعربية الخ موالون ولا شك للرئيس والسلطة ولوزير الخارجية ولكنهم فاقدو الحضور والمصداقية عند الجاليات الفلسطينية وعند الشعوب التي يعيشون فيها، لأن الشعوب تحكم على القضية الفلسطينية ومنظمة التحرير والسلطة من خلال من يمثلهم، وسلوكيات بعض السفراء تسيء للشعب الفلسطيني، بالإضافة إلى أن بعض هؤلاء تجاوزا العمر الوظيفي ولم يعودا قادرين على ممارسة أي نشاط إلا الحضور في المناسبات الرسمية والبروتوكولية .

وأخيرا نقول، نعم لحركة التحرر الوطني الفلسطيني (فتح) في ذكرى انطلاقتها ونؤكد أنه لا يمكن استنهاض المشروع الوطني ومواجهة الاحتلال سياسيا أو عسكريا إلا من خلال استنهاض حركة فتح ، ولكن نحذر مرة أخرى، إن حركة فتح تستنزف رصيدها التاريخي وعليها تدارك الأمر بسرعة من خلال لملمة الحالة الفتحاوية الداخلية واستعادة شبكة حلفائها العرب والدوليين ، وما زال في الإمكان القيام بذلك، وإن لم يتم ذلك نخشى أن نصل لوقت يقول فيه البعض : لم يبق من حركة فتح سوى ذكريات مُشَرِفة ،وراية العاصفة الصفراء ،وضريح أبو عمار الشاهد على تاريخ حركة فتح وعلى عجز تنظيم فتح بالاقتصاص من قاتليه ومعاونيهم وبعضهم ما زال يحمل نعت (القائد الفتحاوي) .