فلسطين حاضرة في ذكري 6أكتوبر!
تاريخ النشر : 2013-10-10 12:00

نزلت إلى الشوارع المصرية لأشارك الشعب والجيش المصري بإحتفالاته العظيمة بالذكرى الأربعين للإنتصار فى حرب السادس من اكتوبر 1973م ، وأشاركهم فرحهم بهذا النصر الذى أعاد الكرامة للأمة العربية ، لربما أن اشتياقي كفتاة فلسطينية لأن ألمس الفرحة وأشعر بحب الوطن وأجدد عهد الولاء والانتماء الوطنى ما دفعنى إلى الاسراع بالنزول إلى ميدان التحرير، كما أن هذا النصر التاريخى بعد أربعين عام يعيد لنا ذكرى رائحة البارود وعزم الرجال في ميادين القتال الذى فقدناه اليوم بحكم السياسات القائمة والسياسة المتبعة من القيادات الحالية.
اجتمعت مع العديد من الأصدقاء على أحد المقاهى المتواجدة في وسط البلد واخترنا هذا المكان لقربه من ميدان التحرير ، ولا أخفى عليكم عند مروري بمنطقة العتبة وجدت مجموعة قليلة من الاخوان غير المسلمين بل من المتأسلمين المبعثرين في هذه المنطقة يتظاهرون ويحاولون الدخول إلى ميدان التحرير وكان الجميل بالموضوع أن كل الشباب من الثوار والأهالى الذين تجمهروا في الشوارع كى يتصدوا لهذه الفئة الباغية التى أرادت سرقة الفرحة وحلاوة إحياء ذكرى ملحمة السادس من أكتوبر والتنغيص على الشعب المصري العظيم ، كنت أخشى كثيرا أن تنطفىء فرحتنا بهذا الحفل الذى فقد قيمته المعنوية السنة الماضية في ظل حكم الاخوان البائد ، لكن الله أراد أن ينتصر الشعب المصري ويستعيد روح أكتوبر المجيدة بكل عزة وكبرياء رغم كل المؤامرات البائسة لجماعة الاخوان المتأسلمين التى داستها جحافل الجماهير وهى تنتفض للدفاع عن حقها فى الفرح وإستعادة بطولات وأمجاد أعظم المعارك العسكرية في التاريخ وتؤكد وحدة الجيش والشعب في إستكمال النضال الوطنى والقومى وبناء مصر المستقبل .
وصلت إلى ذلك المقهى المراد وكان بانتظارى العديد من الأصدقاء ، جاورتنا بالطاولة الجانبية عائلة مصرية كاملة اتضح عليها أنها كانت تستعد للاحتفال أيضاً بذكرى نصر 6 أكتوبر، حيث كانت هناك إمرأة كبيرة السن تفوق الستين عام من العمر ترتدى ثوباً مطرزاً يشبه الثوب الفلسطينى الفلاحي ، تحمل صورتين أحداهما للفريق أول عبد الفتاح السيسي وصورة أخرى لأحد الضباط الشهداء ، وعلى الطاولة القريبة منها كان بعض الاطفال يجلسون ويرسمون علم مصر .
حاولت الاحتكاك بهم وبالفعل أراد أحد الشباب الفلسطينيين الغزى الأصل ممن كنت بصحبتهم فى المكان أن يُقبل جبين تلك السيدة العجوز ذات الثوب المطرز/ فقد أحس بشعور غامر أنها والدته التى يفتقدها منذ سنوات ولربما شوقه لأمه التى طال فراقه لها كان الدافع العاطفى له للقيام بمثل هذا التصرف الإنسانى ، فهو لم يستطع رؤية أهله في قطاع غزة بسبب غربته في منفاه القسرى بعدما قامت حماس باطلاق أكثر من 40 رصاصة إخترقت كل أنحاء جسده ابان الانقلاب الدموى لمليشيات الموت الحمساوية على السلطة الشرعية في 2007 بقطاع غزة / وفعلاً قام الشاب ليطبع قبلة الإبن على جبين أمه بكل الحب والتقدير ، لكن تلك السيدة العظيمة فاضت عيونها بالدموع في تلك اللحظة العاطفية المؤثرة التى كنت أرصدها بالكاميرا ، فتركت كاميرا الجوال جانباً لأحتضنها وأخفف عنها وأسألها عن سر بكائها ، حيث أجابت ببساطة الأمهات إنى أبكى على وطني وعلى شهدائنا الأبرار ، فقلت لها إننا نبكى منذ سنين على وطننا وقضيتنا وشهدائنا ، ولكننا نحمد الله أن مصر اليوم بخير ، فسألتنى فوراً عن جنسيتنا ، أجبتها بأننا فلسطينيين أردنا مشاركتكم باحتفالات النصر الكبير الذى حققه جيش مصر ، فزادت دموعها وإنخرطت في البكاء معها وانضمت لها ابنتها التى كانت تجاورها وتحمل علم مصر أيضا ، حيث أضافت السيدة العجوز قائلة الله ينصركم على جماعة حماس ، لقد شوهت حماس سمعة أخواننا الفلسطينيين نحن نحترمكم ونعزكم وندافع عن قضيتكم فهى قضيتنا أيضا لكن هؤلاء الإرهابيين جاؤوا ليقتلونا ويدمروا أوطاننا !!
لم يفاجئنى موقفها من جماعة حماس الإرهابية فهذا شعور عام لدى أوسع قطاعات الشعب المصرى ، لكن المسألة الغريبة التى صدمتني عندما جلست أحدى النساء المتواجدات مع السيدة العجوز لتتحدث معى عن حال وطننا ، وفجأة قالت أتعرفين (( أبو علي شاهين )) ؟!! أجبتها بإستغراب ..بكل تأكيد !!! ، قالت هذه الرجل العظيم رحمة الله عليه كنت أقدره كثيراً وأجلس معه نتناول أطراف الحديث دائما ، فهو دوماً حاضر معنا بروحه وذكرياته الجميلة ، سرحت لبرهة من الوقت ..قائلة في مخيلتي ..فعلاً ياعم (( أبو علي )) إنك لم تمت ، حتى المصريين أحبوك ولا زالوا يتذكرونك في كل لحظة ، نعم الراحل (( أبو على )) كان نموذج للمناضل الإنسان والقائد الذى يترك أثراً طيباً في حله وترحاله بفكره المتدفق وعياً وسلوكه الانسانى الراقي وعطائه اللا محدود .
كان المشهد خليط من الفرح والدموع ، يحتفل به المصري والعربي ، لم أرى في عيونهم نظرة الحقد والكراهية التى رسمها الاعلام بل كانوا يكنون لنا كفلسطينيين كل حب وتقدير لكنهم يستثنون من ذلك حماس بحكم ممارساتها الشاذة وكونها فرع من جماعة الإخوان المتأسلمين التى أصبحت عنوان للتنفير السافر ورمز لمعاداة طموحات المصريين وضرب إستقرارهم وتعكير صفو حياتهم بالإرهاب والتخريب والعبث بالأمن و الأمان لكل مواطن مصري.
خرجنا للوقوف أمام باب المقهى نتأمل فرحة الناس التى تدب في أرجاء المكان أينما وليت وجهك ، فهم من كل الأعمار والشرائح الإجتماعية يهتفون لمصر والجيش والفريق أول عبد الفتاح السيسي وجمال عبد الناصر وبطولات أكتوبر المجيدة ، بالرغم أن الغالبية منهم شباب وصبايا صغار السن لكنهم كانوا يحتفلون بإحياء الذكرى العظيمة وكأن المعارك إنتهت بالأمس القريب ، بينما كنا نحن نتحسر على وطننا والحالة التى وصلنا لها في متغيرات نضالنا الوطنى ، وما آلت إليه قضيتنا الوطنية من خسران مبين في ظل غياب خيارات النصر المعمد برائحة البارود وعرق الرجال في ساحات المواجهة والقتال ، بعد أن إنحسرت خيارات القيادة البائسة في المفاوضات وإن فشلت فالمزيد من المفاوضات ، وفي كل مرة ننتظر الجولة القادمة من المفاوضات التى لن تؤدى إلى شئ سوى ضياع المزيد من الأرض وتمكين العدو الاسرائيلى أكثر وهو يرى نفسه مع كسب عامل الوقت أقرب إلى تحقيق أهدافه الاستيطانية ومصادرة الأراضى وتهويد المقدسات ، وقيادتنا تكتفي بالصمود في دوامة العجز والفشل فى تحقيق أي شئ ، لأنها فاقدة للخيارات الأخرى في النضال من أجل الحرية والتحرير ، ليس هذا فحسب بل تسعى لقتل روح التحدى والمواجهة في نفوس شعبنا وتمارس أبشع أشكال الوعى الفلسطينى للتسليم بالأمر الواقع والذهاب طوعاً إلى مسلخ الجزار الصهيونى الذى لم يدر في خلده أن يعيد سيناء المحتلة إلا بعد حرب السادس من أكتوبر المجيدة وتضحيات الجيش المصرى العظيم ، والسؤال هنا بالمناسبة هل غفلت القيادة الفلسطينية أن لنا شهداء كثر من مقاتلينا الابطال الذين شاركوا في حرب أكتوبر 1973 على الجبهتين المصرية والسورية؟!!!
لفت نظرى أيضا مرور شاب من أمامى يرتدى الكوفية الفلسطينية تزينها خارطة فلسطين التاريخية من الماء إلى الماء ، فأوقفته وسألته هل أنت فلسطيني ؟ أجابني لا ، فقلت له ولكنك ترتدى كوفيتنا الفلسطينية ، فقال وما المانع في ذلك ؟! وإستطرد فى القول : "نحن لا ولن ننسى فلسطين ولا شعبها مهما حاول الارهابيين من حماس وأذنابها تدمير وتشويه علاقاتنا القوية بالفلسطينيين فهم أخوتنا وأهلنا " ، تعجبت كثيرا من رده ، وكأنه يريد أن يقول إلى كل الخونة والمرتزقة من الإرهابيين ومجاميع القتلة ومن يساعدهم أننا شعب واحد مهما حاول الاخرون تفريقنا ، ما أعظمها من قضية مقدسة ووطن عظيم يا فلسطين ، ففى الفرح والحزن فلسطين موجودة بداخلنا ، صراحة قدمت لهذا الشاب المصرى العروبي الصادق بشعوره القومى الأصيل كل التحية من كل قلبي .
فعلاً فلسطين كبيرة في العقل والوجدان الوطنى والقومى والإنسانى ، فهل ترتقى قيادتنا إلى هذا المستوى الذى لا يليق إلا بفلسطين !!! لكن بشديد الأسف رحل الكبار وبقى من هم أصغر بكثير من إستحقاقات الواجب المقدس ، لأن الواقع يقول شتان بين من يعبر القناة وخط بارليف ليصنع نصراً مؤزراً وبين من ينتقل من غرفة مكيفة إلى أخرى عبر ممرات الفنادق لا بين الخنادق .
ياقيادتنا لا خيار إلا البحث عن خيارات أخرى تعيد للقضية عوامل النصر والعزة والحضور بدلاً من فلسفة إستجداء المفاوضات العبثية ، فهل يسمع ويعتبر فريق المقاطعة التفاوضى الموغل في الفشل والمقامرة والمغامرة ؟! وفقط للتذكير شوية مليارات تذهب لجيوب الوكلاء إياهم لبناء سلام إقتصادى وهمى لا يعنى إلا مزيد من المسخرة التى لن يطول السكوت عليها !