عن فيفا والرياضة... بل عن فلسطين والسياسة
تاريخ النشر : 2015-10-28 12:29

قرر الاتحاد الدولي لكرة القدم – فيفا - وبشكل نهائي إقامة المباراة بين المنتخبين  الفلسطيني والسعودي في التصفيات المزدوجة لكاس العالم 2018 وكأس آسيا 2019 على ملعب الشهيد فيصل الحسيني في القدس. جاء القرار بعد فترة من النقاشات والشدّ والجذب، وبعد قبول استئناف سعودي بنقل المباراة إلى ملعب محايد نظراً لرفض الرياض إرسال منتخبها إلى فلسطين المحتلة عبر المعابر، التي تسيطر عليها إسرائيل. وهو ما  قابله الاتحاد الفلسطيني باستئناف مضاد لإقامة المباراة في القدس، الأمر الذي قبله الاتحاد الدولي في قرار نهائي حاسم.

القصة الرياضية التي تداخلت فيها السياسة بالرياضة لم تنته فصولها بعد، حيث بادر الملك السعودي شخصياً للاتصال بالرئيس الفلسطيني والطلب منه الموافقة على نقل المباراة من القدس إلى أي مكان آخر، وهو ما وافق عليه الرئيس عباس تفهماً لخلفيات الموقف السعودي، إلاّ أن الأمر حسب لوائح الفيفا ليس بيديه بل بيد الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم ورئيسه الجنرال جبريل االرجوب.

الجنرال الذي وصل إلى رئاسة الاتحاد الفلسطيني على الطريقة التقليدية العالم ثالثية، وضمن توزيع المناصب بين قادة ومسؤولي فتح والسلطة، وتم انتخابه عدة مرات دون تنافس جدّي حرّ مفتوح كان وما زال يستخدم الرياضة لتحقيق أهداف ومآرب سياسية، وهو في الفترة الأخيرة يسعى لتحسين صورته وتقوية وضعه في الشارع الفلسطيني والفتحاوي من أجل التنافس على رئاسة السلطة الفلسطينية في مرحلة ما بعد أبو مازن كونه يرى نفسه مرشح جدي ومناسب للمنصب.

في هذه القضية كما في التصويت على انتخابات رئاسة الفيفا في آذار/مارس الماضي، والسعى الى  شطب أو طرد إسرائيل من عضويتها؛ اتبع الجنرال الرجوب نفس الذهنية والمقاربة المتضمنة استثمار الرياضة لتحقيق مكاسب شخصية من أجل تقوية وتحسين رصيده أمام خصومه ومنافسيه في فتح والسلطة بشكل عام..

في ملف الانتخابات يجري التصويت عادة على أساس جغرافي قارّي وليس قومي بمعنى أن كل اتحاد قارّي يقرر التصويت لمرشح ما وفق مصالحه وعلاقاته ومعظم اتحادات العالم الثالث المتماهية مع أنظمة الاستبداد والفساد، قررت التصويت للسويسري سيب بلاتر، بينما صوّتت معظم اتحادات الدول الديموقراطية مع مرشح العالم الثالث الأمير علي بن الحسين.

الجنرال الرجوب الذي كان يحتاج بلاتر في صراعه الأساس مع إسرائيل حول شطب عضويتها لم يتعاطى مع الأمر بشكل شفاف ونزيه، وكان عليه الطلب علناً من الاتحاد الآسيوي السماح له بالتصويت لعلي بن الحسين أو الإقرار علناً أيضاً بالتزامه بالتصويت الجماعي للاتحاد الآسيوي، وهو ما لم يفعله ما أثار الغموض حول موقفه والارتياب في طريقة تصويته، وأدى إلى ردّ فعل أردني رسمي  وشعبي ضده.

هنا استغل الرئيس عباس الموقف وتصرف كالراشد الذي يصلح أخطاء القاصر المتهور، وبادر إلى زيارة الأمير علي بن الحسين، والاعتذار، بل وطلب الصفح منه في مشهد  كانت أقرب إلى الصلح العشائري.

في ملف شطب إسرائيل من عضوية الفيفا تصرّف الجنرال بشكل مشابه باحثاً عن مجد شخصي له، وهو خاض معركة رياضية وحتى سياسية وديبلوماسية على طريقة بالروح بالدم والله زمان يا سلاحي، وقام بتجييش الشارع الفلسطيني، وحتى تسيير مظاهرات ووقفات داعمة له لطرد إسرائيل من الفيفا، علماً أنه كان يسعى طوال الوقت - وفق ذهنية أوسلو - وكما قادة السلطة الآخرين إلى حلّ وسط سياسي ورياضي.

الجنرال توصل في الحقيقة إلى حزمة أو صفقة معقولة بل معقولة جدّاً تضمنت لجنة دولية للفصل في القضايا الرياضية محل الخلاف، وهو ما ترفضه إسرائيل عادة في الملفات الأخرى - سياسية وأمنية - إلاّ  أنّ هذا الإنجاز التسووي والديبلوماسي ضاع تحت وقع المعركة الحربية التي خاضها الجنرال لتحسين صورته وشعبيته والسقف العالي جدّاً الذي وضعه أو بالأحرى الكلام القاطع عن طرد إسرائيل وليس أقل من ذلك.

هنا أيضاً سجل الجنرال هدف ذاتي آخر في مرماه خاصة أن القصة تزامنت مع نجاح أحد منافسيه في تحقيق إنجاز أيضاً تم التطبيل والتزمير له من قبل أجهزة السلطة، وتمثل في إطلاق سراح رهائن سويدين كانوا محتجزين لدى إحدى المجموعات المسلحة في سورية.

وبالعودة إلى قصة المباراة مع السعودية،  حيث سعى الجنرال لتعويض كل ما فقده في المعركتين السابقتين، خاصه أنه ليس من المحسوبين أو االمتمتعين  بعلاقة جيدة ومتينة مع الرياض، وأصرّ من البداية على لعب المباراة في القدس، وتجاهل أي حلول أخرى بما في ذلك الاقتراح السعودي بلعب المباراة في غزة بحجة عدم وجود ملعب مناسب هناك، وحتى عندما قبل الفيفا الالتماس السعودي بنقل المباراة إلى ملعب محايد كان بإمكان الجنرال استغلال السلم للنزول عن الشجرة ووطى الملف بأقل قدر ممكن من الخسائر غير أنه أصرّ على خوض المعركة العبثية والزائدة والضارة حتى النهاية مع احتمال والمجازفة بتلقّي هدف ذاتي ثالث في مرماه.

في هذه القصة يمكن بل لا بد برأيي من الحديث باهتمام وتركيز عن نقطتين أساسيّتين:

قال الجنرال في مؤتمره الصحفي بعد قرار الفيفا الحاسم والنهائي – الخميس 22 أكتوبر - أن أمر الملعب البيتي - اللعب في فلسطين - مرتبط مباشر بالسيادة الوطنية، وأضاف أن البعد الرياضي هو جزء من المواجهة الشاملة مع الاحتلال الإسرئيلي، وأن القدر وضع جزء من الناس يقصد نفسه طبعاً على رأس هذه المعركة الرياضية مع الاحتلال.

هذا كلام صحيح بالعموم، إلا أن المشكلة أو الاختلاف في ترجمته على أرض الواقع، كما في استغلاله لتحقيق أهداف ومكاسب شخصية وفئوية، علماً أن كلامه عن ارتباط الملعب بالسيادة الوطنية ذكرني بكلام سابق لنتن ياهو في ولايته الأولى عن أن لا مانع لديه من قيام دولة فلسطينية على غرار دول متل مكرونيزيا،  مع علم ونشيد ومشاركة في الأولمبياد شرط أن تكون السيادة الفعلية خاصة الأمنية والاقتصادية بيد الاحتلال، وهو ما يحدث الآن خاصة  أن لا عمل جدي يجري في هذا الجانب، فيما سيتعلق بالسيادة الوطنية، كما حصل مع تقرير غولدستون ورفع مكانة فلسطين، كما خطاب الرئيس – اللايت - في الأمم المتحدة، وحتى التعاطي الملتبس مع الهبة الشعبية الحالية.

وكما قلت لا يمكن الاختلاف أو السجال مع فكرة الملعب البيتي أي اللعب في القدس، ولكن مع اعتبار ذلك بمثابة القاعدة أو الأساس للعب مع معظم الفرق، مع تفهم ظرف أو موقف من لا يقيم علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل أو لا يملك تمثيل لدى السلطة في رام الله، ويرفض القدوم أو الزيارة باعتبارها تطبيع مع الاحتلال ولا يمكن مثلاً  تجاهل مواقف دول مثل السعودية، ماليزيا، إيران مع  عدم قبول أي رفض من دول تقيم حوارات رسمية تتبادل الزيارات مع إسرائيل بمعنى أنه لا يمكن أبداً تفهم رفض منتخبات أو اتحادات مثل  الأردن عمان الإمارات قطر الفيليبين اليابان والصين، اللعب مع  منتخب فلسطين في القدس.

هذا ينقلنا مباشرة إلى النقطة الثانية المتعلقة بغزة، حيث يمكن اعتبار ملعب اليرموك بمثابة الملعب البيتي الثاني بعد ملعب القدس، كما تفعل فرق ومنتخبات دولية عريقة لا تلعب مبارياتها في العاصمة فقط - منتخب تركيا خاض آخر ثلاث مباريات من تصفيات يورو 2016 في قونية، بينما لعبت اسبانيا في أوفييدو وإيطاليا في ميلانو – خاصة أن الاتحاد السعودي وافق على اللعب في غزة، باعتبارها جزء من فلسطين، وهو ما رفضه الجنرال بذريعة عدم وجود ملعب مناسب، وهي حجة واهية تنطلق أساساً من رفض عملي للمصالحة واستبعاد غزة من المشهد السياسي وإبقائها رهينة للحصار، وفي الحدّ الأدني الشعور أن المزاج الفتحاوي في غزة هو مزاج دحلاني ولا داعي لتقديم أي تنازل أو بادرة كي تعود الفائدة عليه.

فيما يتعلق بغزة أيضاً ومع تفهم بيان حماس المرحّب بالموقف السعودي، إلاّ أنه جاء ناقصاً وكان يجب على الحركة إعلانها عن استعدادها الكامل للعب المباراة في غزة، وإعطاء الاتحاد الفلسطيني الحق الكامل في تنظيم المباراة عبر فرعه في غزة أو أي لجنة أخرى يراها ملائمة للخروج بالحدث في أفضل صورة ممكنة.

في الأخير وباختصار نحن أمام مشهد رياضي سياسي يختصر الحالة الفلسطينية بامتياز، حيث لا شفافية لا نقاش حرّ ديموقراطي مفتوح، و غياب المساءلة والمحاسبة مؤسساتياً أو إعلامياً واستخدام القضايا الوطنية من أجل تحقيق مكاسب سياسية شخصية أو فئوية ضيّقة، ولا يمكن أن يتغير الحال، وتتحسن الأوضاع دون إنهاء الانقسام، وتنفيذ تفاهمات المصالحة وطبعاً على قاعدة إعادة بناء ديموقراطية شفافة ونزيهة لمنظمة التحرير، كي تتولّى بمسؤولية حكمة وأمانة إدارة الصراع مع إسرائيل في مستوياته المختلفة والمتعددة  بما في ذلك الرياضية طبعاً.

  • كاتب فلسطيني