بين الهبة والانتفاضة على أرض فلسطين
تاريخ النشر : 2015-10-24 22:21

 

لا أدري لماذا تصر اجهزة الإعلام العربية الرسمية بما فيها الأجهزة التابعة لسلطة أوسلو المتهالكة على تسمية ما يجري على أرض فلسطين من حركة جماهيرية واسعة ضد الاحتلال الصهيوني البغيض بالهبة ، وأتساءل هل جاءت هذه التسمية بشكل عفوي أم هي تسمية مخطط لها ، وهل هي محاولة لطمأنه المحتل بأن ما يجري ما هو إلا حالة من الفوران العاطفي المؤقت والذي لا بد وأن يهدأ قريباً ، أم أن إطلاق هذه التسمية يهدف إلى محاولة منع الجماهير من المشاركة فيها ، إذا علمنا ووفقاً لما هو متعارف عليه بأن الهبه عبارة عن حالة من ردود الفعل الجماهيرية المؤقتة مع ما يصاحبها من مسيرات أو مظاهرات التي تأتي بشكل عفوي وغير مدروس لتفريغ حالة الاحتقان دون أن يكون لها هدف أو برنامج واضح مع عدم وجود القيادة ، في الوقت الذي تكون فيه الانتفاضة ذات برنامج وهدف تسعى لتحقيقه وتتميز بوجود قيادة واضحة ، ومن هنا رأيت نفسي ابحث في عدد من المعاجم علني أعرف ما يجري ، فماذا وجدت أقولها لقد جاءت نتيجة بحثي بان جاء المعنى في عدد كبير من المعاجم بأن الهبة تعني الانتفاضة والثورة الأمر الذي ستخيب معه ظنون ومساعي أصحاب الأقلام الصفراء وببغاوات الإعلام ، فما يجري على أرض فلسطين هو انتفاضة شعبية بكل ما تحمله هذا الكلمة من معنى.

وعلى الرغم مما حققته الانتفاضة من أمور رئيسية نحن في أشد ما نكون لحاجتنا لها وبعد أن أثبتت للعالم أجمع :

• أن الفلسطينيين شعب واحد ولا فرق بين ضفة وغزة ولاجئ ومواطن و48 و 67 ، فلقد وحدتهم القدس وجمعتم فلسطين وليتفاخر الجميع بكونهم فلسطينيين يسعون للتحرر من براثن الاستعمار الاستيطاني البغيض .

• رفض الشعب الفلسطيني بأعظم استفتاء شعبي بلون الدم للحلول الاستسلامية والمفاوضات العبثية التي تقودها سلطة أوسلو ..

• ثبات وصحة خيار المقاومة لتحقيق المطالب الشعبية والحقوق الوطنية .. خلافاً لما تنشده سلطة اوسلو بأن يكون الخيار السياسي هو الخيار الوحيد للتحرير .

• أن فلسطين واحدة من نهرها لبحرها وهي مطلب الشعب الفلسطيني وأن لا مكان في الواقع لما يسمى بحل الدولتين الأمر الذي تعالت به أصوات كثيرة تنادي بحل الدولة الواحدة .

• الرفض القاطع للتنسيق الأمني الذي تمارسه سلطة أوسلو مع الكيان الصهيوني .

• إسقاط نظريتي التدجين والترهيب اللذين مارستهما سلطة اوسلو ضد ابناء الشعب الفلسطيني .

وبالرغم من كل ما ورد أعلاه فإن ما يجري من الفصائل المختلفة على أرض فلسطين يحمل في طياته العديد من السلبيات ومحاولات التجزئة والاحتواء حيث نلاحظ :

•         فصائلية غريبة وأعلام وإعلام فصائل تتاجر بالدم الفلسطيني وبالانتفاضة في محاولة لكسب مواقع متقدمة في القيدة الفلسطينية .

•         انشقاق متجذر بين السلطة ومن لف لفها وبين حماس ومن والاها، أو لنقل بين الاسلام السياسي وفتح ، فيما بقيت فصائل أخرى على الهامش ، في الوقت التي جاءت لهم الفرصة ليثبتوا أنفسهم على مستوى الشارع .

•         دعوات لمسيرات ومظاهرات ينظمها هذا الفصيل أو ذاك ودعني استغرب بعض تلك الدعوات التي تأتي تحت عنوان " التضامن مع الانتفاضة " وأتساءل هل الانتفاضة في عالم آخر حتى تدعو تلك الفصائل لمسيرات تضامنية معها تنطلق من مدن ومواقع متعددة أو ليست غزة والنصيرات وطولكرم والبيرة ونابلس أرض الانتفاضة وهل شعب تلك المدن منفصل عن شعب الخليل والمخيمات وفلسطين الداخل ، وهنا أقول بأن كلمة التضامن مع الانتفاضة كلمة مموجة لا يتوجب استخدامها على أرض فلسطين الأبية وقد أفهم أن يتضامن شعب آخر مع الفلسطينيين ولا أفهم ان يتضامن فلسطيني مع نفسه فواجبه يقضي بأن تعتبر فعاليته جزءاً لا يتجزأ من الانتفاضة وليس تضامناً معها.

وفي الوقت التي بدأت معه العديد من الفعاليات في دول العالم المختلفة لتعلن تضامنها مع الشعب الفلسطيني وبتنا نسمع من دول بعينها بأن احتلال فلسطين – كل فلسطين - قد مضى عليه( 70 ) عاماً كما جاء في كلمة السيدة "رودريجرز" وزيرة خارجية فنزويلا ، خلال كلمتها في الأمم المتحدة ، لتؤكد أن الاحتلال يحرم الشعب الفلسطيني من حقوقه الإنسانية ومن حقه في تقرير المصير، فما زالت سلطة أوسلو تطالب بحل الدولتين وبالمفاوضات كطريق وحيد لتحقيق ذلك وتطالب بالحماية الدولية للشعب الفلسطيني فهل ستكون تلك حماية فعلية للشعب الفلسطيني أم هي تثبيت للأمر الواقع وحماية للمحتلين من غضب الانتفاضة إذا علمنا أن المادة - 5 - من اتفاقية جنيف الرابعة تنص وفيما يتعلق بالحماية الدولية للمدنيين تحت الاحتلال على ما يلي : ( إذا اقتنع أحد أطراف النزاع بوجود شبهات قاطعة بشأن قيام شخص تحميه الاتفاقية في أراضي هذا الطرف بنشاط يضر بأمن الدولة، أو إذا ثبت أنه يقوم بهذا النشاط، فإن مثل هذا الشخص يحرم من الانتفاع بالحقوق والمزايا التي تمنحها هذه الاتفاقية، والتي قد تضر بأمن الدولة لو منحت له) ، أي ان الحماية الدولية تحرم القيام بأي عمل مناهض للاحتلال وسيبقى وضع الاحتلال إلى ما لا نهاية وهو الأمر الذي يسعى اليه الصهاينة وستعطيهم الحماية فرصة لتجذير وجودهم والتوسع بمستعمراتهم على أرض فلسطين وخاصة على أراضي ( ج ) وفق نصوص اتفاقية أوسلو والتي تعادل حولي 60% من أراضي الضفة الغربية في الوقت الذي ستكفل فيه هذه الحماية بث الروح من جديد وبقوة لعملية التنسيق الأمني البغيضة .

وفي الوقت الذي أعرب فيه كي مون عن قلقه لما يجري على الأرض الفلسطينية وفي الوقت الذي تنصل فيه عن قرارات الأمم المتحدة باستخدام عبارة جبل الهيكل مشيراً بذلك للمسجد الأقصى أمام سمع وأبصار سلطة أوسلو فإن السلطة ما زالت تحاول وبكل قوة وأد الانتفاضة بذرائع وطرق مختلفة وهمها في ذلك البقاء ولا غير ذلك ، منسلخة تماما عن هموم ومشاعر شعب فلسطين ومتناسية ما حققته الانتفاضة خلال ايامها الأربعة والعشرين الأولى من عمرها من حيث توحيد الشعب الفلسطيني تحت راية فلسطين ونشر حالة من الذعر في المجتمع الصهيوني بشكل لم يسبق ان حدث من قبل عدا عن إنزال الخسائر البشرية والاقتصادية.

ومع كل الايجابيات للانتفاضة الفلسطينية التي قام بها ابناء فلسطين في كافة مواقعهم ، إلا أن التخوف ما زال موجوداً من محاولة التنسيق الأمني ورجالاته استرداد سطوتهم على شارع الضفة الغربية وإفشال الحركة الشعبية بهدف المحافظة على سلطة مهزومة لا صلاحية لها الا قهر أبناء شعبها ، علاوة على قيام البعض بالتسلق وركوب هذه الحركة وتجييرها لمصلحتهم لتحقيق اهداف شخصية تبتعد عن حقوق الشعب الفلسطيني .

ولكي تستمر الانتفاضة وتتعاظم لا بد من تجسيد الوحدة الوطنية على أرض الواقع ولا بد من خلق قيادة فلسطينية حقيقية تعبر عن شعب فلسطين وحقوقه ، قيادة غير مرتبطة بسلاسل أوسلو ولا بمنظري الإسلام السياسي والمجلس العالمي للإخوان المسلمين ، قيادة تعبر عن نبض الشارع وعن الشعب الفلسطيني أينما وجد ، فالانتفاضة المشتعلة على أرض فلسطين تعمل على إزالة آثار العار الذي حصل خلال العشرين سنة الماضية لتعيد للثورة ومنظمة التحرير ألقها من أجل تحقيق البرنامج الوطني الفلسطيني الذي وافق عليه الشعب الفلسطيني والذي تم اعتماده بالميثاق الوطني الفلسطيني الذي جرى شطبه وإلغاءه من قبل سلطة أوسلو .