نتنياهو الدجال الدموي
تاريخ النشر : 2015-10-24 09:29

لم تكن تصريحات بنيامين نتنياهو في الأيام القليلة الماضية، والتي برّأ فيها أدولف هتلر من فكرة "المحرقة اليهودية"، ليتهم بها مفتي القدس الراحل الحاج أمين الحسيني، مجرد زلة لسان، بل هو عاد إلى هذه الصيغة عدة مرّات، مدافعا عنها، رغم غضب الناجين من المحرقة، والمؤرخين والسياسيين الإسرائيليين. فنتنياهو يريد من قلب حقائق التاريخ بثّ مقولات سياسية، يبرر بها جرائم الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، حتى بثمن تبرئة النازية. وأن يبقي، ثانيا، قضية "المحرقة" مطروحة في الخطاب السياسي العالمي. وثالثا اختلاق قضية جديدة، تضع القضية الفلسطينية في سياق آخر يبرر به الإرهاب الصهيوني-الإسرائيلي.

ومعروف عن نتنياهو أنه دجال يمتهن الكذب. وهذا الانطباع عنه أيضا في الصحافة، وفي الحلبة السياسية الإسرائيلية. فتراه يقدم تقارير عن عمل حكومته بعيدة عن الواقع، ويسرد روايات وكأنها جزء من التاريخ، ليتضح بسرعة أنها لا تمت للواقع بصلة؛ منها مثلا، أنه تباهى قبل أيام بحجم مشاريعه الاستيطانية في الضفة، في السنوات الست الأخيرة. وحينما نقض خصومه في اليمين المتطرف أقواله، تراجع قليلا واعدا بالمزيد من المشاريع الاستيطانية. كما معروف عنه أنه يختلق الروايات التي تمجّد عائلته، ويتضح لاحقا أن رواياته هي أكاذيب، يختلقها من أجل أن يبرر فكرة. فيسمعه الإسرائيليون يروي عن والديه وجديه من الطرفين، ثم يأتي من يخزه بملاحظة ساخرة، تؤكد عدم ملاءمة الرواية لوقائع التاريخ.

لكن الجانب السياسي يبقى هو الأهم. فنتنياهو كرمز لليمين المتطرف المنفلت، يسعى دائما إلى اختلاق أوراق وملفات تُبعد القضية الفلسطينية عن رأس جدول الأعمال. وفقط قبل أشهر قليلة جدا، فلت من بين يديه ما يسمى "الملف الإيراني"، بمعنى المشروع النووي الإيراني، الذي أراد من خلاله شنّ حرب، حتى عالمية، لإظهار "إسرائيل الضحية". فجاءت البدعة الجديدة، التي زعم فيها أن المفتي الحاج أمين الحسيني هو من طرح على أدولف هتلر فكرة "المحرقة"، أو حسب تسمية نتنياهو "إبادة اليهود"، فلاقى حملة انتقادات لاذعة جدا في الساحة الإسرائيلية، من ناجين ومؤرخين كبار، وأيضا من سياسيين، ولكنه في هذه المرّة لم يتراجع كليا عن أقواله، لأن هدف نتنياهو كما ذكر بداية هنا، هو تجريم الشعب الفلسطيني الضحية، وتبرير جرائم الصهيونية على مر السنين. علما أن الصهيونية استفادت من الجرائم النازية، ورأت فيها ذريعة لتهجير اليهود إلى فلسطين، إلا أن القسم الأكبر من اليهود هاجر إلى مناطق أبعد، خاصة القارتين الأميركيتين، رافضا الفكرة الصهيونية.

تعتبر الصهيونية "المحرقة اليهودية" الركيزة الأساسية في فكرتها لتجميع يهود العالم في بقعة جغرافية واحدة. فصحيح أن الصهيونية ظهرت قبل المحرقة بسنوات عديدة، إلا أن المحرقة سرّعت تطبيق الفكرة الصهيونية، بارتكاب النكبة الفلسطينية، التي هي واحدة من أشرس الجرائم ضد الإنسانية، التي عرفها التاريخ.

ما من شك في أن النازية سجلت في حينه ذروة الفكر العنصري، وإرهاب الدولة. ولكن لو بقيت النازية في الحكم حتى يومنا هذا، لتعلمت واستفادت الكثير من كتاب القوانين الإسرائيلي، الذي لا يمرّ شهر أو اثنان، إلا وزجت إسرائيل فيه قانونا عنصريا إرهابيا جديدا. وليس النازية وحدها، بل أيضا نظام "الأبرتهايد" (الفصل العنصري) في جنوب أفريقيا، كان سينسخ الكثير الكثير من القوانين الإسرائيلية.

تصريحات نتنياهو جاءت في خطابه أمام اجتماع الاتحاد العام للمنظمات الصهيونية في العالم "الهستدروت الصهيوني". ولهذا، فإن تصريحاته تعكس عمق الأزمة الصهيونية. فإلى جانب كل الأهداف السابق ذكرها من تصريحاته، يريد نتنياهو أيضا استعطاف أبناء الديانة اليهودية في العالم، لأن كل الأبحاث والاستطلاعات الصادرة عن معاهد تابعة للحركة الصهيونية، تؤكد انحسار المد الصهيوني. فاليهود هم أبناء شعوبهم في الأوطان المختلفة، وكل الاستطلاعات تشير إلى أن غالبيتهم لا يلتفتون للصهيونية ولا لمؤسساتها التعليمية والثقافية وحتى الدينية. وهذه النسبة ترتفع جدا بين الأجيال الشابة، وخاصة في الولايات المتحدة. لذا، فإن كل هَمّ الصهيونية هو كيف يتم لجم هذه الظاهرة، التي تهدد مستقبل المشروع الصهيوني الأكبر: "إسرائيل".

عن الغد الاردنية