ِبند واحد على أجندة التفاوض ألأسرائيلي حول المياه " لم تعد توجد مياه لتقاسمها مع الفلسطينيين "
تاريخ النشر : 2013-12-27 22:19

في إطار محادثات كامب ديفيد ألأولى التي جرت بين ألأسرائيليين والمصريين عام 1984 ، حذر خبراء المياه ألأسرائيليين حكومتهم ومفاوضيهم انذاك ، بأن لا تتضمن اتفاقية السلام اية بنود من شأنها ان تمكن الفلسطينيين من القيام بحفر أبار عميقة في مناطق المنحدرات الغربية والشمالية الشرقية من الضفة الغربية لأن هذا ألأمر لو حدث سيلحق ألأذى الكبير بألأبار ألأسرائيلية المحفورة على امتداد خط الهدنة داخل الخط ألأخضر، هذاما جاء بتقرير خبراء المياه ألأسرائيليين انذاك . نشير في هذا الصدد الى ان ألأسرائيليين شرعوا منذ بداية الخمسينات في حفر تلك الأبار العميقة ذات ألأنتاجية العالية جدا بهدف إحكام السيطرة والتحكم الكامل بمصادر المياه الجوفية للحوضيين الجبليين الرئيسسين ، الحوض الغربي والحوض الشمالي الشرقي اللذين يتغذيا بشكل رئيسي من مياه ألأمطار التي تسقط داخل فوق مناطق الضفة الغربية ، حيث يتم امتصاص ونهب وتحويل اكثر من 90% من الطاقة المائية المتجددة لهذين الحوضين .

مبكرا جدا ، اعد خبراء الشركة ألأستشارية ألأسرائيلية "طاهال" وهي شركة حكومية ، وتعد من أهم وأكبر الشركات الأسرائيلية المختصة في مجال الدراسات المائية والبيئية ، اعد خبراء هذه الشركة بناء على طلب الحكومة ألأسرائيلية العمالية انذاك ، دراسة تقيمية شاملة حول الوضع المائي في اسرائيل ، وقد أوصى الخبراء في تقريرهم ، إقامة مشاريع لتحلية مياه البحر وتخصيص جزء من هذه المياه غير التقليدية للفلسطينيين ، كحل نهائي للنزاع القائم حول مصادر المياه العذبة .

وعند توليه وزارة البنية التحتية عام 1996 ، اعد شارون خطته التي عرفت بخطة حدود السيطرة على مصادر المياه ، وتتضمنت اقامة حزام امني يمنع الفلسطينيين من القيام داخل منطقة هذا الحزام بأية نشاطات وأعمال تشمل حفر ألأبار او اقامة السدود وغير ذلك ، يضم السياج المقترح من الجهة الغربية كافة المناطق الواقعة غرب الخط المار من مستعمرة ميعامي شمال غرب جنين مرورا ببلدات دير شرف ، جينسفوط ، بديا ، رنتيس ، قبية ، "مسعمرة مودعين" ، "غابة ايالون بارك" ، ترقوميا ، دورا ، الظاهرية وحتى نهاية الحدود الجنوبية للخط ألأخضر. ومن الجهة الشمالية يمتد من ميعامي مرورا بسهل جنين على امتداده مع الحدود الشمالية للضفة الغربية بمحاذاة مجموعة القرى ، زبوبا ، الجلمة ، عربونة ، فقوعة ، جلبون ، بردلة وعين البيضا ، وصولا الى ضفة نهر ألأردن ، ومن الجهة الشرقية وعلى امتداد نهر ألأردن ولعمق 15 كيلو متر داخل مناطق ألأغوار . هذه الحود من الجهات الثلاثة هي كما اسلفنا ما عرف بحدود ألأمن المائي ألأسرائيلي وفق خطة شارون ، والهدف من كل ذلك ابقاء السيطرة ألأسرائيلية الدائمة على احواض المياه الجوفية وعلى حوض نهر ألأردن والى ألأبد.

في اول اجتماع للجنة المياه المشتركة في عهد حكومة نتنياهو ألأولى عام 1996 ، وقد ترأس هذا ألأجتماع عن الجانب ألأسرائيلي مفوض المياه ألأسبق مائير بن مائير ، حيث اعلن هذا ألأخير ان اسرائيل غير معنية بما يسمى بحقوق المياه التي ورد ذكرها بالبند ألأول من المادة ألأربعون من ألأتفاقية المرحلية لعام 1995 والتي يستند اليها الفلسطينيون للمطالبة بما يسمونه بحقوق السيادة على مصادر المياه ، علق مائير بن مائير على هذا ألأمر قائلا ، بأن حقوق المياه تعني بالنسبة له ولرئيس وزراءه نتنياهو انذاك ، بمثابة حقوق احتياج وليست حقوق سيادة ، وانه كمفوض ومسؤول أول عن قطاع المياه من النهر الى البحر ، ملتزم بتوفير احتياجات الفلسطينيين من المياه لأغراض الشرب بمعدل 30 متر مكعب في السنة اي ما يقارب 80 ليتر في للفرد الواحد في اليوم ، وبأنه لن يسمح للفلسطينيين بحفر بئر واحد في الحوض الغربي وعدد محدود جدا في الحوض الشمالي الشرقي ، وبعدم وجود اية امكانية لتزويد الفلسطينيين بمتر مكعب واحد من نهر ألأردن ، وتابع مائير بن مائير كلامه خلال افتتاحه لجلسة لجنة المياه المشتركة ، بأنه لم تعد توجد مياه في ألأحواض الجوفية ولا في بحيرة طبريا ، وبالتالي على الفلسطينيين ان يتفهموا هذا ألأمر جيدا .

ما قاله مائير بن مائير ، طبق بالفعل في في اطار لجنة المياه المشتركة ، فمنذ بدء عمل هذه اللجنة في بداية العام 1996 ، وحتى الأن لم يوافق الجانب ألأسرائيلي على حفر بئر واحدة لأغراض الشرب في الحوض الغربي لصالح الفلسطينيين ، وكما اشرنا لم يتجاوز عدد الأبار الفعلية التي تم حفرها في الحوض الشمالي الشرقي الثمانية ابار ، كما رفض ألأسرائيليون تزويد العشرات من البلدات والقرى الفلسطينية بالمياه من خلال شبكة شركة المياه ألأسرائيلية "ميكوروت" القريبة من تلك التجمعات ، رغم ان الحكومة ألأسرائيلية ومفوضية المياه ، كانوا على دراية تامة ، بطبعة ألأوضاع المائية الصعبة جدا التي تواجه الفلسطينيين ، وبأزمات نقص المياه الحادة التي كانت تسود معظم المناطق الفلسطينية ، ومن ضمنها احياء واسعة داخل بعض المدن الكبرى والعديد من البلدات والقرى التي لم تكن تتوفر فيها مياه كافية لسد الحد ألأدنى من ألأحتياجات المنزلية ، خاصة خلال فصل الصيف . علما بأن المهام الرئيسية التي حددت للجنة ألمياه المشتركة تركزت حول توفير حوالي 80 مليون متر مكعب من المياه للتجمعات الفلسطينية وبصورة عاجلة

 خلال ألأجتماع ألأول للجنة المفاوضات للوضع الدائم حول المياه في شهر اذار من العام 2008 ، قال رئيس الوفد ألأسرائيلي السيد اوري شاني ، بأن المفاوضات حول المياه لن تشمل حوض نهر ألأردن ، وبأن المياه الجوفية المستخدمة من قبل ألأسرائيليين غير مطروحة للنقاش ، فهذه المياه لم تعد موجودة ، وبأنه جاء مع اعضاء وفده للبحث في الأمور الفنية وأوجه ومجالات التعاون في مجال المياه حول مصادر مياه إضافية غير تقليدية وما شابه ذلك ، وأضاف بأن المهام التي كلف بها هي مهام فنية ، ولذلك لن يكون هناك اي حديث له في اطار هذه اللجنة حول ما يسمى بحقوق المشاطئة وحقوق ألأنتفاع والمشاركة في حوض نهر ألأردن وألأحواض الجوفية ، وبأن هذا ألأمر خارج صلاحياته .

وفي اللقاء الثالث للجنة المفاوضات للوضع الدائم حول المياه خلال شهر ايار /2008 ، قدم الجانب الفلسطيني مسودة مقترح لأجندة موحدة ، تتضمن المرجعيات التفاوضية الرئيسية ، وبيان بمجاري أحواض المياه المشتركة الجوفية والسطحية ، وأليات التعاون الفني ، وطلب الجانب الفلسطيني مناقشة هذه ألأجندة للتوصل الى صيغة اجندة نهائية تكون مقبولة من قبل الطرفين ، لتنطلق على اساسها المفاوضات النهائية حول ملف المياه ، إلا ان الوفد ألأسرائيلي رفض المقترح الفلسطيني ، وأعاد رئيسه التأكيد على ان ألأجندة الموحدة التي يمكن القبول بها يجب ان تتضمن بندا واحدا وهو بند اوجه ومجالات التعاون المشترك للبحث عن مصادر مياه اضافية غير تقليدية ، وتحديدا كما اشرنا مشاريع تحلية مياه البحر ، حيث لم تعد توجد مياه عذبة في مجاري ألأحواض المشتركة يمكن التفاوض حولها وتقاسمها ، ودائما حسب اقوال رئيس الوفد ألأسرائيلي المفاوض الذي اضاف قائلا بأن ما تضمنته ألأجندة الفلسطينية المقترحة من مواضيع غير قابلة للتفاوض هي مضيعة للوقت .

ما طالب به خبرا المياه ألأسرائيليين عام 1984 ، وما جاء بتوصيات شركة طاهال ، وما تضمنته خطة شارون لعام 1996المشار اليها اعلاه ، وما قاله مفوض المياه اليميني المتطرف مائير بن مائير وهو ما اعاد قوله نوح كنارتي رئيس لجنة المفاوضات للفترة المرحلية حول المياه ، وغيرهم من مسؤولين سياسيين وخبراء مياه اسرائيليين من اليمين واليسار ، ما قالوه جميعهم ، قد تجسد الجز ألأكبر منه على ارض الواقع ، حيث لم يستطع الفلسطينيون منذ التوقيع على الأتفاقية المرحلية عام 1995 وحتى يومنا هذا الحصول على موافقة لجنة المياه المشتركة لحفر بئر واحدة في الحوض الغربي ، وفي الحوض الشمالي الشرقي تم حفر عدد محدود جدا من ابار الشرب لا يتجاوز عددها الثمانية ابار كما اشرنا سابقا ، وبمعدل انتاجية لا تتجاوز 150 متر معب في الساعة للبئر الواحدة ، ورغم حصول الفلسطينيين على موافقة لجنة المياه المشتركة لحفر حوالي 22 بئرا في الحوض الشرقي ، الا ان عدد كبير من تلك ألأبار إما فشلت او ان انتاجيتها كانت متدنية جدا لا تتجاوزز معدل 70 متر مكعب في الساعة ، والسسب في ذلك يعود الى ان طاقة هذا الحوض اصبحت محدودة مقارنة بطاقة الحوضين ألأخرين ، وقد اصبح الحوض الشرقي في حالة شبه مستنزفة . ومع استكمال بناء الجزء ألأكبر من جدار الفصل العنصري فقد بات ألأسرائيليون يتحكمون بشكل كامل بالحوضين الرئيسيين الغربي والشمالي الشرقي ، ويبدوا انهم قد نجحوا الى حد بعيد في تنفيذ ما جاء بتوصيات خبراءهم منذ عقود ، كما اشرنا انفا .

اما بالنسبة للسيطرة على مياه حوض نهر ألأردن ، فقد انتهى ألأسرائيليون من هذا ألأمر مبكرا بعد ان احكموا سيطرتهم على منابع الحوض في جبل الشيخ وهضبة الجولان بالكامل في حرب عام 1967 ، وهي الحرب التي عرفت بحرب المياه ، او حرب غنائم المياه بالنسبة للأسرائيليين ، حيث تمكنوا بعد هذه الحرب من الشروع في تحويل كامل موارد مياه الجزء العلوي من النهر والتي كما اشرنا تزيد على 900 مليون متر مكعب في السنة ، وتشكل نسبة 70% من اجمالي المعدل السنوي لموارد الحوض المقدرة بحوالي 1280 مليون متر مكعب في السنة ، يجري استخدام اكثر من 160 مليون متر مكعب منها لري سهل الحولة ، كما يجري ضخ وتحويل اكثر من 600 مليون متر مكعب عبر بحيرة طبريا باتجاه السهل الساحلي وحتى مناطق شمال النقب ، بألأضافة الى حوالي 140 مليون متر مكعب يتم تحويلها الى الى مناطق غور بيسان . وفي خطوة عدائية كبرى تشكل انتهاكا فاضحا للقانون الدولي، قام ألأسرائيليون بأغلاق مخارج الجزء السفلي من نهر ألأردن ، عند الساحل الجنوبي لبحيرة طبريا ، وأوقفوا تدفق المياه بشكل كامل الى مجرى هذا الجزء الذي كان يشكل الشريان الحيوي لمناطق ألأغوار الفلسطينية والي كانت في السابق تعتبر سلة غذاء فلسطين .

وفي نفس الوقت باشر ألأسرائيليون في بناء وزرع المستوطنات على امتداد منطقة غور وادي ألأردن من شمال بردلة وحتى البحر الميت ، وبعمق يصل الى 15 كيلو متر داخل الضفة الغربية وأعلنوا هذه المنطقة عسكرية مغلقة ، يمنع على الفلسطينيين دخولها ، ومايجري الحديث عنه حاليا ضمن ما اصبح يعرف بخطة كيري ألأمنية التي تتضمن أستمرار السيطرة ألأسرائيلية على منطقة ألأغوار لسنوات طويلة ، وهو ما يعني تدمير منطقة ألأغوار وتحويل معظم اراضيها الى اراضي صحراوية .

في اطار المواقف ألأسرائيلية المعلنة سابقا بشأن ملف المياه وقضايا المياه ، وفي اطار ما اصبح قائما على ارض الواقع كما اشرنا الى ذلك اعلاه ، وفي ظل ما يجري الحديث عنه حاليا بشأن منطق غور وادي ألأردن والبحر الميت ، وبعد ان تم التوقيع على مشروع قناة البحرين وهو المشروع الذي يعتبر بمثابة شهادة وفاة وزوال للجزء السفلي من نهر ألأردن وبالتالي ضياع حقوق الفلسطينيين في هذا الحوض ، ضمن هذه ألأمور جميعها فأن قراءة ألأجندة ألأسرائيلية بشأن ملف المياه التفاوضي اصبحت شبه مكتملة وواضحة وضوح الشمس ، وما سستضمنه ألأجندة ألأسرائيلية حول المياه يمكن تلخيصة بالعناوين التالية :

• ألأصرار ألأسرائيلي على رفض كافة المرجعيات التفاوضية التي يطالب بها الفلسطينيون وعلى رأسها

 القانون الدولي وخاصة ما يرتبط بمباديء وقواعد قانون المياه الدولي ، وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة . حيث سيصر الأسرائيليون على اعتماد ألأسلوب البراغماتي للتفاوض ، وإستبعاد كلي للقانون الدولي .

 

• ألأصرار على رفض ادراج موضوع حوض نهر ألأردن وحصر هذا ألأمر بألأودية الجانبة المشتركة فقط ، وعدم ألأعتراف بحقوق المشاطئة للفلسطينيين في الحوض .

• الرفض القاطع لأدراج الحوضين الساحلي والكرمل وإعتبارهما خارج موضوع التفاوض .

• رفض مناقشة اوجه ألأستخدام القائم للحوضين الجبليين الغربي والشمالي الشرقي وإعتبار ان اوجه ألأستخدام القائم من قبلهم لمياه هذين الحوضين ، قد أصبحت بمثابة حقوق تاريخية مكتسبة ، غير قابلة للتفاوض . وبالتالي منع الفلسطينيين من القيام مستقبلا بحفر ألأبار او إقامة السدود في مناطق الحوضين الجبليين الغربي والشمالي الشرقي .

• رفض مناقشة الحقوق والمطالب الفلسطينية في البحر الميت واعتبار هذا ألأمر خارج التفاوض ، ولا حدود ولا حقوق سيادية ولا حقوق مشاطئة للفلسطينيين في هذا الحوض .

• سيعلن ألأسرائيليون مجددا تنصلهم الكامل من التزاماتهم التي وقعوا عليها على المادة أل 40 من الأتفاقية المرحلية بشأن المياه ، وتحديدا ما يتعلق بمسألة حقوق المياه الفلسطينية ، وفق ما ورد بالبند رقم 1 من المادة المشار اليها ، وبالتالي سيأكدون مجددا على رفضهم ادراج البند الخاص بمسألة حقوق المياه كحقوق سيادة ، ولن يتفاوضوا حول هذا ألأمر .

• سيعود ألأسرائيليون مجددا لطرح موضوع بدائل المياه غير التقليدية ، وتحديدا كما اشرنا تحلية مياه البحر لتزويد الفلسطينيين بها وستكون تلك المياه خاضعة لأسعار شركة ميكوروت ، اي ما لا يقل عن 4.5 الى 5.5 شيكل للمتر المكعب الواحد ، وهذا السعر ليس نهائي حيث سيقى خاضعا للزيادة وفق ارتفاع مؤشر غلاء المعيشة في اسرائيل ، أي بخلاصة شديدة ، يعمل ألأسرائيليون على ترجمة عملية لمسألة حقوق المياه الفلسطينية وتحويلها الى كميات من المياه المحلاة المشتراة من شركة ميكوروت مقابل تسديد ثمن تزويدها وبأسعار عالية ، كأي مستهلك للمياه في اسرائيل .

• قد يعرض ألأسرائيليون تزويد الفلسطينيين بكميات محدودة من مياه طبريا ، بمعدل قد لا يتجاوز 20 مليون متر مكعب ، يتم نقلها عبر انبوب الى مناطق ألأغوار ، لأستخدامها للري ، وسيدفع الفلسطينيون تكلفة ضخ ونقل هذه المياه ، وفي الغالب ستكون هذه التكلفة عالية جدا ، وفوق قدرة المزارعين الفلسطينيين ، علما بأن وسائل ألأعلام قد اشارت الى ان هذا العرض ألأسرائيلي السخي هذا ، قد اعلن عنه خلال المناقشات االتي سبقت التوقيع على اتفاقية مشروع قناة البحرين ، بهدف دفع الفلسطينيين التوقيع على اتفاقية المشروع ، ومقابل اغلاق ملف نهر ألأردن والى ألأبد .

هذا ما سيعرضه ألأسرائيليون وليس غير ذلك ، نأمل ونتمنى ان نكون مخطئين في هذا الشأن ، ونأمل ونتمنى ان يكون الموقف ألأسرائيلي غير ذلك ، وعكس كل ذلك ومليء بحسن النوايا وحسن الجوار ، وأن تنتهي المفاوضات بالتوقيع على اتفاقية تعيد للفلسطينيين حقوقهم السيادية المشروعة في احواض المياه المشتركة وفق معايير ومباديء وقواعد قانون المياه الدولي .الا ان تجربتنا الطويلة السابقة كمفاوض ورئيس لجنة المفاوضات حول المياه ورئيس لجنة المياه المشترك عن الجانب الفلسطيني لسنوات طويلة ، تبقى هي المقياس الوحيد لقناعاتنا الشخصية والقوية بأن الفلسطينيين سيخرجون من المفاوضات بكأس فارغة إذا رضخوا للضغوطات التي تمارس عليهم .

المفاوضات حول قضايا الوضع الدائم ومن ضمنها المياه اشبه بمعركة البقاء والمصير ، بالنسبة للفلسطينيين ان يكونوا او ان لايكونوا ، فطبيعة وحجم التحديات التي تواجه القيادة الفلسطينية والمفاوض الفلسطيني كبيرة جدا وصعبة جدا بل وخطيرة ومصيرية بشأن كافة القضايا التفاوضية وعلى رأسها كما اسلفنا مسألة حقوق المياه المشروعة ، فالمياه هي اساس الحياة واساس التنمية ، وبالتالي فأن قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة مرتبط بشكل كبير بنجاح المفاوض الفلسطيني في تثبيت وتحقيق نتائج ملموسة وعملية قابلة للترجمة على ارض الواقع وليس وعود وضمانات كاذبة وفارغة ، تشمل حقوق المشاطئة الكاملة في حوض نهر ألأردن وفي ألأحواض الجوفية كاملة مقرونة بالسيادة القانونية وحق التصرف وإدارة تلك المصادر وفق متطلبات خطط وبرامج التمية المائية ووفق مقتضيات ألأمن المائي الفلسطيني ، وضمن توجهات السياسة المائية الفلسطيني .

لهذا فأن على القيادة الفلسطينية ان تضع امامها بالحسبان العديد من الحقائق الهامة جدا بشأن ألأوضاع المائية الحرجة والصعبة والمتفاقمة في كافة مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة على السواء ، وفي مقمتها ألأوضاع المائية في قطاع غزة التي وصلت الى حالة الكارثة ، حيث اصبحت مصادر المياه الجوفية بمعظمها مياه ذات معدلات ملوحة عالية ، ولم يعد من الممكن استمرار عمليات الضخ الجائر من كافة الطبقات الحاملة للمياه الجوفية في قطاع غزة ، بل اصبح ألأمر يتطلب بالضرورة اتخاذ ألأجراءات العملية العاجلة والصارمة للحفاظ على تلك ألطبقات المستنزفة بالكامل من خطر الدمار الشامل ، وفي الضفة الغربية تتعرض الأحواض المائية الى ظاهرة الهبوط التدريجي في مستوى سطح المياه ، بسبب عمليات الضخ القاهر، مصحوبة بالتأثيرات المباشرة لظاهرة التغير المناخي ، وهو مؤشر خطير يهدد سلامة تلك ألأحواض وينذر بمخاطر تعرضها لحالات ألأستنزاف الكامل وارتفاع معدل الملوحة فيها والنضوب في نهاية المطاف ، ولذلك فأن ألأعتماد على المياه الجوفية لري ألأراضي الزراعية الجبلية في محافظات جنين وطولكرم وقلقيلية لم يعد ممكنا من كافة النواحي والجوانب الفنية وألأقتصادية ، وبالتالي لم يعد امام الفلسطينيين سوى ألأعتماد على مياه حوض نهر ألأردن لأعادة تنمية وتطوير منطقة ألأغوار لتكون سلة غذاء فلسطين مجددا . وبأن مشاريع تحلية مياه البحر لا تشكل حلولا مثالية في ظل الظروف الأقتصادية الصعبة ، وعدم القدرة لدى نسبة كبيرة من الفلسطينيين على تحمل تكاليف التزود بالمياه من هذه المصادر ، بواقع قد لا يقل عن 6 شيكل للمتر المكعب الواحد ، بألأضافة الى اعتبارات هامة اخرى تتعلق بالجوانب البيئية والصناعية لهذا النوع من الحلول ، وغير ذلك ، ولهذا فأنه من المبكر جدا الحديث عن بدائل تحلية المياه . هذه الحقائق وغيرها تستدعي الحذر الشديد بشأن قضايا المياه الجوهرية وعلى رأسها حقوق المياه الفلسطينية المشروعة، والتي كما اسلفنا سيتحدد على اساسها ضمان تحقيق التنمية المنشودة واقامة دولة فلسطين المستقلة القابلة للحياة وعاصمتها مدينة القدس .