الإسلام السياسي ما بين الصعود والأفول ..!
تاريخ النشر : 2013-10-10 01:08

شهدت الحياة العربية المعاصرة في العقود الأخيرة نمواً وصعوداً للتيار الديني الاصولي السلفي المتطرف المتمثل في حركات الإسلام السياسي . وثمة عوامل عديدة لعبت وساهمت في نشوء وتكون الظواهر السلفية والعدمية متعددة الألوان والأشكال ، وفي الفورة الدينية المقترنة بالتطرف والعنف والارهاب ، التي اجتاحت المنطقة العربية . ومن هذه العوامل تردي الواقع العربي، وحالة التخلف الثقافي والحضاري بمعانيه ومستوياته وجوانبه وتجلياته، وتغلغل نزعات التعصب الديني في العمق والوجدان الشعبي العربي عدا عن تراجع الحركة الشعبية والفعاليات السياسية ، وفشلها في ايجاد الحلول والأجوبة للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها الجماهير الشعبية الكادحة الفقيرة، اضافة الى نكوص الأحزاب التقدمية والديمقراطية والليبرالية، وانحسار دور المثقفين العرب بفعل محاكم التفتيش وحالات التكفير وعمليات القمع السلطوي المؤسساتي لكل فكر تقدمي ونضالي ثوري وجذري مخالف ولكل اجتهاد في الدين والسياسة والأخلاق والعلاقات الاجتماعية، ما خلق وهيأ الظروف والشروط لتنامي الأفكار والمعتقدات السلفية والغيبية في مجتمعاتنا العربية .

وقد حقق التيار الديني ممثلاً بجماعة الإخوان المسلمين انتصارات ونجاحات، وتمكن من استقطاب واستمالة فقراء الوطن ومعذبيه ومستضعفيه ، ونجح من خلال المشاركة السياسية في الحراك الشعبي، الذي هز عروش الديكتاتوريات العربية ، وعروش الملوك والأمراء والسلاطين العرب، في الوصول الى سدة الحكم وتسلم زمام السلطة وشؤون البلاد في مصر وتونس عبر الانتخابات التشريعية والدستورية ، التي جرت عقب انتصار الثورات والانتفاضات الشعبية ، التي سميت بـ "ثورات الربيع العربي" واطاحت بنطامي مبارك وزين العابدين . لكن حلاوة هذه الانتصارات لم تدم طويلاً ، بعد تراجع شعبية التيار الديني في اعقاب تولي السلطة ، نتيجة الأخطاء التي مارستها وارتكبتها قيادات الإخوان المسلمين ، وفشلها في تلبية وتحقيق مطالب الثورة المصرية ، فضلاً عن تردي وسوء الأوضاع والأحوال الاقتصادية المنهكة بالأساس ، التي شكلت عاملاً رئيسياً وسبباً مباشراً في اندلاع ثورة الجماهير ، كذلك افتقارهذه القيادات للرؤيا السياسية واخفاقها في حل المشكلات العالقة والقضايا المفصلية الجذرية التي تواجه مصر وشعبها . ناهيك عن انتهاكها حقوق الانسان وتفردها بالسلطة وهيمنتها عليها ، واعتمادها سياسة التهميش والاقصاء والتشدد تجاه الآخرين من قوى وأحزاب المعارضة ، وعدم اشراكها في صياغة وبناء ملامح المستقبل المصري . كل هذا أدى بالتالي الى تأجج الغضب الشعبي وانفجار التسونامي الجماهيري ، الذي جعل الجيش المصري بقيادة اللواء عبد الفتاح السيسي من اتخاذ القرار بعزل مرسي والاطاحة بحكم الاخوان المسلمين ، الذي كاد ان يدخل مصر في أكبر فتنة داخلية لا تحمد نتائجها وعواقبها .

يمكن القول ، ان ما حصل في مصر من عزل مرسي، وفض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة بالقوة ، واعتقال قيادات الإخوان وزجهم في المعتقلات ، واعلان المحكمة المصرية عن حظر جماعة الإخوان ، كل هذا يمثل انتكاسة كبرى للتيار الديني ولجماعات وحركات الاسلام السياسي ، ويعمق أزمتها ويجعلها في اسفل السلم ، وفي طريق الأفول والزوال عن المشهد السياسي والفكري المصري والعربي .

الانتكاسة الراهنة التي تواجه التيار الديني من شأنه خلق واقع جديد في مصر والوطن العربي وافراز ظواهر سياسية واجتماعية جديدة ، وبعث الروح الثورية ودب الحياة في الفكر السياسي العربي وفي حركة التطور العربية ، واعادة الوهج والنضرة للعقلانية ولفكر التنوير العربي . وازاء ذلك فإن المطلوب من الأحزاب والتيارات السياسية التقدمية العربية ، التي تحمل راية التقدم والحرية والديمقراطية والحداثة والمعاصرة والمعرفة والتنوير والعقلانية تجديد ذاتها ، والتحرر من عصبويتها وفئويتها فكراً وممارسة ، واعتماد الديمقراطية أساساً في النضال والعمل الثوري والممارسة اليومية والاجتماعية ، والعمل على اعادة بناء وارساء صرح النهضة الثقافية والعلمية ، الذي تم بناؤه في أواخر القرن التاسع عشر على أيدي رجالات الاصلاح والتنوير ، ونراه اليوم حطاماً ، وصولاً الى احداث التغيير المنشود والمأمول ، واجراء الاصلاحات الدستورية والسياسية ،وتصفية واجتثاث جذور مجتمعنا الذي يرزح تحت عبء التقليد وتقديس القديم ، وإنشاء مجتمع عصري ومدني حديث ، وانعاش مؤسساتنا الثقافية والعلمية ، وتحقيق الانتصار للعقل والابداع العربي .