التسوية السياسية لازمة مخيم اليرموك اضغاث احلام
تاريخ النشر : 2013-12-23 22:22

في مقال سابق لي بعنوان ((مخيم اليرموك بين التسوية السياسية والحسم العسكري)) بتاريخ 15 تشرين ثاني الماضي توقعت ومن المعطيات المتوفرة لدي ان إعلان الفصائل المسلحة في مخيم اليرموك عن رغبتهم بحل سياسي لازمة المخيم ماهي إلا كسبا للوقت ومناورة سياسية اقتضتها الانجازات العسكرية التي حققها الجيش السوري عسكريا وخصوصا في منطقتي السبينة وحجيرة وإحكام الطوق العسكري علي مخيم اليرموك وقطع الإمدادات عنهم ؟.

وللأسف فان توقعاتي قد صدقت حيث انه وبعد شهر كامل من المناورات والمماطلة والتسويف والمبادرات فقد أعلنت الجماعات المسلحة في مخيم اليرموك عن رفضهم لأي اتفاق بشان مخيم اليرموك واشعلت جبهات القتال علي محاور مخيم اليرموك وقامت بعملية استعراض عسكري في الشوارع الرئيسية في المخيم مما يؤكد عدم صحة ادعاءاتها اثناء المفاوضات بانها انسحبت من المخيم ونفذت ماعليها من التزامات .

ورغم التضليل الذي مارسته وسائل الاعلام المحسوبة علي دول إقليمية تدعم هذه الجماعات باتهام فصائل التحالف وتحديدا الجبهة الشعبية القيادة العامة بنقض الهدنة وإفشالها وعدم الالتزام بها إلا ان لجنة المصالحة المستقلة برئاسة الشيخ العمري رئيس اللجنة وفي مؤتمر صحفي عقدته في مقر المجلس الوطني الفلسطيني في دمشق يوم السبت ظهرا أعلنت ان المسؤول عن فشل الاتفاق وانهيار الهدنة هي الجماعات المسلحة التي استجابت لأوامر مموليها في الخارج وباعت أهلها وشعبها ومعاناتهم من اجل حفنة من الدراهم .

ومنذاعلان المسلحين نقض التهدئة فجر السبت 14/12/2013 اشتعلت المعارك علي أطراف مخيم اليرموك بين اللجان الشعبية وفصائل التحالف من جهة وبين هذه الجماعات المسلحة التي قامت بحملة من الاعتقالات في صفوف الأهالي والشخصيات المؤيدة للمبادرة وللحل السلمي للازمة والذين اعلنو رغبتهم تسوية أوضاعهم لدي الدولة السورية وكذلك اعتقلت عناصر الإغاثة الإنسانية في المخيم وأعضاء في الهيئات الوطنية التي تقوم بدور إنساني حيث قامت جماعة مسلحة متشددة باعتقال عضو الهيئة الوطنية الفلسطينية السيد يوسف الخطيب صباح الأحد واقتادوه بصورة وحشية إلي جهة مجهولة وأوسعوه ضربا أمام أعين الناس جميعا .

لقد بدأت المعركة واقلع الحل العسكري من مراسيه ودفنت التسوية السياسية لازمة مخيم اليرموك إلي غير رجعة حيث أثبتت تجربة الشهر الفائت ان آخر مايفكر فيه هذه الجماعات هو ترك المخيم بإرادتهم وبشكل سلمي وأثبتت كل تجارب ومعارك الجيش السوري طوال أزمة الثلاث سنوات السورية ان هؤلاء المسلحين لم ولن يغادروا اي منطقة سلميا بل بالضغط الميداني وتحقيق النصر العسكري عليهم .

وهذا يعني ان أي عودة للحوار مع هذه الجماعات المسلحة بحجة إيجاد حل سياسي لازمة المخيم ليس فقط مضيعة للوقت بل خطا استراتيجي سيزيد معاناة الناس في داخل مخيم اليرموك وسيطيل معاناة النازحين خارجه .

ان الجماعات التكفيرية المسلحة في مخيم اليرموك لن تغادره سلميا لسببين رئيسيين :-

الأول :- سياسي ويتمثل في ان توقيت الحديث عن حل سياسي لازمة مخيم اليرموك يأتي في ظل الحديث عن حل شامل للازمة السورية في جنيف 2 وتحاول الدول الراعية والممولة لهذه الجماعات ان تذهب إلي هذا المؤتمر ومخيم اليرموك رهينة بأيديها لاستخدامه كورقة تفاوضية ضاغطة علي الدولة السورية لما تشكله المخيمات الفلسطينية وعلي الاخص مخيم اليرموك من رمزية هامة لجوهر القضية الفلسطينية وهي قضية اللاجئين ولما تشكله استنادا لذلك من مادة دعائية دسمة في الحرب الاعلامية المتواصلة ضد سووريا وقيادتها الامر الذي تنبهت له منذ البداية القيادة السورية واوكلت امر حل ازمة اليرموك الي الفصائل الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية بما لايمس بامن سوريا وخطتها الاستراتيجية للقضاء علي ارهاب هذه الجماعات التي لم يسجل التاريخ فظائع كالفظائع التي ارتكبتها في سوريا .

الثاني :- اقتصادي ويتمثل في ان مخيم اليرموك اصبح بالنسبة لهذه المجموعات بقرة حلوب و مصدر ثراء فاحش لها بسبب المتاجرة بالمواد الغذائية والسلع الأساسية التي يقوم هؤلاء بتهريبها إلي داخل المخيم وإشباع حاجات عائلاتهم منها وبيعها للناس في مخيم اليرموك بأثمان خيالية حيث وصل كيلوا الأرز إلي مايقارب العشرين دولار , مما حدا بسكان المخيم وخلال الشهر الفائت وفترة الهدوء والبحث عن حل سياسي للازمة إلي الخروج بتظاهرات شعبية كبيرة ضد هؤلاء التجار وهاجموا بسطاتهم ودمروها .

 

وفي المعلومات فان فان دول اقليمية وخليجية وفي المقدمة السعودية هم من تسبب بإفشال الحل السياسي لازمة مخيم اليرموك بالطلب من الجماعات المسلحة بداخله بإعلان رفض أي حل سياسي للازمة وإلقاء مسؤولية إفشال الاتفاق علي عاتق الدولة السورية وفصائل التحالف الفلسطيني .

ان الهدف السعودي من تعطيل الاتفاق يتمثل بإبقاء مخيم اليرموك ومعاناة أهله ورقة ومادة للمتاجرة والضغط السياسيين علي الدولة السورية في سياق المعركة التي تخوضها سوريا لمواجهة المشروع الصهيوامريكي الخليجي الذي يستهدف تسديد ضربة وتسجيل اختراق في محور المقاومة من خلال إسقاط القيادة السياسية القومية في سوريا التي تشكل الان العمود الفقري لمحور المقاومة .

ان العائلة المالكة في السعودية تعلم علم اليقين ان بقاؤها أو زوالها مرهون ومتوقف علي شكل نهاية المعركة الضروس التي تدور رحاها الان في سوريا .

ومن اجل ذلك فهي – اي ال سعود- أصرت علي المضي في المعركة حتي النهاية ولذلك فهي لاتدخر جهدا في تعطيل أي بارقة أمل في انتهاء الحرب سواء في مخيم اليرموك أو غيره في محاولة لاستنزاف الجيش والدولة السوريتين ولمنع تحقيق نصر مطلق لها يؤدي كما قلنا إلي سقوطها واندحارها .

ان النظرة السعودية للازمة السورية – وهم محقين في ذلك- تنطلق من معادلة ان نصر بشار الاسد في الحرب الدائرة في سوريا يعني هزيمة ال سعود وزوال عرشهم الذي تربعوا عليه لما يقارب المئة العام ولذلك فهم يوظفون المليارات ويسخرون كل مالديهم من وسائل اعلام وحتي يشجعوا الشباب السعودي علي المشاركة في القتال في سوريا وهذا ماكشفته الاجهزة المختصة في سوريا من القبض وقتل العشرات من السعوديين في المعارك الدائرة في سوريا .

ان الخطأ السابق الذي ارتكبته فصائل التحالف والذي تمثل في الوقوع في وهم إمكانية إيجاد حل سياسي مع المسلحين لازمة المخيم ينبغي ان لايتكرر وينبغي ان يستمر الضغط العسكري علي هذه الجماعات حتي تعلن استسلامها الكامل وتنفذ كل شروط اتفاقية المخيم التي في جوهرها إخلاء المخيم من المسلحين والأسلحة والتأكد من ذلك بوحدات متخصصة من الجهات الرسمية لتامين عودة غير مأمونة للسكان النازحين خارج المخيم والذين يقدر نسبتهم بما يزيد عن 80% من سكانه .

ان تحقيق نصر عسكري في مخيم االيرموك وبشكل سريع – وهذا ممكن- سيشكل ضربة موجعة للمخطط الصهيوامريكي والخليجي وتحديدا السعودي وسينزع من ايدي هؤلاء ورقة انسانية وسياسية لطالما تاجروا بها واستغلوها في مواجهة سوريا وجيشها وقيادتها .

أما حول المعضلة الجوهرية المتمثلة بوجود حوالي 12الف من المدنيين في داخل المخيم وهؤلاء سيكونوا عرضة للاذي بسبب المعارك مع المسلحين ناهيك عن ان المسلحين يتخذونهم دروعا بشرية ويحتمون بهم فان الحل لهذه المعضلة يكمن في العودة إلي المبادرة المنطقية الأساسية التي طرحتها الجبهة الشعبية القيادة العامة وفصائل التحالف ووافقت عليها بل وتبنتها الدولة السورية والمتمثلة في إيجاد ممر امن للمدنيين للخروج من المخيم إلي مراكز إيواء معدة خصيصا لاستيعابهم ووفق شروط إنسانية معقولة وبقاؤهم فيها لحين حسم أمر مخيم اليرموك وطرد هذه العصابات المسلحة منه .

ان شروط نجاح الحل العسكري لمخيم اليرموك يتطلب أمرين :- الأمر الأول وجود خطة عسكرية محكمة وخلاقة وغير تقليدية تتناسب مع طبيعة المعركة التي تقتضي حرب شوارع وزواريب ولنا في في تجربة حزب الله في معركة القصير مثالا نموذجيا علي ذلك .

والثاني يتمثل بضرورة ان توفر الفصائل الفلسطينية كافة ومنظمة التحرير الغطاء السياسي لهذا الحل العسكري حيث أصبح موقفها المعلن بعدم التدخل يعني خدمة مجانية لمختطفي اليرموك للاستفادة من هذا الموقف لإطالة امد الأزمة ومعاناة الناس .

علي الفصائل الفلسطينية المؤثرة بالازمة ان تعلن بوضوح وبشكل سريع ان مبادرة إيواء السكان الخارجين من المخيم مازالت قائمة بكافة بنودها التي أعلنت عنها في حينه , وان الوعد بتسوية اوضاع من يرغب من المسلحين الفلسطينيين مازال متاحا ايضا .

والامر الاخير الذي ينبغي التنبه له هو ضرورة تطوير الحملة الاعلامية المرافقة لهذا الحل العسكري ومشاركة كل قنوات محور الممانعة في تغطية هذا الخيار والتوجه وشرح استهدافاته لكي لايظل – إعلاميا- مجرد معركة عسكرية تخوضها الفصائل الفلسطينية خدمة للنظام وليس لمصلحة شعب مخيم اليرموك الجريح .

الخلاصة :- الحل العسكري هو الخيار الواقعي لازمة مخيم اليرموك ؟, اما الحل السياسي فهو اضغاث احلام.