رسالة من باحث فلسطيني إلى "الأخ المجاهد إسماعيل هنية"
تاريخ النشر : 2013-12-23 18:22

أمد/ غزة كتب  د. جميل مجدي: أخي المجاهد "أبو العبد" ... ابن المخيم ورفيق محنة الأسر والمناضل المسؤول

أكتب إليك رسالتي هذه والقضية تعيش ظروفاً استثنائية، والحال برمته لا يخفى على ذي بصيرة مثلك، فالواقع العربي يعيش شتاته ما بين قهر استمر على عهد حكومات ما بعد حقبة الاستعمار وما بين نسيم حرية قضت عليه الثورات المضادة والتدخلات الأجنبية، والواقع الاقليمي منغمس في صفقات تعتبر المصالح عنوانها بعيداً عن لغة المبادئ والشعارات، والمحيط معادٍ بقوة للمشروع الإسلامي ومشروع تحرر الشعوب من إرادات الكبار، والحال في فلسطين يصعب على كل ذي بديهة أن يبصره أو يفسره أو يستكشف أسبابه، فالساسة منقسمون والأحزاب تتصارع بالبرامج والاحتلال يهوّد في القدس ويبني المزيد من المستوطنات ويحاصر ويقمع ويبني جداره العنصري ويمارس سياسات تنفي للأبد فكرة الكينونة الفلسطينية على هذه الأرض، بينما يعيش المواطن الفلسطيني مترقباً غضب الطبيعة من جهة وغضب الفقر من جهة أخرى، فلا اقتصاد يفي بحاجة الناس ولا تنمية مستدامة ولا حياة سياسية تفسح المجال لتعدد البرامج وتداول السلطات، وفي زحمة كل هذه المعطيات لا مناص من محاولة المناقشة الهادئة مع ذوي العقول والبصائر ـــ وأحسبك منهم ــــ لنتمعن في الواقع ونتلمس الخطى التي يمكنها أن تقودنا نحو جادة الصواب.

رسالتي إليك سيتلوها رسائل أخرى لكل مهتم وكل مسؤول وكل صاحب ضمير حي، أدعوك فيها مباشرة ودون مواربة ودون إلتفاف على المعاني أو أي من نوعٍ من المستدركات إلى وضع الكرة مباشرة في ملعب كل من يتهمك أو يتهم حركتك أو حكومتك أنكم غير معنيين بمصالحة وطنية شاملة وغير معنيين باستراتيجية وطنية في مواجهة ما يُخطط لشعبنا من كل المحيط المعادي، وأول هذه الخطوات، التي سيتلوها خطوات، سواء كان الرد إيجاباً أو سلباً، هو دعوتكم للرئيس محمود عباس بالقدوم فوراً إلى غزة، هو ومن يحب، والإشراف بنفسه على ثلاثة عمليات مهمة للغاية، أولها بحث تشكيل حكوة الوحدة الوطنية، وثانيهما ترتيبات الإنتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني وما تبقى من البلديات، وثالها متابعة ملف فك الحصار المفروض على غزة وإعادة إعمارها، إن كان الجواب إيجاباً، فعلى كل فريق أن يتحمل مسؤولياته تجاه إعمال المصالحة على الأرض، من مصالحة مجتمعية إلى تسوية أوضاع المؤسسات العامة والحكومية إلى ترتيبات عودة الموظفين إلى عملهم إلى مناقشة دمج الأجهزة والمصالح الحكومية وغيرها، وإن كان الجواب سلباً فعليك حينها أن تخرج إلى "شعب غزة" بخطاب جديد، نوعي ومتوازن ومباشر، تقول فيه أننا بتنا كلنا في غزة اليوم في واقع مختلف، فالحكومة لم تعد حكومة حركة حماس بل أصبحت حكومة الشعب الفلسطيني في البقعة التي نحكمها، وهذا يعني أن الكل الوطني في غزة يصبح في مواجهة مع كل من لا يرغب في تكريس المصالحة، فتح وحماس والجهاد والجبهات والمستقلين، وأنه اعتباراً من تاريخ الخطاب سيتم إطلاق الحريات، وفتح المؤسسات والإفراج عن المعتقلين وتسوية أوضاع الموظفين، على قاعدة أننا شركاء في المصير وفي لقمة العيش وفي ظروف الحصار والمعاناة وفي تحمل مسؤولية إدارة قطاع غزة، وأن غزة اعتباراً من تاريخ الخطاب سيحكمها الحوار والنقاش الهادف وعدم الإقصاء وعدم النظر بمنطق حزبي تجاه القضايا والملفات، وأن أهل غزة أدرى بأحوالها وهم قادرون على مواجهة ظروفهم المعقدة على قاعدة وطنية عامة لا تستتثني أحد ولا تقصي أحد ولا تسمح لمن هم خارج دائرة الفعل أن يقرروا نيابة عنها من ينبغي وما لا ينبغي من سياسات.

أخي "أبو العبد"

افعلها، وضع الكرة في ملعب المنافس، واجعل التاريخ الفلسطيني يستذكر خطوتك هذه، فالحياة قصيرة والعمر قصير، وحذار أن تمر المرحلة والأهل منقسمون، لن يرحمكم التاريخ ساعتها، ولن يغفر لكم الجوعى والثكالى والمحرومون، ولا تقل لي أنك وجهت دعوات للشراكة والمصالحة وعددت خطوات للفعل، المطلوب هو دعوة مباشرة للرئيس أن يأتي ويتحمل مسؤولياته، وتذكر أن الوقت يجري، والرهانات على خريطة الإطار كبيرة، وإن أفلح كيري في جمع المتفاوضين على وثيقة أوسلو 2 فإن الهوة ستتسع أكثر والخلافات ستتفاقم، ودعونا نستعد لمواجهة شاملة عنوانها ثوابتنا المقدسة قبل أن نغرق جميعاً في أتون نار الانقسام التي لا ترحم.

*باحث في الشؤون الفلسطينية