سيناريوهات جنيف "2" السوري في ضوء المتغيرات السياسية والعسكرية
تاريخ النشر : 2013-12-22 02:22

من يتابع التطورات العسكرية على الأرض في سوريا ، يكتشف بسهولة أن مؤتمر جنيف -2- ، الذي جرى تحديد موعده من قبل كل من الراعيين الروسي والأمريكي في الثاني والعشرين من كانون ثاني القادم ، قد لا ينعقد ، وإذا ما انعقد فإن جولاته ستستمر شهوراً أو سنوات ، وأن مصيره الفشل المحتوم ، وذلك ارتباطاً بتطورات ومتغيرات عسكرية وسياسية محلية وإقليمية ودولية ، تصب في مصلحة النظام الوطني في سوريا والجيش العربي السوري .

فعلى صعيد المتغيرات العسكرية نشير إلى ما يلي :

أولاً: تغير المعادلة العسكرية في سوريا ، بشكل متسارع لصالح الجيش العربي السوري وحلفائه ، وانتقال هذا الجيش منذ معركة القصير الإستراتيجية في فبراير/ شباط من العام الجاري ، من حالة الدفاع والصمود إلى حالة الهجوم ، في سلسلة انتصارات تكتيكية ، يحرر من خلالها العشرات من البلدات والقرى في الغوطتين الشرقية والغربية ، وفي ريف حمص والبلدات المحيطة بشرقي حلب وجنوبها ، ناهيك عن معارك الحسم في سلسلة جبال القلمون ، وصولاً إلى الهزائم التي يلحقها بالجماعات التكفيرية في منطقة دير الزور توطئة لدحرها من منطقة آبار النفط في شرق سوريا.

ولا يغير من واقع الصورة ، الاختراقات العسكرية التي قد تحدثها العصابات الإرهابية في هذه البلدة أو تلك ، كما حصل في معلولا وعذرا مؤخراً ، فهي لا تعدو كونها محاولات لرفع الروح المعنوية لمقاتليها ، خاصة بعد فشل الهجوم المؤلل الضخم - المشكل من ( 5000 مقاتل ) جرى تدريبهم على يد خبراء أمريكان وإسرائيليين وسعوديين - الذي شنته هذه العصابات على الغوطة الشرقية الشهر الماضي ، في محاولة يائسة لفك الحصار ، عن مجاميعها المحاصرة فيها / ذلك الهجوم الذي أشرف على تخطيطه وتجهيزه مدير المخابرات السعودية بندر بن سلطان ، بالتنسيق مع الاستخبارات الإسرائيلية ، التي عملت على تعطيل شبكة الاتصال السورية في تلك المنطقة لحظة بدء الهجوم .

ثانياً : تراجع ما يسمى بالجيش الحر إلى حد التلاشي ، في مواجهة العصابات التكفيرية وبخاصة " جبهة النصر وداعش وأحرار الشام " التي ألحقت به هزائم متتالية ، ناهيك عن التحاق العديد من سرايا هذا الجيش ، بالعصابات التكفيرية أو التي تطًلق على نفسها " بالتنظيمات الجهادية ".

ثالثا : دخول السعودية بشكل كبير على خط تحطيم ما يسمى بالجيش الحر الذي دعمته سابقا ، كون قيادته السياسية والعسكرية ( أحمد الجربا وسليم إدريس ) وافقت على المشاركة في جنيف "2" نزولاً عند املاءات الإدارة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا ، ذلك المؤتمر الذي ترفضه السعودية من منظور إصرارها البائس على إسقاط النظام في سوريا.

وقد عملت المخابرات السعودية ، بالتنسيق مع السلفي اللبناني زهران علوش على تشكيل الجبهة الإسلامية ، عبر توحيد مجموعة فصائل إسلاموية تضم التنظيمات التالية ( أحرار الشام ، وجيش الاسلام ، وصقور الشام ، ولواء التوحيد ، ولواء الحق ) وهي مكونات غي متناسقة عقائدياً وأيديولوجياً ، فبينما تنتمي أحرار الشام إلى تيار " السلفية الجهادية " تنتمي كل من صقور الشام ولواء التوحيد إلى فكر قريب من الأخوان المسلمين ، في حين أن " جيش الإسلام " بقيادة السلفي اللبناني زهران علوش يضم مزيج من الأخوان المسلمين وتياران دينيان سعوديان وهابيان هما "السرورية والجامية".

واللافت للنظر أن قوات الجبهة الإسلامية ، التي تتلقى الهزيمة تلو الأخرى في مدن القلمون وبلدات الغوطة ، وجهت ضربة قاصمة لما يسمى بالجيش الحر عند معبر باب الهوى على الحدود التركية السورية ، باستيلائها مؤخراً على موقع رئاسة الأركان لهذا الجيش ، وعلى جميع مخازن الأسلحة والذخيرة له ، والمرسلة من قبل كل من أمريكا وفرنسا وبريطانيا.

رابعاً : التنسيق ما بين الجبهة الإسلامية وجبهة النصرة ، بترتيب استخباراتي سعودي ، الذي يعني فيما يعنيه أن السعودية دخلت على خط التنسيق مع تنظيم القاعدة لإفشال جنيف "2" ، حيث تؤكد الأنباء الواردة من سوريا أن هنالك غرفة عمليات مشتركة ما بين الطرفين ، ولم يحدث صدام بينهما كتلك التي حدثت بين مختلف تلك الفصائل في شمال وشرق سوريا .

وعلى صعيد المتغيرات السياسية يمكن الإشارة إلى ما يلي :

أولاً: تنامي الدور الروسي بشأن التعامل مع الأزمة السورية ، وتراجع الدور الأمريكي ، وهذا التنامي في الدور الروسي يرجع إلى تراجع الدور الأمريكي منذ إلغاء الضربة العسكرية الأمريكية لسوريا ، وفق مبادرة الكيماوي الروسية هذا من جهة ، ومن جهة أخرى جراء تراجع دور أداته السياسية والعسكرية ممثلة " بالائتلاف بقيادة أحمد الجربا والجيش الحر بقيادة سليم إدريس " ، ومن جهة ثالثة المد الهجومي للجيش العربي السوري .

وهذا التنامي في الدور الروسي عكس نفسه في التصريحات المتتالية لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ، وبقية أركان الخارجية الروسية في أن مؤتمر جنيف "2" لا يعني بأي حال من الأحوال تسليم السلطة للمعارضة ، وأن مهمة المؤتمر الرئيسية هي محاربة الإرهابيين ، وأن على الجيش الحر أن يصطف إلى جانب الجيش العربي لمحاربة الإرهابيين وطردهم من سوريا.

ثانياً: تراجع الدور القطري في الأزمة السورية ، بحيث بات في حالة من الارتباك فأحيانا يحاول الالتحاق بالدور السعودي في دعمه لما يسمى " بالجبهة الإسلامية" وأحياناً يبحث عن سبل لإعادة العلاقة مع النظام السوري ، ويسعى لتوسيط حزب الله بهذا الشأن.

وهذا التراجع في الدور القطري جاء في سياق التكيف مع الموقف الأمريكي بعد صفقة الكيماوي مع سوريا وصفقة النووي مع إيران ، لكن محاولة قطر الخجولة الالتحاق بالدور السعودي ، جعلتها موضع تقريع في اللقاء المصغر لمجموعة ما تسمى " بأصدقاء سوريا " في لندن .

ثالثاً : تراجع الدور التركي بشكل كبير جداً ، جراء فشل معارضة ما يسمى بالجيش الحر والائتلاف المدعوم من قبلها ، في تحقيق أي إنجاز يذكر على الأرض واندحار (الجيش الحر) المزعوم أمام "داعش والنصرة" وهزيمته الكبرى أمام الجبهة الإسلامية التي يقودها بندر بن سلطان ، ما يعني اندحار وتراجع الدور التركي أمام السعودية.

وهذا التراجع في الدور التركي ، جعل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يغيب عن مشهد التصريحات العنترية لإسقاط النظام في سوريا ، وباتت الدبلوماسية التركية تتجول ما بين بغداد وطهران وموسكو ، للبحث عن دور في مؤتمر جنيف "2" في حال انعقاده .

وبات وزير الخارجية التركي صاحب نظرية " صفر مشاكل " الذي كان مصراً على إسقاط النظام في سوريا ، بات حمامةً سلام يبحث عن حل سلمي سياسي للأزمة السورية!!

وهكذا وعلى حد تعبير أحد المراقبين ، باتت السياسة التركية تعيش حالة من التخبط السياسي وتستجدي إيران وروسيا لإعادة الاعتبار لها ، وتحاول إظهار حرصها على وقف إراقة الدماء في سوريا ، متجاهلة أن أيديها ملطخة بدماء السوريين وتحاول التعاطي مع قضايا المنطقة ، " كما لو أنه ليس لشعوب المنطقة ذاكرة وكما لو أن شيئاً لم يحصل خلال السنوات الثلاث الماضية".

رابعاً: تراجع الموقف الأمريكي والغربي عموماً الداعم " للجيش الحر " بعد استيلاء الجبهة الاسلامية وغيرها من الفصائل الإرهابية على مخازن الأسلحة الخاصة بالجيش الحر والمرسلة من قبل الدول الغربية ، ناهيك أن أجهزة الاستخبارات الغربية باتت تخشى من تنامي حضور تنظيمات القاعدة في سوريا مستقبلاً على أمن بلدانها ، وقامت بإرسال مندوبين عن هذه الأجهزة لسوريا للتنسيق المعلوماتي بشأنها وبشأن مواجهتها

خامساً : وفي مقابل انحسار دور القوى الإقليمية والدولية الداعمة للعصابات المسلحة ، التي تقاتل النظام في سوريا – باستثناء السعودية - نرى تماسكاً في الحضور التحالفي لسوريا عسكرياً وسياسياً فالأسلحة الروسية لا تزال تتدفق إلى سوريا ، وحزب الله يقاتل إلى جانب النظام بصلابة ، في منطقتي حمص والغوطة وإيران لم تبخل على سوريا بشيء لا سياسياً ولا عسكرياً.

في ضوء ما تقدم من متغيرات سياسية وعسكرية نكون أمام السيناريوهات التالية :

السيناريو الأول : أن لا يعقد مؤتمر جنيف " 2" بحكم تلاشي واندثار الجيش الحر خاصةً وأن "الائتلاف" الذي يمثل هذا الجيش سياسياً ، لم يعد له وجود يذكر على الأرض.

السيناريو الثاني : أن يعقد هذا المؤتمر وتشارك فيه بعض أطراف ما تسمى بالمعارضة تحت يافطة " الائتلاف" أو إلى جواره ، لكن هذه المعارضة لا تملك القدرة على تنفيذ الشرط الأساسي ممثلاً "بوقف القتال على الأرض" بحكم أن القوى التي تقاتل على الأرض ، هي تشكيلات القاعدة " جبهة النصرة وداعش وغيرهما " والجبهة الإسلامية بقيادتها السعودية ، ما يعني أن الائتلاف وحلفائه سيكونون في موقف ضعف ، لا يؤهله أن يعلي صوته ، في مفاوضات تشكيل الحكومة الانتقالية ، ما قد يدفعه لرفض أي صيغة لصالح النظام السوري ، أو أية صيغة لا تمكنه مستقبلاً من الإمساك بزمام الأمور في سوريا.

السيناريو الثالث : أن يضم وفد المعارضة المزعومة إلى جانبه الجبهة "الإسلامية" وذلك في ضوء المساعي الأمريكية ، التي يقودها السفير الأمريكي في سوريا روبرت فورد ، مع قيادات في الجبهة الإسلامية في اسطنبول ، للانضمام لمؤتمر جنيف " 2" ، حيث أن وزير الخارجية الأمريكية جون كيري أدلى بتصريحات لا تمانع في التعامل مع فصائل إسلامية غير مرتبطة بتنظيم القاعدة.

وفي حال مشاركة الجبهة الإسلامية في المؤتمر ، سنكون أمام معركة سياسية تصادمية بين سوريا والسعودية ، ينتهي في ضوئها المؤتمر إلى الفشل/ لأن الإستراتيجية السعودية منذ بداية الأزمة السورية ، لم تبرح موقفها الداعي لإسقاط النظام في سوريا ، والداعي إلى إسقاط حلف المقاومة والممانعة المكون من سوريا وإيران وحزب الله وبعض أطراف المقاومة الفلسطينية.

وفي ضوء هذه الاحتمالات ، ستستمر الأزمة السورية في تصاعدها ، كما وأنه وارتباطاً بالمتغيرات السياسية والعسكرية سالفة الذكر ، سيستمر القتال على أشده في سوريا ، ناهيك أن عوامل الحسم والرجحان ، باتت لصالح الجيش العربي والنظام الوطني في سوريا ، بحيث أصبحنا أمام إمكانية منظورة لهزيمة التكفيريين تلوح في الأفق ، وذلك جراء ما تقدم من عوامل ، ومن ضمنها أيضاً الإغلاق الممكن وشبه الأكيد أمام تسلل الإرهابيين من الحدود اللبنانية ، في ضوء النتائج المرئية لمعارك القلمون ، وجراء إقدام الحكومة التركية على إغلاق حدودها مع سوريا ، ولجوئها إلى بناء سور على طول حدودها مع سوريا ، لمنع إرهابيي القاعدة من دخول تركيا خشية منهم على أمنها ، وهي التي سبق وأن وفرت لهم إمكانية الدخول للأرضي السورية وزودتهم بالدعم اللوجستي المطلوب .