قرأت كل ما أتيح لي من شعر وأدب ونثر . بحثت عن كل الخواطر . إطلعت علي أدق التفاصيل في رثاء العظماء وتهت في معاني الكلمات وأبحرت بأعماق البحار والمحيطات لأبحث فيها عن كلمات تصف أعزّ الناس ، بضع كلمات أرثي فيها من هو بلسم يداوي الجراح ورجلآ من أغلى الرجال علي قلبي ، فوقفت الكلمات ضعيفة أمام ما يجول بخاطري وأحسست بضعف كل الكلام ، لأن هناك ، في أعماق القلوب شعور يحتاج لمفردات أكبر مما قرأت في لسان العرب والوسيط وحتي بالمعاجم العجميه ، فوجدت ضالتي في قول سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم في رثاء إبنه إبراهيم "والله إن العين لتدمع وإن القلب ليخشع وإنا علي فراقك لمحزونون" أو كما قال صلوات ربي وسلامه عليه ، نعم محزونون وقلوبنا يعتصرها الألم ، وعقولنا لا تهدأ ولا تكل ولا تمل عن التفكير بتلك الكارثة التي زلزلت كياننا وكيان كل حرّ شريف ليلة20 /12/2006 عندما أفرغت فئة ضالة لهيب بنادقها في جسد أخي وحبيبي محمود لتصيبه بأكثر من70 رصاصة حاقدة وأثناء عودته من إصلاح ذات البين ونجح فكان دمه الثمن ، لم يكن مستعدآ لمعركتهم تلك فهو رجلآ صوامآ قوامآ معتمرآ لا يخشى إلا الله ، فكان يرتدي بدلة رياضية كدليل علي أنه لم يخطر علي باله أن هناك موعد مع الموت ، خاطبهم بلغة الصدق "رأيتكم من بعيد" والحبة في بيت النار ببندقيتي ! ولكني أقبلت عليكم لأن قلبي لا يوجد به غل إلا علي بني صهيون وإسألوا "النظارات" في إشارة لأحمد الجعبري الذي كان ينتظر محمود قرب الغرفة التجارية بالصبرة ليعود له بـ 6 بنادق من طراز "كلاشنكوف" كصفقة ليجنب الأطفال والنساء والشيوخ من أحبتنا وجيراننا بعائلة شحيبر نيران عصابات وميليشيات القتلة ، فرفضوا الإتصال وكان التواصل مع شخص جاء من خان يونس "ليؤدب غزة" كما قيل علي لسانه ، فرد عليهم ذلك الحقير "إشطبوه " في إشارة لمحمود فما إنتهت مكالمتهم مع "ب ص" حتي أفرغ ثماني عشر عميلآ خزنات بنادقهم في جسد أخي الطاهر وكان معه إبن عمي الشهيد أشرف خميس دغمش فقال لهم حرام عليكم فكان جوابهم بالرصاص ليمزق جسد الشهيدين معآ ، وعند صيحات أشهد أن لا إله إلا الله التي كان يصرخ بها محمود أجابوه أولئك الجبناء "بتتشاهد يا كافر" سبحان الله ، وهل يستطيع أن ينطق بالشهادة وهو في قلب الموت إلا المؤمن ؟ تلك الكلمات الأخيرة التي لقي محمود بها ربه ،، فهنيئاً لك مقابلة رب العزة بكلمات لا يقولها إلا من عرف ربه مثلك ، ورحل الفارس محمودآ وقتلته مذمومون ، غدرآ رحل فمن أطلق عليه الرصاص أجبن من أن يعطيه فرصة الدفاع عن النفس وأقل من أن يواجهوه في الميدان ، فهو منصورآ وهم مهزومين ، هو لا يعرف إلا الوفاء وهم في أحضان الخيانة يعيشون ، هو لا يعرف إلا الحق وهم في قلب الباطل ينامون ، هو يعشق الوطن وهم علي الأوطان ساخطين ، هو بكلمة واحدة "رجل" وهم من تلك الصفة محرومون ، فإن أشباه الرجال علي الرجال يحقدون ، هو ليس كعمر بن الخطاب وهم أبغض من أبو لؤلؤة علي العادلين . حاورنا وفاوضنا ورضينا بشرع الله ورفضوا وتعالوا علي رب العالمين ، إتهمونا بالإجرام مجرد ما طلبنا منهم تسليم القتلة ..! فرفضوا .. وعرضوا الدية .. فإخترنا الإنتقام .. ونفتخر بجرمنا لو كان نداً لمحمود ، لم نفرط بدماء شهدائنا ولن نفعلها ولن نصالح ولن نسامح ولن نصافح وحربنا معهم إلي يوم الدين ، فنم قرير العين يا أخي إن غدآ لناظره قريب ، وصبرآ آل ياسر إن موعدكم مع النصر والجنة وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ..
بكتك الرجال والنساء والأطفال والشيوخ وكل من عرفك أو سمع عنك يا محمود ، إفتقدتك شوارع غزة وساحات العزّ والكرم يا أبو منصور ، لكني أراك في زهور برتقال وليمون ولوز غزة الحزين ، أراك قمرآ منيرآ لنا الطريق وشمسآ تبعث الدفء للمحرومين ، لن تتوه بنا سفينتك بل سترسو علي شواطئ الحرية وفي مرافئ الإنتصارات ،لا تحزن يا أخي فإن الفجر آت لا محال ، وحتي نلقاك علي حوض سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم لنشرب من يديه الشريفتين شربة ماء لن نظمأ بعدها أبدآ سنبقي لك مشتاقون ، فإلي جنان الرحمن يا أخي بالفردوس الأعلى التي أعدت للمتقين مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقآ أنت وأشرف وكل الشهداء ، وقسمآ بكل قطرة دم سالت من دمائكم الطاهرة أن نجعلها لعنات تطارد الظالمين في مناماتهم ولا رحمنا الله إن رحمناهم فهم من أثكل الأمهات ورمل النساء ويتم الأطفال وأبكي قلوب الرجال ، وستبقي ذكراك يا محمود أنت وكل الشهداء محفورة علي جدران قلوبنا ولن يهدأ لنا بال حتي ننتصر للمظلومين ..
وفي 31/12/2007 أقدمت ميليشيات الخزي والعار علي قتل إبن عمي محمود عبدالكريم دغمش وهو في بيته بين أفراد أسرته يحتفل وإياهم بحلول عام جديد ولم يخطر ببال أحد من أهله بأنها أخر ليالي أبومحمد بينهم ..! والجريمة بأن من شارك بقتله من مما كنا نعتقد بأنه حريص علي حياته أكثر من غيره ، والأجرم من كل هذا عندما طالبوا من والده الحاج أبو نزار بإصطحاب محمود معهم لساعات ووعدوه بإعادته بعد قليل وقالوا له "عليه أمان الله" فصدقهم المسكين لأنه مؤمن بالله ولكنه نسي بأنهم لا يعرفون إلا الغدر والخيانة ولا يعملون بكتاب الله ولا سنة نبيه ، صحيح أعادوا له محمود بعد ساعتين ولكن جسد بلا روح . وفي نفس الليلة أقدموا علي طرد الأطفال والنساء من بيوتنا ونسفوها بعد سلب ونهب محتوياتها وتم حرق شاحنات وممتلكات أبناء عمومتنا ، فإلي جنات الرحمن يا أبا محمد وبلغ سلامي لمنير وسميح وأشرف وكل الشهداء وأبلغهم بأننا علي العهد باقون ووعداً منا سننتقم لأرواحكم الطاهرة ودمائكم الزكية وسنجعل أيامهم سوداء وفي بيوتهم عزاء وليعلموا بأنهم ورثوا أهلهم وذويهم الدم للأبد .
إلي جنات الخلد يا شهدائنا الأبرار وفي مقدمتهم رمز عزتنا وكرامتنا أبو عمار والشفاء للجرحي والحرية للوطن والأسري والعهد هو العهد والقسم هو القسم أن نبقي علي نهج الشهداء حتي آخر نفس فينا وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين .