حجر الفلاسفة
تاريخ النشر : 2013-12-19 11:07

قد يكون تربصّ بعض عُلماء الولايات المتحدة الأمريكية لمدة أربع سنوات عائد لذات المحاولات التى قام بها ابن حيان الفيلسوف ، حين سعى جاهداً إلى تحويل الحجر والمعادن الخسيسة إلى ثمينة ، كذهب والياقوت وغيرهما ، والأرجح من اعادة البحث ، يأتي بعد اكتشاف أصل الألماس بأنه فحميّ ، قبل أن يتعرض الأخير إلى جملة ضغوط وتقلبات شديدة في باطن الأرض رغم تَحلّيِه بالصمت ، فلم تُسمع آلامه او حتى أنينه ، هذا ، تماماً ، سجل التاريخ العلمي لِفلاسفة اغريقين وغيرهم محاولات مبكرة تهدف إلى ذات الغايات لكنها باءت مكللةً بالفشل ، لم يكن تربص فلاسفة الحجارة بأي حال من الأحوال عام 1957 م له علاقة بالتجربة التى جرت ، عندما وُضعت القنبلة النووية في أحد سراديب جبال نيفادا ، الذي جعل قلة أن يتسللوا داخل السراديب عام 1961 م بعيداً عن أعين الآخرين ، ثم فتحها والبدء بالبحث عن ماذا احدث الانفجار الضاغط ، والحرارة الشديدة بالصخور التى تعرضت إلى كتل حرارية عالية الاحتراق ، لعل ، ظنونهم لامست أمانيهم بتغيرات جيولوجية تؤدي لإفرازات ألماسية وياقوتية وأيضاً ، ذهبية نتيجة الحرارة الرهيبة .
إن كانوا الفلاسفة منذ القدم فشلوا في احراز مبتغاهم ، هاهم الأحفاد نجحوا بطريقة أو بأخرى ما اخفق به الأجداد عندما حوّلوا الخسيس إلى فسيفساء كاذب ، بل ، أتضح أنهم يملكون ذكاء خبيث عندما أقروا عجز محاولاتهم بقلب المعادن الوضيعة إلى عظيمة ، لهذا ، انتقلوا بخفة نحو ابتكار مواد ضرورية للإنسان ، ومن أهمها صناعة الدواء ، لِما ادركوا مدى اهميته ، خصوصاً ، عند الحاجة الذي يستوجب شرائه مهما ارتفعت اسعاره ، من هنا جاءت الفكرة الجهنمية في ضرورة تصنيعه بمقادير تشابه قياسات الذهب ، وبتحديد ، بالغرام الصافي ، لتصبح علبة معالج دواء مرض السكري تعادل 50 دولار أمريكي التى تحتوي على ثمانية وعشرون حبة ، أي بمعنى ، في نهاية الأمر يصل كيلو الاجمالي قبل أن تُقطع إلى حبيبات صغيرة وتعلب للبيع بحدود 33 ألف دولار ، إذ ما ضربة الغرامات بعملية حسابية بسعر اجمالي المحدد للعلبة ، بيد أن ، كما هو معروف من الناحية العلمية بأن التكلفة الحقيقية للمنتج ، متواضعة جداً ، كونه لا يحمل في محتوياته التكويني أي نوع من الفيتامينات ، بل ، هو عبارة عن مادة انسولونية ، هرمونية تفرز من البنكرياس ، ف ، هذا الهرمون اساسي لدخول الجلوكوز( السكري ) إلى خلايا خوفاً من تراكم الجلوكوز في الدم مما يساعد على التخلص من الجلوكوز الزائد ، نقطة .
أنها مخاطرة أن يطرق المرء باب قد توارى خلفه منّ احتكروا المعلومة الطبية دون غيرهم ، فأصبحوا باختصار المتحكمين بالصحة البشرية عن طريق صناعة الدواء ، أمام جهل العّامة في تركيبته وتكلفته الحقيقية ، تماماً ، الذي جعلهم أن يمتلكوا حجر الفلاسفة في عصر استطاعوا تحويل الرمل إلى ذهب ، لكنه ، ليس بلون المعتاد الأصفر بقدر ما حرصوا أن يقدموا تنوع بالألوان كي لا يشعر أو يصاب الإنسان بالملل ، بل هناك نمطية ، اشبه بالحصار يضربه المريض ومن يلتف حوله دون دفع الآخرين ، نابع من تعلقه بالحياة ورفضه للمجهول وهو أقرب أن يكون استغراقي عندما ينّتكس عضو من أعضاء الجسد الذي يتيح لهؤلاء ، فئة المريول الأبيض واللباس الأخضر ، التضليليين ، ممارس السادية باستمراء وتعذيب الآخرين ، يقابله انعدام تفكيري واستسلام كُلي لطرف قرر ضمنياً أن لا يرحم من يقع تحت يديه ، كأنه ، ينتظر الذبيحة تلو الأخرى ، بعد أن تضخمت من العلف الدوائي وأصبحت جاهزة للسلخ الجراحي كي يتفرد بها ويبدأ الاستنزاف المالي من مجموعة فعلاً اقتلعت الضمير وقذفت به إلى حاويات الزبالة الملقاة على الأرصفة .
هذا الاختراق البشري لم يحصل من قبل إلا بعد ما تسلقت جِدران المستشفيات ومصانع الأدوية تنميطات يتسابق من فيها على امتصاص البشر حتى آخر قطرة دم تجرى بالعروق .
السيميائيون ، انتساباً ، للسيمياء ، أي بمعنى ، الكيمياء القديمة ، كانت غايتهم تحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب والأمر الذي يلّيه ، البحث عن اكتشاف يؤدي إلا علاج كُليّ للمرض وإطالة الحياة ، مفيد دائماً قراءة التاريخ لجمع واستعراض الشريط وبالتالي من وقائع الحياة نستنتج وجه التشابه ، رغم الإخفاق المسجل في قاع التاريخ ، مقابل نجاح أعرج جاء على ظهور البشر ، يقدمه تحالف قائم بين فلاسفة الحجارة وكّاتبين وصفات الدواء ، كونهم استبدلوا محلات المجوهرات والفنادق بالصيدليات والمستشفيات ، بل كما يبدو تجاوزوا كلاهما بمراحل حتى باتت تلك المتاجر والفنادق حالهما ، الشكوى والتراجع لقلة الحيلة التى دفعت الثانية إلى التنافس الجريح نحو لّجوء للخيام الحمراء.
نقف بعجّزنا أمام حقيقة ملموسة لتفكيك شِيفرة منّ يتوارى خلف هؤلاء ، أدوات جشعة ، لأننا مدركين حق الادراك ، تماماً بأن من أمتلك الحجر ، هم فلاسفة العصر ، المتحكمين أولاً بِمعّدة الشعوب وثانياً بالغرائز المنفلتة دون ضوابط او كوابح .
فهل من سبيل أن نتحرر من عجزنا ونقتلع من بين أيديهم الخبز والدواء .
والسلام
كاتب عربي