الجنزورى يروى لأول مرة.. «سنوات الحلم والصدام والعزلة» (الحلقة الثانية)
تاريخ النشر : 2013-12-16 14:40

 

إعداد ــ إسماعيل الأشول

عن سنوات النشأة والكفاح والانتقال من القرية إلى القاهرة مرورًا بسنوات الدراسة ونهاية بتولى المناصب المرموقة حتى نهاية حكومته الأولى عام 1999، تدور أحداث الكتاب الذى بين أيدينا، والصادر حديثا عن دار «الشروق»: (طريقى.. سنوات الحلم.. والصدام.. والعزلة.. من القرية إلى رئاسة مجلس الوزراء) للدكتور كمال الجنزورى، رئيس وزراء مصر الأسبق.

فى الحلقة الأولى، سرنا مع الرجل منذ خطواته الأولى نحو العمل العام، وحتى حصوله على الدكتوراه من الولايات المتحدة الأمريكية وعودته للوطن، فى أعقاب نكسة الخامس من يونيو عام 1967.

وفى هذه الحلقة، يواصل الدكتور كمال الجنزورى، الحديث عن لقاءات ومواقف وحكايات جمعته برؤساء مصر السابقين بدءا من الزعيم الراحل جمال عبدالناصر مرورا بأنور السادات وخلفه فى الحكم حسنى مبارك.

 

بداية السلم الوظيفى

فى 3 أغسطس سنة 1967 ذهبت إلى عملى بوزارة التخطيط، بدأت فى وظيفة بسيطة (الدرجة الخامسة).. ولكن بعد ذلك بدءًا من أبريل 1968 توالى على التشكيل الوزارى وزراء جدد، وضمت الوزارة وجوها من أساتذة الجامعة كالدكتور عبدالعزيز حجازى والدكتور سيد جاب الله، الذى عرفنى جيدًا منذ كان مشرفًا على رسالتى للماجستير قبل سفرى إلى الولايات المتحدة. لهذا طلبنى للعمل بمكتبه، وللعلم فإن مكتب وزير التخطيط هو المشرف العام على إعداد الخطة ومتابعتها، حيث تقدم كل قطاعات الوزارة إلى مكتب الوزير المقترحات اللازمة لإعداد الخطة ومتابعتها لوضعها فى شكلها النهائى.

 

• على بعد خطوتين من عبد الناصر.. وفى صفوف فريق السادات

 

مع عبد الناصر لأول مرة

أتوقف قليلا لذكر مناسبتين شاهدت فيهما الرئيس عبدالناصر، الأولى عام 1968 وبالتحديد فى أبريل، يوم أن توفى والد السيد زكريا محيى الدين ووالد صديقى د.يحيى محيى الدين. فذهبت إلى كفر شكر، وللعلاقة الأخوية بيننا وجدت نفسى فى المدافن أجلس بمواجهة الرئيس عبدالناصر على مسافة لا تزيد على خطوتين.

• 15 دقيقة فى مواجهة عبدالناصر جعلتنى أتأكد مما يقوله الناس عن «القوة والكاريزما».. ولا أنسى اهتمامه بالفقراء

واستمر ذلك نحو 15 دقيقة حتى تمت مراسم الدفن. وتأكد لدى ما أجمع عليه الناس من أنه شخصية لها كاريزما هائلة، نظرات قوية لا تملك لها إلا الاحترام والتقدير، وكانت فترة زاد فيها احترامى وإعجابى بهذه الشخصية التى حكمت مصر نحو ستة عشر عاما.

 

• وزير التخطيط عرض على ناصر خطته للموازنة .. فابتسم الرئيس وسأله عن اللحوم ورغيف العيش والشاى والسكر

أما الموقف الآخر، فلم يكن رؤية الرئيس عبد الناصر بالعين، ولكن كان ذلك عندما طُلب من الدكتور سيد جاب الله وزير التخطيط ليلة أول مايو 1968 مقابلة الرئيس بمنزله فى منشية البكرى، وكنت ساعتها بالمكتب مع بعض الزملاء. وغاب نحو نصف ساعة، عاد بعدها ولم يقل شيئًا. ودخلت مباشرة عليه ووجدته يتحدث إلى نفسه بصوت مسموع، «إنه على حق، نعم هو على حق». وسألته عما يقول فلم يرد، إلا أننى قلت له إننى تعلمت على يديك علم الاقتصاد، وألمح اليوم أن هناك أمرًا سياسيًّا يشغلك، لذا أريد أن أستزيد منك فى السياسة، فقال: إنه ذهب إلى الرئيس عبد الناصر وعندما قابله، سأل عن أخبار الخطة؟ فأجابه بما يفيد أنها فى مرحلة الإعداد، فقال: على أى أساس؟ فحاول أن يبسط الأمور، بأن الخطة عبارة عن موارد محدودة وأولويات عديدة على المستوى القومى. وعلى المخطط أن يوجه هذه الموارد المحدودة لأهم الأولويات حسب احتياجات المواطن والأمن القومى للدولة. فابتسم وسأله عبدالناصر هل تتضمن الخطة توفير الحاجات الأساسية للمواطن بما يكفى من اللحوم ورغيف العيش والشاى والسكر وغيره من المأكل والمبلس والاحتياجات الضرورية. واستطرد قائلا بأنه يعلم أن الخطة كذا وكذا مرددًا ما سبق أن قاله الدكتور سيد جاب الله بالحرف الواحد عن الخطة، وانتهى حديثه بأن الخطة التى لا تأخذ فى اعتبارها توفير المتطلبات الأساسية للشعب تغفل مهامها الرئيسية، وأن على وزير التخطيط أن يتأكد من ذلك تماما ويوفر الاعتمادات الكافية لذلك، مما يقتضى الاتصال بالدكتور حجازى وزير الخزانة آنذاك، لضمان إدراج الاعتمادات اللازمة بالموازنة العامة للدولة. وهكذا رأيت كيف كان يفكر الرئيس عبد الناصر كأنى كنت معه فى المناسبة سالفة الذكر.

 

مكتب للشئون الاقتصادية

بعد فترة وجيزة وبالتحديد فى 4 مارس 1969، عينت فى معهد التخطيط القومى خبيرًا وهى درجة علمية تعادل وظيفة مدرس فى الجامعة، مع استمرارى فى مكتب الوزير، وهو مكان يصعب علىّ تركه. فرغم تعيينى فى المعهد فإن مكتب الوزير هو المكان الذى أتعلم فيه الكثير والجديد، والمدرسة التى أرى فيها وأسمع، وأقرأ البيانات الواردة من مختلف وزارات الدولة، وجميع هيئاتها العامة والخاصة الاقتصادية والاجتماعية، وجامعاتها ومستشفياتها ومدارسها.

 

عرض لم أقبله

بعد سنوات قليلة، حدث أمر كاد أن يغير مسار عملى التخطيطى كان الرئيس جمال عبدالناصر قد انتقل إلى رحمة الله وخلفه الرئيس أنور السادات ــ حيث طُلب من الدكتور سيد جاب الله وزير التخطيط أن أذهب إلى رئاسة الجمهورية فى القناطر الخيرية. كان ذلك فى مارس عام 1971، وقابلت السيد حافظ إسماعيل مستشار الأمن القومى، شخصية هادئة تتسم بالهيبة والاحترام، وسألنى عن طبيعة عملى وعن رؤيتى لبعض الأمور الاقتصادية والسياسية، والوضع فى مصر فى السنوات الأخيرة خاصة منذ النكسة. وأخيرًا قال أرى أن تأتى معنا، حيث يتم إنشاء مكتب للشئون الاقتصادية يتبع مكتب الرئيس، وتبدأ أنت به كنواة. كان منصبًا جاذبًا لشاب فى منتصف الثلاثينات، ولكننى كنت مقتنعًا بأن مستقبلى الحقيقى فى التخطيط. لهذا قلت هذا شرف كبير لى ليس فقط للمكانة هنا بل أيضًا للعمل مع سيادتك، لكن أرجو قبول عذرى لأننى أعمل فى التخطيط ومعهد التخطيط، كما أننى أحاضر فى جهات أخرى، ولا أتصور أن طبيعة العمل هنا ستسمح لى بمزاولة ذلك كله. وقَبِلَ اعتذارى مشكورًا.

 

طفلتى ماجدة

بعد شهور قليلة، وبالتحديد فى 5 ديسمبر 1971، رزقنا الله بمولودة جديدة سُميت ماجدة، طفلة فى جمال شقيقتيها سوزان ومنى، وحمدت الله كما أحمده دائمًا، وبعد سنة تقريبا فى أول أكتوبر 1972 رقيت إلى درجة خبير أول بمعهد التخطيط القومى تعادل أستاذًا مساعدًا بالجامعة.

فى منتصف أكتوبر 1972، اختارتنى هيئة الأمم المتحدة خبيرًا اقتصاديًّا للعمل فى هيئة التخطيط بمدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية، إلا أن عملى هناك لم يتجاوز سنة واحدة، حيث لم أرغب فى الغياب عن مصر مرة أخرى، إذ تكفينى السنوات التى قضيتها فى الخارج لدراسة الدكتوراه.

 

وكيلا لوزارة التخطيط

رجعت إلى العمل فورًا، وكان الدكتور إسماعيل صبرى عبدالله مديرًا لمعهد التخطيط، ورأيت العمل معه صباحًا، إذ كان شخصًا على مستوى كبير من الخلق والعلم والثقافة والشهامة، وأذهب مساء إلى وزارة التخطيط. ولكن بعد أيام قليلة، تم تشكيل وزارة جديدة وأصبح الدكتور إسماعيل صبرى وزيرًا للتخطيط وعملت معه مديرًا فنيًّا لمكتبه.

خلت بعد فترة، درجة وكيل وزارة للتخطيط الإقليمى فى مكتب الوزير، استحققت شغلها حيث كنت أستاذًا مساعدًا بالمعهد وهو ما يؤهلنى للترقية إليها، فقرر الدكتور إسماعيل صبرى عبدالله ذلك بحكم تولى اختصاصاتها بالفعل مع ما كنت أكلف به من واجبات أخرى. وصدر قرار شغل الوظيفة فى أبريل سنة 1974 ندبًا ثم تعيينًا فى 15 أبريل سنة 1975، وعُين فى ذات الوقت كل من الدكتور سعد الدين حنفى والدكتور سعد برغوث وكيلين آخرين لوزارة التخطيط. وحينما توليت وظيفتى واجهتنى مشكلة إنسانية، حيث رأست بعض مديرى العموم الذين كانوا رؤساء لى قبل أن أترك الوزارة إلى معهد التخطيط فى 4 مارس 1969. وواجهت هذا بقدر كبير من الاحترام لهم، مقدرًا ما قد يشعرون به من عدم رضا. وقام البعض برفع دعوى لإلغاء الترقية وهو ما رفضته محكمة القضاء الإدارى.

 

وزارة ممدوح سالم

استقالت حكومة الدكتور عبدالعزيز حجازى، وتولى رئيس الوزراء الجديد السيد ممدوح سالم الأمر بعده. وتولى الدكتور إبراهيم حلمى عبدالرحمن وزارة التخطيط بعد أن اعتذر الدكتور إسماعيل صبرى عن الاستمرار، رغم إلحاح السيد ممدوح سالم جاهدًا أن يستمر ولكنه أصر على ترك الوزارة. استمر الدكتور إبراهيم حلمى وزيرًا لمدة عام فقط، وكانت علاقتى به جيدة عملت معه أيضًا مديرا للمكتب. وفى أوائل سنة 1976 أُجرى تعديل وزارى، وجاء الدكتور محمود الإمام وزيرًا للتخطيط، ورغم أنه شغل منصب مدير معهد التخطيط من قبل فى المراحل الأولى من عملى خبيرًا، وهو شخص على خُلق هادئ الطبع، إلا أنى طلبت منه ألا أستمر مديرًا للمكتب، وتبين لى فيما بعد أنها كانت رغبته كذلك، واكتفيت بعملى فى الوزارة كوكيل للوزارة لشئون التخطيط الإقليمى.

 

مع السادات

ثم فتح الله لى فتحًا آخر ــ وهو ما سأشرحه تفصيلًا فيما بعد ــ إذ قام الرئيس السادات بتعيينى ولم أتخط الأربعين من عمرى محافظا لمحافظتين متتاليتين، ثم نائبا للوزير ومديرًا لمعهد التخطيط القومى، وبهذا فُتح المجال أمامى ممهدًا، لتولى مناصب المسئولية العليا، وهى المناصب الوزارية وزيرًا ونائبًا ورئيسًا لمجلس الوزراء.

وعلمى عن الرئيس السادات، وما شهدته فى الاجتماعات التى أتيحت لى من فرص لقائه، أن لديه فطنة سياسية تربت على مدى سنوات حياته وتقلبه بين النخبة العسكرية والمدنية تارة، وفئات الشعب المختلفة تارة أخرى، مما جعل منه شخصية تملك القدرة على الفهم والقصد والمناقشة والمفاوضة والخطابة واتخاذ القرار المناسب فى وقته.

• اختارنى السادات محافظًا قبل سن الأربعين

 

محافظا للوادى الجديد

طلبنى السيد محمد حامد محمود وزير الإدارة المحلية، ليبلغنى بتعيينى محافظا للوادى الجديد. وفى يوم 22 نوفمبر 1976، ذهبت إلى الوادى الجديد وهى محافظة تشغل مساحة كبيرة، تصل إلى نحو 48٪ من مساحة مصر، وكان يسبقنى فى هذا المنصب المجاهد إبراهيم شكرى الذى شغل المنصب تسع سنوات.

لاحظت منذ البداية، توقف أعمال الاستصلاح والتشييد وبناء المصانع وتوقف العمل فى المطار. وبذلت ما استطعت من جهد فى هذه المجالات جميعًا حتى شاءت الظروف مقابلة المهندس عبد العظيم أبو العطا وزير الرى والزراعة، وطلبت منه أن تبدأ شركات الاستصلاح العمل بالوادى الجديد، كما طالبت بتوفير قدر من بعض الصناعات خاصة من المنتجات الزراعية المتاحة فى الوادى، وأن يعاد تشغيل المطار حتى تزداد السياحة، خاصة أن هناك الكثير من الأجانب يسعون إلى ذلك.

 

محافظا لبنى سويف

بعد شهور لاحظت أن المطالب لا تستجاب بقدر يرقى إلى طموحاتى. فشكوت ذلك للسيد ممدوح سالم، ولعله تصور أننى أشكو بُعد المكان، فعينت فى أول حركة للمحافظين فى يونيو 1977، محافظا لبنى سويف خلفا للمهندس سليمان متولى. وحاولت أن أبذل جهدًا كبيرًا فى تنمية المحافظة اقتصاديا واجتماعيا، ولكننى لم أجد إمكانيات كافية متاحة لذلك، لأن موارد المحافظة تقتصر على ما يتاح لها مما فى حوزة الحكومة المركزية، والتى كانت لا تعطى إلا القليل. كان لا بد أن أعود مرة ثانية إلى السيد ممدوح سالم، وكان إنسانًا فاضلًا محترمًا، وطلبت أن أعود لعملى فى التخطيط وكيلا للوزارة، إلا أنه قال كيف ذلك وأنت حاليا بدرجة نائب وزير ـ لأن المحافظ كان بهذه الدرجة قبل أن ترفع إلى وزير فيما بعد ـ وطلب منى أن أقابل الدكتور عبدالمنعم القيسونى، وكان نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للتخطيط، فرأى أن أعود للتخطيط مديرًا للمعهد. وفى يوم 13 ديسمبر 1977، صدرت حركة جديدة للمحافظين، ونُص فى ذات القرار الجمهورى، على أن أعين مديرًا لمعهد التخطيط.

 

عودة لمعهد التخطيط

عدت إلى بيتى... التخطيط... وفى معهد التخطيط بالذات، وحين بدأت عملى نائبا لوزير التخطيط ومديرًا للمعهد، كان علىَّ أن أركع وأسجد شكرًا لله.

أذكر أننى بعد أن عدت من الخارج فى أغسطس 1967، بعد حصولى على الدكتوراه، عاصرت الكثير من السادة وزراء التخطيط بدءًا من الدكتور لبيب شقير والدكتور سيد جاب الله والدكتور عبد المنعم القيسونى والدكتور إبراهيم حلمى عبد الرحمن والدكتور محمود الإمام والدكتور عبدالرزاق عبد المجيد، حيث عملت معهم وتعلمت الكثير. وأتذكر أيضًا تجربتى فى مكتب وزير الزراعة التى شهدت بداية مرحلة إعداد الخطة القومية 1960 ــ 1965، خاصة أن هذه الخطة الخمسية الأولى لم يتح لها أن تتكرر لأكثر من عقدين بعدها. إذ إن الخطط التى أعدت فيما بعد كانت خططًا سنوية قصيرة المدى والرؤية لظروف لحقت بالبلاد، ولأن الخطة السنوية لا بد أن توضع فى إطار له رؤية زمنية طويلة ومتوسطة. فحينما تقتصر على سنة تختزل إلى رقم للاستثمار يظهر فى الموازنة العامة، على الرغم من أن وزارة التخطيط كانت تصدر مجلدًا يحدد الأهداف والأولويات والسياسات والبرامج التى تخدم التنمية الاقتصادية للحكومة والقطاعين العام والخاص.

 

• مستشارو السادات نافقوه قائلين: كيف تستشيرنا وأنت مستشار الأمة وحاكمها؟.. فكان آخر اجتماع له معهم

 

مستشارون منافقون

بعد تعيينى فى 13 ديسمبر 1977 كنائب لوزير التخطيط ومديرا لمعهد التخطيط القومى، وعلى وجه التحديد فى أول أكتوبر 1978، صدر قرار جمهورى بتشكيل هيئة مستشارى رئيس الجمهورية. وكان عدد أعضاء تلك الهيئة خمسة عشر عضوا برئاسة المهندس سيد مرعى. وتم الاجتماع الأول برئاسة الرئيس محمد أنور السادات فى بداية الأسبوع الأول من أكتوبر 1978، وذلك فى استراحة الرئاسة بالقناطر الخيرية، وكان من المقرر أن يستمر الاجتماع لثلاثة أيام متتالية. ولكن حدث ما لم يعجب الرئيس، حيث تبارى بعض المتحدثين فى مدح الرئيس بشكل مبالغ فيه، رغم أن غالبية الأعضاء كانوا وزراء سابقين، ومن هذا المديح القول: كيف يكون لك مثل هذا العدد من المستشارين وأنت يا سيادة الرئيس مستشار الأمة وحاكمها... وتوالى هذا النفاق، مما دعا الرئيس إلى القول للسيد مرعى بأن تجتمع الهيئة فى المرات المقبلة فى القاهرة برئاسته، إلا أنها لم تجتمع بعد ذلك أبدا.

• أخبرنى فؤاد محيى الدين بتعيينى وزيرًا للتخطيط دون أدنى ترحيب فقلت: طيّب .. وخرجت دون أن أجلس

 

وزيرا للتخطيط

فى 4 يناير 1981، تم تعيينى وزيرًا للتخطيط فى الوزارة الجديدة، وشغل الدكتور فؤاد محيى الدين منصب رئيس الوزراء، ورأس المجموعة الاقتصادية السيد محمد عبدالفتاح نائب رئيس الوزراء ووزير الاستثمار والتعاون الدولى، وكان من أعضاء تلك المجموعة بالإضافة إلى وزير التخطيط، الدكتور صلاح حامد وزير المالية، والدكتور فؤاد هاشم وزير الاقتصاد. وللتذكرة والشكر لله، فحينما شكلت الوزارة وعرض الدكتور فؤاد محيى الدين على الرئيس الأسماء المرشحة للمجموعة الاقتصادية، لم يشر فيها إلى مرشح لوزير التخطيط، وربما كان يرى ترك هذه الوزارة حتى يعين لها وزيرًا فى آخر لحظة. فلقد كان بيننا خلاف منذ كنت محافظا لبنى سويف، يتعلق بالمصلحة العامة وليس خلافا شخصيًّا، عله كان سحابة صيف.

المهم عند تشكيل الوزارة، سأل الرئيس من هو وزير التخطيط فصمت الدكتور فؤاد محيى الدين، فبادره الرئيس: ربما نختار مدير معهد التخطيط، دون أن يذكر الاسم، خصوصًا أن الشخص الذى يرى أن يتولى هذا المنصب، يعمل فى منصب قريب من مهام وزير التخطيط، حيث كان من بين وزراء التخطيط السابقين مديرون لمعهد التخطيط كالدكتور إبراهيم حلمى والدكتور إسماعيل صبرى والدكتور محمود الإمام. خرج الدكتور فؤاد محيى الدين ولم يعترض ولم يؤيد، وطلب من السيد محمد عبدالفتاح أن يرشح وزيرًا للتخطيط، وأخبره أن المطروح بعض الأسماء كالدكتور حسن فج النور نائب وزير التخطيط آنذاك والدكتور سعد الدين حنفى نائب رئيس بنك الاستثمار القومى والدكتور يسرى مصطفى رئيس قطاع التخطيط والمتابعة فى الجهاز المركزى للمحاسبات وأخيرًا الدكتور كمال الجنزورى. فقال السيد محمد عبد الفتاح:

«إذا كانت الخيارات بين هؤلاء الأربعة فالأفضل الجنزورى». لم يتوقف الدكتور فؤاد عند هذا، ولجأ للدكتور إبراهيم حلمى عبدالرحمن مستشار رئيس مجلس الوزراء منذ حكومة السيد ممدوح سالم، وسأله عن الأسماء ذاتها، فرد بأن الجنزورى هو الأفضل من وجهة نظره الشخصية. هذا ما حدث فعلًا، وعلمت به من الدكتور فؤاد محيى الدين بعد شهور عندما أصبحنا على خير وفاق.

ذلك أن البداية لم تكن موفقة مع الدكتور فؤاد محيى الدين قبل أن يصبح صديقا عزيزا بعد شهور قليلة. ففى صباح يوم تشكيل الوزارة تسرب إلى الصحافة قائمة بالوزارة الجديدة، وهو التشكيل الأول فى عهد الرئيس رغم عدم إعلانه رسميًّا. وبدأت اللقاءات فى مجلس الوزراء للسادة الوزراء القدامى والجدد، ولم يخبرنى أحد بشىء. ورغم تهنئتى من الكثيرين تليفونيًّا إلا فإننى لم يتم إخطارى رسميًّا، إلا فى الساعة الخامسة بعد الظهر، حيث طلبنى سكرتير الدكتور فؤاد ليخبرنى أن السيد رئيس الوزراء يريد أن يرانى بعد نصف ساعة. فكان علىّ أن أذهب إلى مجلس الوزراء فورًا، ولم يبد أدنى قدر من الترحيب، حيث بادرنى بالقول بما يفيد تعيينى وزيرًا للتخطيط، فقلت طيّب وخرجت دون أن أجلس.