كيري يزرع الإحباط ويبيع التفاؤل
تاريخ النشر : 2013-12-16 10:19

في ختام جولته الأخيرة في المنطقة التي التقى خلالها أولاً رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو ومن ثم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ليعود كعادة جولاته السابقة للقاء نتنياهو مرة أخرى، فاجأ وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الذين التقاهم
قبل غيرهم بإعلانه عن تفاؤله الكبير في شأن مستقبل المفاوضات "الإسرائيلية" الفلسطينية، في إيحاء كما لو أن هذه العملية بلغت ذروتها وباتت في مراحلها الأخيرة .
مفاجأة كيري كانت مثيرة للاستغراب ومدعاة للتساؤل: هل لدى كيري عين ثالثة يرى بها الأمور على هذا النحو، أم أن إعلانه التفاؤلي مقدمة أمريكية لما هو مبيت من "حلول" جاهزة؟ لأن ما أعلنه كيري يتصادم والحقائق أكانت تلك المرتبطة بالمفاوضات من جهة أو طبيعة زيارته بالأساس من جهة ثانية .
بداية جاءت جولة كيري الأخيرة إلى المنطقة لا في أجواء متلبدة بغيوم الخلافات والتوترات والاتهامات المتبادلة بين الطرفين وحسب، بل إن المفاوضات بذاتها متوقفة بعد أن علق أعضاء الجانب الفلسطيني مشاركتهم فيها في خطوة احتجاجية على السياسة الاستيطانية المنفلتة في الأراضي الفلسطينية .
إلى ذلك لم تكن جولة كيري في سياق "رعاية" هذه العملية بما تعني الاطلاع على مجرياتها والوقوف أمام ما توصل إليه المتفاوضون لدفع خطواتها إلى الأمام، إذ إن كيري جاء في ظل توقف المفاوضات لأسباب عائدة إلى استمرار الاحتلال إطلاق المشاريع الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية بما يعني ذلك للفلسطينيين لا في التفاوض فقط بل في حقوقهم وإرادتهم ومصيرهم وإلى عالمنا الدولي بمواثيقه والإنساني بقيم الحق والعدل، ونبذ النزعة العنصرية التي يكرسها الاحتلال الصهيوني لاقتلاع الفلسطينيين من أرضهم وتشريدهم من وطنهم في حرب مفتوحة الجبهات لإبادة وجودهم .
كيري لم يأت ومعه موقف تجاه هذه السياسة الاستيطانية بما تمثله من اعتداء سافر على حق الفلسطينيين بل هو قدم في هذه الجولة إلى المنطقة مسبوق بإعلان تقديمه خطة أمنية من أبرز ما تتضمنه من التزامات على الجانب الفلسطيني: ضمان أمن "إسرائيل" وعدم تهريب السلاح ومكافحة الإرهاب .
لقد أثارت هذه المسألة ردود فعل فلسطينية متعددة، فهناك من يرى أن الخطة في طرحها الآن تغير من أولويات القضايا المطروحة للتفاوض، وهناك من يرى في الخطة فصلاً آخر من فصول تصفية القضية الفلسطينية، إذ لأول مرة في التاريخ تجرى مفاوضات على أساس أولويات حق الاحتلال، وهذا انقلاب ليس على الحقائق والحقوق وحسب، بل على المفاهيم الأخلاقية والإنسانية والحقوقية التي تكفلها المواثيق الدولية، ومن تلك المفاهيم أن سلام وأمن واستقرار هذه المنطقة رهن بانتهاء الاحتلال الصهيوني واستعادة الشعب الفلسطيني كافة حقوقه .
وإذا كان ما أشيع إعلامياً في أيام جولة كيري الأخيرة من مشاعر إحباط فلسطينية جراء عدم إحداث تقدم حقيقي في التسوية الجارية برعاية أمريكية وهو ما بات مفتوحاً على البحث عن مخارج بديلة، فإن ما هو جدير بالإشارة في هذا الشأن يمكن تلخيصه بالتالي:
* أولاً: أن الخطة الأمنية التي قدمها كيري هي خطة "إسرائيلية"، وكيري الذي حظي بمديح عن كفاءته وقدرته على اختراق أسوار أزمة المنطقة، فهو يستنسخ مواقف من سلفه .
* ثانياً: أن توقيت تقديم الخطة الهدف منه ليس تحفيز المفاوضات في خطوات إلى الأمام ولا تجديد مجراها لأنها متوقفة وإنما إطلاق موقف أمريكي يكون صادماً للفلسطينيين في شأن ما يجري من قبل الاحتلال من سياسات عنصرية وبالذات السياسة الاستيطانية .
* ثالثاً: لم يكن كيري في جولة مرتبطة بقضية المفاوضات الفلسطينية "الإسرائيلية"، بل كان أساساً في زيارة ل"إسرائيل" الهدف منها تطمين تل أبيب من الاتفاق الدولي الذي جرى مع إيران في شأن برنامجها النووي، والدليل على ذلك ليس ترديد كيري للتعهدات الأمريكية بشأن ضمان أمن وحماية "إسرائيل" فقط، بل كان هذا الموضوع هو محور لقاءاته مع نتنياهو، كما أنه التقى لأول مرة وزير الحرب "الإسرائيلي" وزار قاعدة جوية أمريكية - "إسرائيلية" مشتركة .
بالطبع لم يكن التعهد والوعود وحتى المساعدات والتفاهمات الأمريكية كافية ل"الإسرائيليين"، فكان لابد من دفع ثمن آخر، وهذا جاء على حساب الفلسطينيين، من خلال خطة كيري الأمنية التي تنذر بتوجه أمريكي لتبني الحل "الإسرائيلي" بحذافيره .
عن الخليج الاماراتية