عاصمتان في الثلج
تاريخ النشر : 2013-12-15 16:58

بمعزل عن تقيم الاثار التي الحقها المنخفض الجوي الاخير وما خلفه من خسائر وأضرار ,  وبمعزل عن مدى الاستعداد وطريقة التعامل التي تمت خلال هذا المنخفض  ومدى موائمة البنية التحتية في بلادنا لحالات جوية مماثلة على شاكلة ما جرى خلال وبعد هذا المنخفض ،  ولا حتى تقيم طواقم العمل من دفاع مدني وأجهزة وأشغال وبلديات والجهات الاخرى ذات العلاقة ،  واستخلاص العبر من كل ذلك للتنبه لما هو قادم خصوصا ان هذا المنخفض يدشن عمليا بدء موسم الشتاء لهذا العام بعد انحباس الامطار طيلة الاسابيع الماضية الامر الذي  استدعى قيام ائمة المساجد  بالدعوة وبتنظيم صلوات الاستسقاء ، فكل ذلك سوف يكتب عنه الكثير في هذه الفترة ما بين الاشادة او الانتقاد او التذمر او غيرها الكثير .

شوارع بأكملها كستها الثلوج ، والأمطار اجتاحت المنازل في المحافظات الجنوبية وعشرات آلاف نداءات الاستغاثة سجلت لكن المنخفض مر دون خسائر تذكر تقريبا إلا في النواحي المادية  دفيئات زراعية ،  ودمار كبير للمزروعات والأراضي ، وانجرافات ترابية معظمها  يمكن للجهات المختصة التعامل معه بالتعويض او تصليح الاضرار ضمن الامكانات المتاحة  وحسب تبرعات الاشقاء والاصدقاء والدول المانحة .

   هذا الاستعراض العام لصورة الوضع على مستوى المحافظات الفلسطينية لا يجب ان يحجب عنا صورة ربما مرت بشكل عام دون ان تحظى بالاهتمام المطلوب إلا على شكل خبر عابر في هذه الوسيلة او المحطة او تلك من وسائل الاعلام الا وهي ما جرى في العاصمة المحتلة القدس ، حيث خصصت نشرات الاخبار تقاير خاصة تلخص صورة الوضع في كل محافظة وتبين للمشاهد ما جرى من زيارة القادم الابيض لها من اضرار وكيفية تعامل الاجهزة المختصة فيها الا في القدس التي غابت عنها التقارير الا مرورا  او عبر شريط الاخبار في احسن الاحوال ، بصورة عامة ايضا يمكن تلخيص الوضع عبر ما تم نشره على النحو التالي الخشية من تدفق المياه للمصلى المرواني ، انهيارات او تصدعات  في شوارع  ومنازل سلوان " بفعل الحفريات "  عدم قيام ما يسمى بلدية القدس بتقديم الخدمات للجمهور في القسم العربي من المدينة هذه ابرز ما غطته الصحافة ووسائل الاعلام دون تبيان الخطر او الحديث عن الاثار الكارثية المترتبة على دخول المياه للمصلى المرواني على سبيل المثال واهمية المكان الدينية او التاريخية .

ما جرى في القدس خلال المنخفض الجوي يستحق ان نتوقف عنده قليلا من اكثر من زاوية  فادعاء الاحتلال ان البلدية هي لجميع السكان تكشف زيفه الثلوج هذه المرة وليس تراخيص البناء او التأمينات الصحية او التعامل اليومي للمواطن المقدسي الذي يفترض ان يتم تقديم الخدمات له اسوة بباقي  "سكان" المدينة  فحتى الحالات الانسانية مثل الكوارث او الاحوال الجوية كما جرى خلال اليومين الماضيين تتطلب ان يتم تقديم الخدمات للجميع فيها ، نرى ان التمييز والاعتبارات السياسية تلعب دورا مهما مقارنة مع الخدمات التي تقدم للسكان من غير العرب ، وحتى نداءات المواطن المقدسي  لم تلقى اذانا صاغية عند الطواقم التي شكلتها بلدية الاحتلال استعدادا للتعامل مع المنخفض القطبي الذي جرى الحديث عنه مطولا في وسائل الاعلام الاسرائيلية وكان هنالك حديث واضح من سكان المدينة من انهم شعروا  بعدم جدية الجهات المختصة في بلدية الاحتلال وكان هناك عدم اهتمام واضح ازاء تقديم الخدمات لهم سواء في تأمين المستلزمات المعيشية او الحياتية او حتى في فتح الشوارع في الاحياء العربية التي اكتست بالثلوج ، ولا حتى تامين العلاج للمرضى في بعض المناطق  .

الحديث هنا لا يجرى عن مفاوضات ولا تقسيم المدينة او مطالبة الجانب الفلسطيني بان تكون القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين العتيدة ، ولا حتى عن انتخابات القدس ومقاطعة العرب الفلسطينيين لها على خلفية  " قومية "  كما تروج  لها وسائل اعلام الاحتلال ، ببساطة الثلج اليوم يكشف مدى تعرض المقدسيين للغبن والظلم ، لا السلطة الفلسطينية تستطيع مد يد العون لهم باعتبارها خارج ولايتها ، ولا بلدية الاحتلال المسؤولة فعليا كسلطة امر واقع في تصريف مناحي الحياة المختلفة فيها قامت حتى بواجب الدولة المحتلة للتعامل مع الحالات الانسانية كما نص عليها القانون الدولي والدولي الانساني  .

هذا ليس من منطلق تسييس القضية وحرف الموضوع من بعده الانساني والاخلاقي ،  وانما هي كذلك بكل بساطة وبكل ما في الثلج من وضوح ونقاء وصفاء ، بكل ما يعري بقانونه الذي لا يقاومه احد ، ويجبر الجميع للتكيف معه ، وبكل الشلل والانبهار الذي يحمله معه دونما أي امكانية للعبث معه ، الثلج الذي يعري واقعا ملموسا من الصعب تجاهله او القفز عنه يؤكد من جديد ان القدس ليست موحدة ، وان القدس الغربية لها شطر اخر  ليس بينهما مقارنة من حيث السيطرة والاجراءات ، الاختلاف ليس فقط في المباني والخدمات وطرق العيش والفرق الطبقي والحياة الاقتصادية  ، الفرق في وجوه الناس في الشوارع ، في البنى التحتيه في المشافي والكهرباء والمياه ، في الضرائب والمتنزهات ونظام المعيشة في نسبة الهجرة واعداد المواليد والوفيات في المدارس والتعليم وغيرها الكثير .

اليوم منخفض جوي ليس هو من يكشف شكل جديد من اشكال التميز الذي يجري بحق المدينة المقدسة والحفريات التي تجري تحت ثالث الحرميين الشريفين ، وحملات استئصال الوجود العربي فيها ، وانما هي اشارة جديدة بفعل الطبيعة جاءت هذه المرة لتكشف عن احدى جوانب ما يجري ، فالمنخفض الذي كشف عورات في مناطق عديدة يأتي ايضا من القدس الغريقة ليس بفعل الفيضانات والسيول فقط وانما بفعل تراخينا ووقوفنا موقف المتفرج والذي لا يحمل لا قوة ولا ارادة على تغير الوضع القائم ، فالمصلى المرواني يغرق والتشققات في جدران المسجد الاقصى ، وتقسيم المسجد بات قيد التنفيذ وقد يصبح واقعا في القريب القريب ، التهويد والاسرلة للمدينة في سعي محموم لسباق الزمن وفرض الوقائع على الارض لم تسلم منه حتى المقابر كما يجري في مقبرة مأمن الله ، الا ان منخفضا قطبيا جاء ليبدد وهم الواهمين ويثبت حتى بالبرهان العملي ان القدس عاصمتان في الثلج شطري المدينة تعرضا لنفس الاحوال الجوية ولنفس كمية الثلوج ولنفس الحالة مع فرق بسيط هو ان البلدية حركت كل طواقمها واجهزتها ولجان الطواريء فيها للشطر الغربي للقدس الغربية لازالة الثلوج من شوراعها بينما بقيت ازقة القدس الشرقية  دون مساعدة ، اجهزة الشرطة وطواقم الاشغال عملت ليل نهار لاعادة التيارالكهربائي لحي " مئة شعاريم " مثلا بينما الطور وسلون وواد الجوز بقيت على العتمة تنتظر حتى طال الانتظار  .

الوضع القائم في القدس سواء هناك منخفض او لم يكن هناك يحكي قصة التميز الصارخ والاختلاف والاختلال في كل شي من التوازن الديمغرافي ، للبنية التحتية وحتى للخدمات وطرق التعامل في الدوائر "الحكومية " المختلفة وقوانين سحب الهويات المقدسية وسياسات الهدم المتبعة بحق بيوت الناس فيها ضمن حملات الاقتلاع ومسح الوجود العربي الفلسطيني ضمن من بقي فيها من سكان ، يفترض ان يتم تقديم كل اشكال الدعم والبقاء للمواطنين فيها للحفاظ على الهوية المقدسية العربية فيها رغم كل ما يجري من ترحيل وفرض قوانين واساليب طمس الهوية العربية فيها .

مع الندءات التي تطلقها مناطق عديدة نداءات استغاثة ومناشدات للتدخل الفوري هذا النداء من القدس العربية هذه المرة ليس للدواء او فتح الطرق فقط بل للعلاج الجذري لها ، نداء للقمة العربية ، وللمؤتمر الاسلامي نداء استغاثة ربما قبل الغرق ليس بفعل السيول والفيضانات فقط وليس لتأمين مساعدات اغاثة ومساعدات طواريء  وانما قبل الغرق في وحل محو المعالم ، لانقاذ القدس واعادتها الى الحظيرة العربية  - الطبيعة اليوم قالت هناك مدينتين في القدس وكشفت عن واقع مرير اخر لمعاناة المدينة فماذا نقول نحن ؟؟؟  ماذا يقول المسؤول وأولي الامر منا ؟؟؟؟ وهل من مجيب !!!!!