"داعش".. مستقبل الدم والظلام
تاريخ النشر : 2013-12-12 11:16

الرفض العام للتنظيمات المتطرفة عالمياً، لن يساعدها في تحقيق أحلامها الأنانية الإقصائية والوصول إلى الحكم في المنطقة العربية، وفشلها في أفغانستان واليمن والعراق وموريتانيا وليبيا حتى الآن، يعكس تخبطها وتشتت قواها
لا أتصور مستقبلاً مشرقاً أو واعداً يمكن بناؤه على قطرات دمٍ تُسفك بوحشية وجبن وقهر، فكيف بحمامات دماء تنبئ عن مستقبل فاحش ومظلم، ينطلق من عقلية لا تؤمن إلا بقراءات فردية للعالم البشري ومكوناته الطبيعية والإنسانية، ولا أتصور أن مستقبلاً سيأتي له وجه الملائكة قواعده قبيحة وعفنة، ولا أريد حاضراً أو مستقبلاً ملائكياً يأتي بهذه الطريقة على أية حال، فأنا إنسان وأريد حاضراً ومستقبلاً إنسانياً يشبهني ويعكس مكوناتي لا مكونات "ميتافيزيقية" الله وحده أعلم بها، وهذه الفكرة التي يعتمدها كثير من الجماعات المتطرفة دينياً في قتالها ضد من تعتبره العدو، هي الصورة المنفرة من الدين والمتدينين والجهاد عموماً، نتيجة الاستراتيجية الهمجية البشعة التي تنتهجها وتتبناها باسم الله وباسم نصرة الدين!
والصور التي تصلنا عنها في الغالب تبدو أحياناً مربكة من عدة زوايا، عطفاً على الشكل والأطروحات والشعارات "الإسلامية"، التي يُقال إنه تنطلق منها معظم تلك الجماعات الدينية، ولا يمكن أن نقبل ونسلم مباشرة بفكرة ارتكابها لتلك الفظائع التي تقوم بها بين فينة وأخرى من باب المصداقية على الأقل، لكن بيانات المسؤولية التي تعلنها لاحقاً تلك الجماعات تهدم أية فرصة للاحتمالات والتوقعات.
تنظيم "داعش" هو أحد الأمثلة التي نتحدث عنها هنا، وعن تركيبها وتنظيمها وأفعالها التي تصل إلينا عبر وسائل الإعلام المختلفة، والتي تبدو أحياناً قريبة جداً من تشكيل وعنف ودموية الفرق المغولية وأفعالها في نهاية اجتياحهم للدولة العباسية، وتحديداً في الفترة ما بين الأعوام "699 – 703هـ"، وكالحاقدين على كل ما هو إنساني أو بشري لا يتوافق مع معتقداتهم. و"داعش" هو اختصار لاسم مشروع تنظيم القاعدة الكبير المتمثل في إنشاء "دولة العراق والشام الإسلامية"، وما يرتكبه هذا التنظيم من فظائع لا يمكن أن يصنف تحت أي تسمية لائقة تحمل سمة إسلامية، فمن تسجيلات الميديا "الفيديوية" التي تصور مشاهد الإعدامات الارتجالية بالرصاص الغاشم، إلى الصور الفوتوغرافية التي توثق ذبح الأسرى بالسكاكين كالخراف والبهائم، هذه الأعمال البشعة سبق أن رأينا بعض الفصائل التابعة للقاعدة تقوم بها في الواقع وبدم بارد، هي أعمال منافية لأبسط الأعراف الأخلاقية، وهي أفعال معاكسة لكل تعاليم الأديان السماوية المتسامحة في أصلها ومضمونها، ولا تدل تلك الأعمال حقيقة على أن هناك وازعاً دينياً أو توجيهاً ربانياً متصالحاً مع مبادئ الرحمة والعدل، ويعبر فعلاً عن إمكانية صنع مستقبل آمن وزاهر للبشرية له صلة بالحضارة الإنسانية.
الكثير من الحديث دار ويدور حالياً عن السبب الرئيس الذي يدفع مثل هذا التنظيم إلى مثل هذه التصرفات الهمجية، وتبحث في طبيعة ردود الأفعال على تلك الأعمال اللاأخلاقية واللاإنسانية، فمشروع "داعش" ليس كمشروع المعارضة السورية أو المجموعات الجهادية الأخرى على الأرض السورية، ويظهر التنظيم كأداة تتحرك وفق أجندة مصالح ما، وأغلب الظن أن هناك من يحاول تحريك أدوات اللعبة بذكاء بالغ، مستغلاً الأطماع الشخصية لبعض قيادته الميدانية، ليرسل رسائل خاصة يخيف من خلالها أطرافاً بعينها يهمه أن تبدل مواقفها بأي شكل، وجعلها تقبل ببعض الموجود والمتوفر أمامها وعمل مفاضلة بين هذه أو تلك، وهذا ما يجعل النهاية التي يرغب تحقيقها تنظيم "داعش" تبدو بعيدةً جداً، خاصة على ضوء المستجدات والمواقف السياسية العالمية للدول المتحكمة في المشهد السوري – أميركا وروسيا والاتحاد الأوروبي وإيران -، وهو ما يضعف إمكانية أن نشاهد انتصارات ساحقة أو نوعية لهذا التنظيم المتطرف على الأرض، كما وأن تركيا ستكون المتضرر الأكبر من تعاظم قوة ونفوذ هذا التنظيم العنيف على حدودها، ولن تقبل بأي حال أن يتوسع على حسابها، وبالتالي فإن تراجعه إلى العراق ملعبه الأوفر حظاً سيكون حتمياً لا محالة.
مثل هذا التنظيم الإرهابي لا يمكن أن يقدم للعالم العربي والإسلامي، أية خطوات إيجابية على الصعيد الديمقراطي وحلم التعددية السياسية، الذي تبحث عنه المجتمعات العربية من خلال ثوراتها الشعبية الأخيرة. وعلى أية حال فإن الرفض العام لهذه التنظيمات المتطرفة عالمياً، لن يساعدها في تحقيق أحلامها الأنانية الإقصائية والوصول إلى الحكم في المنطقة العربية، وفشلها في أفغانستان واليمن والعراق وموريتانيا وليبيا حتى الآن، يعكس تخبطها وتشتت قواها وضعف تركيزها ورؤيتها السياسية، فالقتل وإراقة الدماء ومحاكم الإعدامات الدموية، لن تكون سبيلا لكسب التأييد الشعبي منطقياً، وعقلية ظلامية "دوغمائية" بائسة ومريضة لن تكون مرحبا بها على الخارطة السياسية، وترفضها طبيعة المجتمعات الإنسانية وأخلاقياتها.
عن الوطن السعودية