كيري يحول القضية الفلسطينية إلى قضية أمنية ( لإسرائيل)
تاريخ النشر : 2013-12-10 23:46

بات واضحاً ، أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري بخطته الأخيرة لحل مشكلة الحدود ، يسعى لتمرير الإستراتيجية الأمنية للعدو الصهيوني على حساب المنظور السيادي للدولة الفلسطينية العتيدة والمرتقبة!! ، وعلى حساب قضية القدس وتجميد الاستيطان وإلغائه ، وعلى حساب حق العودة والأسرى ألخ في الوقت الذي يتشبث به الجانب الفلسطيني المفاوض باستمرار المفاوضات ، مصراً على أن يلدغ من الجحر الواحد مئات المرات.

وقبل أن يطرح خطته ، بالغ كيري في تقديم آيات الولاء والطاعة ( لإسرائيل) علها تقبل بخطته المنحازة لها ، عندما أعلن أثناء لقائه مع نتنياهو بأن المسألة المركزية بالنسبة للإدارة الأميركية في اتفاقي الكيماوي والنووي مع كل من سوريا وإيران ، هي ضمان أمن ( إسرائيل) أولاً وأخيرا.

في خطته الأخيرة طرح كيري ما يلي :

أولاً: بقاء القوات الإسرائيلية في غور الأردن ، لمدة عشر سنوات في محاولة لاسترضاء حكومة نتنياهو ، التي تصر على أن تظل منطقة الغور المحاذية للأردن تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية ، بهدف منع ما أسمته تسلل المسلحين ومنع عمليات إدخال السلاح للضفة الغربية من نهر الأردن.

ثانياً : اعتبار منطقة الغور خلال العشر سنوات هذه ، رغم مرابطة القوات الإسرائيلية فيها ، تحت السيادة النظرية للدولة الفلسطينية المرتقبة.

ثالثاً: العمل على تدريب القوات الأمنية الفلسطينية من قبل مستشارين أمنيين أمريكان ، حتى تكون قادرةً على حماية الحدود مستقبلاً ، أي بعد عشر سنوات.

والمبرر الذي طرحه كيري لهذه الخطة ، أنه لا يريد أن يتكرر في هذه المنطقة وفي الضفة الغربية عموماً ، ما حدث في قطاع غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي منه عام 2005 ، من حيث استمرار ما يسميه بالعمليات الإرهابية ( المقاومة ) ضد المستوطنات الإسرائيلية.

وهذا المبرر متهافت ومكشوف للاعتبارات التالية :

أولاً : أن السلطة الفلسطينية – ويا للأسف- تلعب دوراً رئيسياً ومركزياً في حماية أمن المستوطنين والكيان الصهيوني ، والتزمت بشكل صارم بما هو مطلوب منها في خارطة الطريق ، التي أشرف عليها الجنرال الأمريكي كيت دايتون وجونز وغيرهما ، من حيث وقف عمليات المقاومة وتجريد الضفة الغربية من سلاح المقاومة ، واعتقال كل من يحمل السلاح ضد الإسرائيليين ، في حين لم تلتزم ( إسرائيل ) بالبند المقابل ألا وهو وقف الاستيطان .

ثانياً : أن التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني لم يتوقف لحظةً واحدة ، رغم تعثر المفاوضات ، وذلك بشهادة الجنرالات الإسرائيليين.

ثالثاً : أن السلطة الفلسطينية ملتزمة عملياً بعدم السماح باندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة ضد الاحتلال .

وفي ضوء انكشاف وكذب هذا المبرر الأميركي ، لاستمرار مرابطة القوات الإسرائيلية في منطقة الغور ، يتبين لنا أن كيري يريد أن يلبي المطلب الأمني الإسرائيلي ، على حساب الجانب الفلسطيني ، ما يعني أن الإدارة الأمريكية تسعى لاسترضاء ( إسرائيل ) بشأن الاتفاق النووي مع إيران ، عبر تقديم تنازلات على حساب الجانب الفلسطيني المفاوض.

الأخطر من ذلك ، أن كيري وبكل وقاحته الإمبريالية ، لم ينس أن ينحاز ( لإسرائيل) أيضاً في مسألتين هما :

أولاً : موافقته على أن تباشر حكومة نتنياهو بإقامة (2500) وحدة استيطانية للتعويض عن فترة التجميد الاستيطاني المزعوم في العام 2011 حيث قام بإبلاغ الجانب الفلسطيني بهذا الأمر ، متجاهلاً حقيقة أن العدو الصهيوني لم يتوقف عن البناء الاستيطاني لحظةً واحدة في محيط القدس والضفة الغربية عموماً ، وبشكل خاص بعد استئناف المفاوضات – وفقاً لخطته في تموز الماضي –

ثانياً: أنه توافق مع الجانب الإسرائيلي ، بعدم مواصلة إطلاق سراح الدفعتين المتبقيتين من أسرى ما قبل أوسلو ، في سجون الاحتلال حتى يرضخ الجانب الفلسطيني المفاوض لخطة كيري الانتقالية الجديدة.

وحتى تكتمل صورة خطة كيري الانتقالية ، لا بد من وضعها في الإطار العام والأشمل ، الذي كشف عنه الرئيس الأميركي باراك أوباما في تصريحاته أمام مؤتمر العلاقات الأمريكية الإسرائيلية ، الذي ينظمه معهد بروكينجز الأمريكي ، حول دولة فلسطينية محدودة الصلاحيات في الضفة مقتطع منها الغور والكتل الاستيطانية ، ويلتحق بها قطاع غزة بعد أن يلمس الكرامة والنعيم الذي سيتحقق في الضفة .. ألخ.

وأشار أوباما إلى اختياره للجنرال جون ألين – الرئيس السابق للتحالف العسكري في أفغانستان – للتوصل إلى بعض الأفكار الخاصة بالحفاظ على حل الدولتين التي تحافظ على ما وصفه بجوهر أمن ( إسرائيل) منوهاً بأن الأفكار سيتم طرحها على الفلسطينيين ( ملاحظة: هذه الأفكار طرحها كيري على المفاوض الفلسطيني في خطته الأخيرة ) بانتظار موافقتهم قائلاً : " أن على الرئيس عباس ، تفهم أن الفلسطينيين لن يحصلوا على كل ما يريدونه بين عشية وضحاها على حد قوله ".

إن أدنى قراءة لخطة كيري في ضوء التطبيق المستقبلي لها ، إذا ما وافق الجانب الفلسطيني المفاوض عليها مستقبلاً تقودنا إلى ما يلي :

أولاً : أن المعابر الحدودية الفلسطينية مع الأردن ستظل خاضعة للسيادة الإسرائيلية ، بحيث يلعب موظف الجوازات الفلسطيني دور المناول (Handling) بحيث يستلم جواز السفر من المواطن الفلسطيني وغيره ليقوم بتسليمه للضابط الإسرائيلي ، الذي يقرر دخول هذا المواطن من عدمه .

ثانياً : أن منطقة الغور التي تشكل مساحتها (25) في المائة من مساحة الضفة الغربية ، ستظل تحت السيطرة الإسرائيلية ، ما يعني أن المستوطنات الموجودة فيها ستظل قائمة ، وما يعني حرمان الضفة الغربية من سلة الغذاء الرئيسية .

ثالثاً: أن السيطرة الإسرائيلية المؤقتة على منطقة الغور الحدودية (10 سنوات ) ستبقى سيطرة دائمة ، إذ بوسع الجانب الإسرائيلي أن يفتعل أية مشكلة أمنية في الغور ، تبرر بقائه والزعم بعدم قدرة الأمن الفلسطيني على تأمين المنطقة .

رابعاً: أن هنالك موافقة ضمنية أمريكية، على بقاء الكتل الاستيطانية الرئيسية في محيط القدس والضفة الغربية ، وكذلك مصادر المياه تحت السيطرة الإسرائيلية ، خاصةً إذا ما علمنا أن أحواض المياه الرئيسة في الضفة الغربية ، تقع جغرافيا في إطار هذه الكتل الاستيطانية الكبرى.

خامساً : أننا لا نصبح أمام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة ، بل أمام كانتونات تحمل إسم " الدولة " مجردة من السيادة على أرضها وسمائها ومياهها.

والأسئلة المحددة هنا- في ضوء كل ما تقدم - والموجهة للجانب الفلسطيني المفاوض : أين هي الضمانات الأمريكية الشفوية أو المكتوبة التي تقدم بها جون كيري لكم بشأن الاستيطان وحدود 1967 وغيرها ؟ أين هي الوعود بإطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين في مرحلة ما قبل أوسلو ؟ ولماذا الإصرار على إكمال مدة التسعة شهور الخاصة بالمفاوضات تنفيذا للوعد الذي قطع لكيري رغم هذه الهجمة الاستيطانية غير المسبوقة ؟ لماذا استمرار الرهان على الإدارة الأمريكية ؟ ولماذا هذا الإصرار من قبل الجانب الفلسطيني على أن يلدغ من الجحر الواحد مرات ومرات ؟ هذه الأسئلة وغيرها برسم المفاوض الفلسطيني !!

حسناً أن رفضت قيادة منظمة التحرير الخطة الأمريكية ، التي تسعى لحل مشكلة الحدود ، "في إطار اتفاق إطاري يتابع بعده المفاوضين الفلسطيني والإسرائيلي بقية القضايا " خاصةً وأن المنظور الأمريكي لبقية القضايا بات واضحاً وضوح الشمس لمصلحة الكيان الصهيوني .

وحسناً أن تؤكد في بيانها بعد مغادرة كيري للمنطقة " أنها ترفض أية محاولات للانتقاص من حق الشعب الفلسطيني في دولة كاملة السيادة على مائه وترابه وحدوده وعاصمتها القدس " .

ولكن هذا الموقف من قيادة منظمة التحرير لا يكفي ، فالمطلوب عملياً إدارة الظهر لخيار المفاوضات البائس -الذي شكل غطاء لغول التهويد والاستيطان - وإلغاء التنسيق الأمني مع الاحتلال ، وإعادة الاعتبار لخيار المقاومة بكل أشكالها ، وتثمير المقاومة سياسياً خارج أطر أوسلو وخارطة الطريق ، وخارج أطر خطط كيري البائسة والمنحازة لمصلحة الكيان الصهيوني.

نعلم أن هذه المطالب لن تلق أذناً صاغية لدى المفاوض الفلسطيني ارتباطاً بمسألتين هما : أن هنالك قوى اجتماعية محددة نشأت في ظل السلطة ليس من مصلحتها وقف المفاوضات ، وأن هنالك تيار إسرائيلي في السلطة معني بإبقاء الأوضاع على حالها ، ما يستدعي من القوى الحية في الشعب الفلسطيني ومن القوى والكوادر المتمسكة بالثوابت الإستراتيجية الفلسطينية في حركة فتح والجبهة الشعبية والديمقراطية والجهاد وغيرها من الفصائل الفلسطينية ، أن تتجاوز حالة الرتابة وأن تأخذ زمام المبادرة باتجاه إحداث التغيير المنشود تنظيمياً ووطنياً .

[email protected]