استمرار المفاوضات وتصاعد في الانتهاكات
تاريخ النشر : 2013-10-08 17:03

هناك أمور يحسبها المراقب من بديهيات الفعل ويتوقعها العقل السليم كنتائج طبيعية لقرارات يتم اتخاذها ، ومن طبائع الأشياء أن تنسجم مجريات الأحداث مع طبيعة قرارات تخص تلك الاحداث ولكن عندما لا تنعكس القرارات ولو بشكل جزئي على مجريات أحداث متعلقة بتلك القرارات فهذه عكس طبيعة الأشياء يجب التوقف عندها طويلا والبحث عن مكان الخطأ وتصحيح المسار دون مبالغة أو تهميش لطبيعة الأشياء .

عندما يحدث توتر بين قيادات دولتين جارتين فمن الطبيعي أن ينعكس هذا التوتر على طبيعة معاملة كل دولة مع مصالح الدولة الأخرى في كل المجالات كبيرها وصغيرها حتى المعاملة على الحدود مع سكان كل دولة ، وعندما يزول التوتر ويحدث نوع من الاتفاق تنعكس ذلك على كل تلك العلاقات ، فلا يمكن تصور علاقة طيبة ومميزة بين دولتين جارتين بينما معاملة مصالح كلا الدولتين تمر بأزمة أو تشديد فهذا لا يتفق مع طبيعة الاشياء .

ولعل هذه الفلسفة تحتاج الى عملية إسقاط على العلاقة بين السلطة الفلسطينية من جانب والكيان الإسرائيلي من جانب آخر ، عندما كانت المفاوضات متوقفة وهناك اتهامات متبادلة حول مسئولية كل طرف بالعمل على إفشال المفاوضات وتفريعها من مضمونها كانت السلطات الإسرائيلية تمارس عمليات استفزازية كان يعتقد الكثيرين بأنها ناتجة عن سوء العلاقات واستفزاز الجانب الفلسطيني للعودة الى المفاوضات قبل فوات الاوان وقبل استكمال المشروع الصهيوني في ابتلاع كامل الأراضي الفلسطينية وبالتالي لن نجد ما نتفاوض عليه ويفرض الكيان الإسرائيلي واقعا فعليا على الأرض سيصعب تغييره في المستقبل .

ولكن عندما عاد الطرف الفلسطيني الى المفاوضات بعد ضغط طويل ومشاورات معقدة كان الأصل في طبيعة الأشياء أن ينعكس هذا القرار على ممارسات الاحتلال وخاصة الرسمية منها على أرض الواقع أو التخفيف من تلك الممارسات ليتسنى للمراقب والمعارض للمفاوضات رؤية شيء مختلف مما يدفعه لتخفيف حدة معارضته أو يجد المواطن مكتسبات تساوي في حجم القرار وتأثيره على الرأي العام الفلسطيني ، أو في أضعف الأحوال تخفيف حدة الانتهاكات وتراجعها أو موقف أقوى من المؤسسة الرسمية الصهيونية في مواجهة المتطرفين الصهاينة .

ولكن أن يحدث العكس وان تزداد حدة الانتهاكات وتتصاعد بشكل ممنهج وخطير وتشارك فيه المؤسسة الرسمية الصهيونية ممثلة بوزراء متطرفين وخطابات مؤيدة من رئيس وزرائهم وإطلاق اليد لقطعان المستوطنين بشكل شبه كامل لفعل كل ما يريدون دون أي ردع يذكر ، بل وفي هذه الاثناء وخلال انعقاد جلسات المفاوضات يرتفع سقف المطالب الصهيونية وتزداد نبرة التهديدات على أكثر الملفات حساسية مثل المسجد الأقصى المبارك ومدينة القدس وازدياد وتيرة الاستيطان ومصادرة الأراضي والاجتياحات والاعتقالات وغيرها من الممارسات اليومية لقوات الاحتلال .

لذلك نجد ان الوضع خارج المنطق والمعقول فإذا كانت المفاوضات لن تحرر الأرض ولن نهزم من خلالها الكيان الإسرائيلي فعلى أضعف تقدير أن تنجح في كبح جماحه وتدفعه للتوقف والتراجع عن تنفيذ مخططات تتناقض بالمطلق مع أسس المفاوضات الجارية ، لذلك هناك شيء غير مفهوم وغير معقول يجري على الأرض .

البعض يحاول فهم الأمور بشكل عكسي بأن هذه الممارسات الإسرائيلية دليل ضعف وإفلاس وأن المتطرفين يشعرون بخطور المفاوضات ولذلك يخرجون عن وعيهم ويستفزون الجميع بهذه التصرفات ولذلك علينا عدم الانجرار لتلك الاستفزازات ومواصلة المفاوضات حتى تصل الى نهايتها إما تحقيق الاهداف أو العودة للشعب في اختيار طريقة الرد ، ولكن هل الوقت سيكون في صالح الشعب الفلسطيني بعد أن يفقد أرضه وينجح المتطرفون في رسم واقع جديد للمسجد الاقصى ؟ وهل الشعب الفلسطيني مجرد آلة مطلوب منه أن يهدأ في وقت ثم فجأة ينفجر في وقت آخر ؟ هل القيادة الفلسطينية بسياستها الراهنة هيأت الاجواء والامكانيات لإمكانية استخدام خيار آخر غير خيار المفاوضات ؟ حتى المقاومة الشعبية العمل على تفعيلها أو رسم خطوط عامة لتنفيذها أو الدعوة الجادة لها .

الغريب فعلا أن تتواصل المفاوضات وكأنه لا توجد انتهاكات شبه يومية وأن تتواصل الانتهاكات الإسرائيلية وتتصاعد وكأنه لا يوجد مفاوضات واتصالات شبه يومية .