شكل إعلان الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي إعطاء مهلة أخيرة للفرقاء السياسيين للاتفاق على تنفيذ خارطة الطريق المقترحة لحل الأزمة السياسية صدمة مضاعفة للتونسيين، كونه جاء بعد نحو شهر من تعليق الحوار من دون جدوى، ولأنه أنذر بأن البلاد ذاهبة إلى كارثة فعلية إذا انتهت المهلة وظلت المواقف على حالها.

الأقرب إلى منطق السياق أن ماراثون المفاوضات والحوارات التي امتدت نحو شهرين قد وصلت طريقاً مسدوداً وفشلت في تحقيق أي من الأهداف المرسومة مسبقاً، وما أعلنه العباسي لا يعدو أن يكون تأجيلاً لإعلان الإخفاق وتبرئة كاملة للذمة.

وبالنظر إلى المهل العديدة التي مرت، فالأمل بأن تتوج المهلة الجديدة بإنجاز يبقى ضعيفاً إن لم يكن معدوماً، والسبب أن فرقاء الحوار يبدو أنهم استمرأوا الفشل واتخذوه المصطلح الأكثر تداولاً على ألسنتهم . فالحكومة الثلاثية الأحزاب المؤقتة تتهم المعارضة بأحزابها العديدة بأنها فاشلة، وهذه المعارضة تعتبر الحكومة فاشلة، والأطراف المدنية ترى النخبة السياسية برمتها فاشلة وأنها مصيبة على الجميع، ووسط هذا الخضم كله تنزلق تونس شيئا فشيئا إلى مجهول مخيف وتحف بها المخاطر من كل صوب.

بعد تعليق الحوار الوطني في الثالث من نوفمبر الماضي حرصت المنظمات الراعية للحوار على إبقاء جذوة الرجاء مضيئة علّ معجزة تحصل في لحظة فارقة . ولكن المعجزة المنتظرة تأخرت كثيراً ولم يتحقق شيء . وبعيداً عن التصريحات الناعمة التي يطلقها الفرقاء، فإن الأزمة أصبحت أعقد من أي وقت، فالثقة التي كانت شبه موجودة عندما انعقد الحوار في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أصبحت اليوم مفقودة ومعدومة . وعوض أن يكون الرهان على التوافق في حده الأدنى، أصبح الرهان على التصلب والصدام، بعد أن تم اعتماد أساليب المناورات والمراوغات لفترة من الصراع حتى وصلت الأمور إلى ما هي عليه اليوم.

وبتفصيل أدق فإن الصراع بين حركة النهضة الإسلامية، التي تقود الائتلاف الحاكم، والمعارضة بألوانها المختلفة قد يصل إلى مرحلة دق الأعناق . وتؤشر التحركات الشعبية والإضرابات العامة المتنقلة من ولاية إلى أخرى إلى أن هناك تسخيناً للأجواء وربما لانفجار شعبي عاصف لا تكون نتائجه في صالح الائتلاف الحاكم الذي يزعم أنه الأقوى في كل المعادلة. وإذا لم يتخل هذا الائتلاف عن غروره واعتداده بشرعية انتخابية انتهت صلاحيتها قانوناً، فقد يواجه مصيراً قاسياً وتدخل البلاد معه في دوامة عنيفة قد تنتهي بتشكيل مشهد سياسي جديد يطيح بحلم النموذج الديمقراطي الذي عاشه التونسيون خيالا طوال سنوات.

في هذه الحالة تقف تونس أمام مفترق خطر للغاية . وللمرة المليون، فإن تونس لا تستحق هذا المآل، فهي أرقى من ذلك بكثير، وأكبر من أن تحشرها طائفة سياسية في زاوية ضيقة . وللمرة المليون أيضاً، يتأكد أن النخبة السياسية، التي تمخضت بعد انتفاضة ،2011 مازالت خارج المدار وفشلت في أن تكون أهلا للاضطلاع بدولة والائتمان على طموحات شعب .

عن "الخليج" الإماراتية