مواقع عبرية: غزة مُنهارة، سُكانها مُحبطون لكنهم لا يستسلموا
تاريخ النشر : 2015-05-28 12:53

أمد / تل أبيب : غزة مُنهارة، سُكانها مُحبطون لكنهم لا يستسلموا، وإسرائيل تُفضّل أن تخوض مفاوضات سرية مع حماس بدلا من إجراء مفاوضات مكشوفة مع السلطة الفلسطينية. كيف تسير الحياة في غزة؟

تستند هذه المقالة إلى مقابلة أجراها عيران صدقياهو، باحث مُشارك في موقع Can Think وخبير بشؤون القوميات الدينية في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، الذي التقى مؤخرًا مع مسؤول دولي يتواجد كثيرًا في غزة، يعرف المدينة جيدًا، ولديه علاقات كثيرة ومتشعبة داخل القطاع.

"لكي نفهم طبيعة أهل غزة علينا أن نعرف ما الذي يفرض وتيرة حياتهم اليومية؛ أشياء أساسية تدور الحياة في غزة حولها. لا شيء هناك هو مفروغ منه، وواقع الكهرباء هو الذي يفرض وتيرة الحياة".

ضائقة الكهرباء

"تكون الكهرباء مُتاحة، في أفضل الأيام، في مناوبات 8*8، ثماني ساعات كهرباء مقابل ثماني ساعات دون كهرباء. هنالك تناوب طوال الأسبوع: إن كانت يوم الإثنين، مثلاً، تتوفر الكهرباء من الساعة السادسة صباحًا حتى الثانية ظُهرًا، إذًا حتى العاشرة ليلاً لن يكون هناك كهرباء ومنذ تلك الساعة حتى السادسة صباحًا ستكون الكهرباء متوفرة. بهذا يكون هناك كهرباء في صباح يوم ما وفي صباح اليوم التالي لن تكون هناك كهرباء إلا بعد ظهر ذلك اليوم. لو فكرنا بالأمر، فتوفر الكهرباء معناه توفر الماء الساخن، البريد الإلكتروني، العمل، أشياء كثيرة. إذا، يعيش الناس في غزة بموجب وتيرة الكهرباء. إن بدأ تيار الكهرباء بالتدفق في ساعة مُعيّنة، عندها يترك الناس كل شيء ويذهبون إلى البيت أو العمل. إن كان التيار الكهربائي متصلا في منتصف الليل، عندها ستفتح الحوانيت أبوابها في منتصف الليل بسبب توفّر الكهرباء".

"هناك في غزة شركة كهرباء واحدة ومحطة توليد قديمة تعمل على الديزل، مُولّد كهربائي ضخم. تم تدمير هذه المحطة خلال جولات الحروب السابقة، ولكن، في عملية "الجرف الصامد" لم يتم تدميرها كُليًّا بل تم تفجير خزان واحد فقط من خزاناتها الرئيسية. استغرق تصليح الخزان المُدمر ثمانية أشهر، تقريبًا. تُوفر هذه المحطة نحو 40% من الكهرباء في القطاع ولكن ذلك مُرتبط بعملية تزويد وقود، مُنظمة. تم، منذ تسلم عبد الفتاح السيسي للرئاسة في مصر في منتصف العام 2013، إغلاق 95% تقريبًا من الأنفاق بين غزة ومصر. وتوقفت، على إثر ذلك، عملية التزويد المُنظمة للوقود الرخيص للقطاع ولذلك زادت الحاجة إلى الوقود الإسرائيلي. ولكن الوقود الإسرائيلي باهظٌ جدًا، ضعف سعر الوقود المصري، وذلك، من بين أسباب أخرى، بسبب الضرائب الثلاثية عليه - إسرائيل، السلطة الفلسطينية وحماس. والنتيجة هي أن سعر لتر الوقود في القطاع يُمكن أن يكون أغلى من سعره في إسرائيل ذاتها، حيث مستوى الفقر في غزة أعلى بكثير. وأيضًا، الوقود الإسرائيلي نقي ونظيف جدًا، حيث أنه من جهة هو أفضل بكثير للمحركات ولكنه يحترق بسرعة كبيرة بالمقارنة مع الوقود المصري، الذي ربما يكون مُلوثًا إلا أنه يحترق بشكل أبطأ. إذا، ليس أن الاستهلاك هو أكثر بمرتين، بل إن الوقود يحترق بسرعة كبيرة أيضًا. هذا يعني أن قلة فقط من الناس يُمكنهم شراء الوقود في غزة. يحتفظون في المؤسسات الكبيرة وفي المباني الضخمة بمولدات كهرباء خاصة بهم للتعويض عن النقص بالوقود. إنما مرة أُخرى - قلة من الناس فقط يمكنهم الحصول على طاقة كهربائية في غزة".

تُزود محطة الطاقة في غزة نحو 40% من استهلاك الكهرباء في القطاع، وكما تُوفر مصر أيضًا ما بين 10% - 15% من الكهرباء لمنطقة رفح، ولكن هذا الخط تعطل مؤخرًا وانقطعت الكهرباء عن رفح لمدة طويلة. لا أعرف ما هي حال ذلك الخط الآن. تُزود إسرائيل القطاع بنحو 40% - 50% من استهلاك الكهرباء، الأمر الذي يُعطيها القوة للتحكم بذلك. فهناك مشكلة ديون، وبين الحين والآخر، تخرج أصوات في إسرائيل تقول: "نحن نُعطي غزة الكهرباء مجانًا". يجب إدراك ذلك: يطمح سكان غزة للاستقلال من ناحية الطاقة ولكنهم، ببساطة، لا يستطيعون".

"تضرر الكثير من خطوط الكهرباء خلال عملية "الجرف الصامد"، نتيجة تحرك المدرعات الإسرائيلية ونتيجة عمليات الحفر التي قام بها الجيش الإسرائيلي بحثًا عن الأنفاق. أدى ذلك الأمر إلى المس بعملية تدفق الكهرباء إلى القطاع طوال أسابيع. حتى أن شركة الكهرباء الإسرائيلية قامت بإصلاح البنية التحتية المُدمرة على حدود غزة لئلا يؤدي الأمر إلى انقطاع تام للكهرباء، وهذا لأسباب إنسانية. لم يعد التيار الكهربائي، في الشهر الأول بعد نهاية عملية "الجرف الصامد"، إلى نظام 8*8 إلا لمدة نحو 3 - 5 ساعات من توفّر الكهرباء في مدينة غزة ومن ثم كانت فترة 18 ساعة، تقريبًا، فترة انقطاع عن توفّر الكهرباء، إلى أن أصلحوا البنية التحتية. لا شك أن هذه ليست معلومات دقيقة - أحيانًا ينقطع التيار الكهربائي في الساعة الخامسة، وأحيانًا أخرى في الخامسة إلا ربع. حاول أن تعيش هكذا لمدة أسبوع واحد وربما حينها يُمكننا أن تفهم شكل الحياة في القطاع. هذه الأمور، البسيطة وكأنها هي التي ترسم حياتهم".

رواتب جزئية ومشاكل بتدفق الميزانيات

"موضوع آخر يتحدث عنه الجميع في غزة وهو دفع الرواتب. يعتمد قطاع غزة، ومنذ سنوات عديدة، على الدعم الدولي والكثير من سكانه هم من اللاجئين، بحيث أن نسبة البطالة فيه عالية جدًا. القطاع العام والأونروا هما المُشغّلان الأهم في قطاع غزة. بعد طرد السلطة الفلسطينية من غزة، عام 2007، تحوّل نحو 70 ألف من موظفيها إلى عاطلين عن العمل. لكن حكومة رام الله ما زالت تصرف لهم رواتبهم، على الرغم من عدم ذهابهم إلى العمل، لأن أهم الجهات المانحة للسلطة الفلسطينية تعتبر حماس مُنظمة إرهابية والسلطة الفلسطينية لديها مصلحة بعدم خروج رجالها في غزة للعمل. عدا عن ذلك، فهناك لدى السلطة مصلحة بخلخلة مؤسسات حماس وقدرة التنظيم على إدارة القطاع أيضًا".

"قامت حماس، من جهتها، بتجنيد نحو 40 ألف عامل جديد، الأمر الذي خلق وضعًا جديدًا وهو أنه خلال السنوات التي مرت منذ ثورة حماس في القطاع، يكون هناك موظفان اثنان لوظيفة واحدة: واحد يجلس في البيت ويحصل على راتب من السلطة الفلسطينية والآخر يذهب إلى العمل ويتقاضى راتبه من حماس. بدأت حماس تعاني من مشاكل خانقة من ناحية الميزانيات، وذلك منذ تم تشديد الحصار المصري على القطاع في أواخر عام 2013، الأمر الذي أدى إلى تقليص الرواتب بمعدل النصف. يُضاف إلى ذلك أيضًا انقطاع التواصل مع إيران بسبب الحرب الأهلية الدائرة في سوريا، الأمر الذي أدى كذلك إلى تضرر تدفق الميزانيات".

"هناك في القطاع العام، في قطاع غزة، فئتان من العمال: موظفون في الجهاز الأمني وموظفون حكوميون عاديون. تلقى موظفو الدولة العاديون، حتى ربيع عام 2014، نصف رواتبهم وحصل موظفو الأمن على رواتبهم كاملة. لقد وافقت حركة حماس على التوقيع على اتفاق وحدة مع السلطة الفلسطينية في نيسان، من العام ذاته، رغبة منها بأن تجعل السلطة في رام الله تتحمل مسؤولية أزمة الرواتب في القطاع. إلا أن مصالح حركة حماس لن تتمثل بشكل ملائم في حكومة الوحدة، وفي نهاية أيار 2014 تم دفع رواتب موظفي السلطة في القطاع ولكن لم يتم دفع رواتب موظفي حماس. فسرت حماس اتفاق المصالحة على أنه التزام من قبل السلطة بدفع كل الرواتب، إلا أن رأي السلطة هو أنها ليست مُلزمة بدفع رواتب موظفي الدولة الذين جندتهم حماس وأن على حماس أن تُعيد موظفي السلطة للعمل على حساب موظفيها. وُضعت تلك الأزمة جانبًا، على إثر عملية "الجرف الصامد"، ولكنها عادة الآن لتطفو على السطح".

"حصل موظفو حماس، في شهر تشرين الأول من العام 2014، على دفعة معونة إنسانية، لمرة واحدة، بقيمة 1200 دولار للموظف على إثر إنشاء آلية مُشتركة بين حماس، السلطة، قطر، إسرائيل والأمم المُتحدة: قامت قطر بتحويل المال إلى الأردن والأمم المُتحدة قامت بنقل الأموال من هناك إلى إسرائيل، ضمن قافلة تم تأمينها بشكل جيد، إلى حاجز إيريز ومن هناك إلى فروع البريد المُختلفة في أنحاء القطاع. توجه موظفو حماس إلى هناك ليتسلموا رواتبهم. تفاقمت الأوضاع، منذ نهاية 2014، بعد تجميد أموال السلطة، التي أدت إلى تقليص الرواتب التي دفعتها. حتى عندما حررت إسرائيل الأموال قامت باسترجاع الديون، مثل الديون الفلسطينية لشركة الكهرباء. باختصار، لا يحصل الكثير من سكان غزة، منذ عام ونصف، على رواتبهم الكاملة، المُنخفضة أساسًا. الحالة عبثية وتصل إلى حد السخرية، لكن هذا يُعطيك فكرة عن واقع الحياة في القطاع".

القيود على حرية الحركة والشعور بالاختناق

"الأمر الثالث الذي يفرض وتيرة الحياة في قطاع غزة هو تقييد الحركة. تم فتح المعبر الواقع بين رفح والقطاع، منذ تشرين الأول عام 2014، فقط بضعة أيام، وغالبًا لعبور الأجانب، طلاب من غزة يدرسون في الخارج ولحالات إنسانية. في الجانب الإسرائيلي، عند معبر إيريز، على الرغم من زيادة عدد التصاريح المُعطاة، يحصل القليلون فقط على التصريح المنشود. يُمكن القول عمومًا إن من يُولد في غزة، في السنوات الأخيرة، يعيش ولديه شعورًا أنه لن يخرج من غزة طوال حياته".

"الشيء العجيب هو أنه على الرغم من كل شيء نجد أن الكثيرين من السكان في غزة يديرون حياتهم اليومية. هناك محامون، طلاب وطالبات، رجال أعمال، فنانون وفنانات. الصورة المأخوذة عن غزة هي أن أطفالها حفاة وفقراء ويتجولون بين رُكام البيوت، وأن حياتهم مقرفة وأنهم يُصارعون من أجل تأمين قُوتهم اليومي لكي يعيشوا ليوم إضافي. ولكن، عندما نلتقي الناس في غزة نُدرك أننا أمام أشخاص عاديين، يعيشون حياة عادية، يتزوجون ويعملون وأن لديهم طموحات بالنجاح والتقدم كما في أي مكان في العالم. القيود على الحركة هي بمثابة تراجيديا كبيرة، لأن المجتمع في غزة متطور ويُدرك ما يدور حوله في العالم. إن حالة الإحباط التي يعيشها سكان غزة، بسبب عدم قدرتهم على ترك القطاع، كبيرة وتُغذي بدورها السياسة الراديكالية".