القيادي في حماس د.حمد: أسئلة على طاولة السيد الرئيس!
تاريخ النشر : 2015-05-26 12:42

امد/ غزة - كتب د.غازي حمد*:

(1) عقدتان كبيرتان

لدى اسرائيل عقدتان كبيرتان: الشرعية والامن .

 الخطير ان السلطة الفلسطينية منحت الاثنتين مجانا وبدون مقابل, ولو كانت (تاجرة) ذكية في السوق السياسي لحصلت سعرا عاليا ,لكن (فاتت عليها)!!

الخطير، ان الرئيس عباس منح اسرائيل طمأنينة قوية حين كرر كثيرا، انه لا يريد المس بشرعيتها ولا بأمنها، في الوقت الذي تصر فيه على محاربة كل اشكال الشرعية للفلسطينيين، وتعزز ذلك عمليا من خلال رفض الاعتراف بكونها دولة محتلة، اوأن للفلسطينيين حقا في حدود عام 67 .

فيما يخص الامن، فان اسرائيل تنعم في الضفة الغربية بأمن وافر، راحة للجنود والمستوطنين، لا مواجهة ولا مضايقة، بل يتم ملاحقة واعتقال كل من يفكر بتعكير الهدوء والراحة لهم!!..

اما الامن الفلسطيني فهو مستباح: اقتحام اراضي السلطة دون اذن، اعتقالات ، مداهمة البيوت، نصب الحواجز في كل مكان، ورغم  كل هذا يصر الرئيس على ان "التنسيق الامني قائم ومقدس "، وانه " لا مجال لانتفاضة ثانية " .

ان التشبث بالطابع السلمي " في وجه "الطغيان العسكري العدواني الاستيطاني " غير منطقي !!

الرئيس يعيش في عالم ميثولوجي / طوباوي، ويحلم أن يحصد "من بيض الحمام صقور " !!

هذه سياسة منكوسة!! وبحكم المعادلات الكيمائية السياسية من الطبيعي أن توصل الى الفشل والتيه .

(2) من حق الشعب أن يسأل:

من حق الشعب - الذي يبحث عن مستقبله ومصيره - أن يسائل الرئيس: أين تذهب بنا .. لماذا بعد ربع قرن لم تنجح في تحقيق أي من مطالبنا المشروعة..هل هناك بارقة أمل أم انه علينا أن ننتظر عشرين عاما أخرى ؟

حتى الان، لم يجب الرئيس عن أسئلتنا ..لم يُقنعنا ..بل لم يكلف نفسه عناء الرد علينا !!

هل لدى الرئيس مجرد تفكير ان يعدل من خط سيره ..ان يضع على طاولته عددا من الخيارات والبدائل الواقعية ..ان يفكر مرة بقلب الطاولة ويضع الجميع امام معادلة جديدة ؟؟

كما يقولون في خيارات الاجوبة : (لا شيء مما سبق ) !!.

الرئيس جر حركة فتح ومنظمة التحرير - والحالة الفلسطينية عموما- الى طريق سياسي مسدود لا نهاية له، وهو مصر على ان "يركب رأسه "، رغم هذه الحقائق المرة والسنوات الضائعة، ويقسم ثلاثا على انه لا حياد عن هذه الطريق الموصلة الى لا شيء !!

هل يمتلك الرئيس الشجاعة ليقول لشعبه "جربتُ وحاولتُ واجتهدتُ لكني فشلتُ " ..

وهل يمتلك شجاعة أكبر ليقول لشعبه " تعالوا بنا نبحث عن بدائل اخرى "..؟

هل يمكن أن يصارح شعبه بقائمة بالمنجزات الحقيقية التي حصلها بعد سني المفاوضات والجهد السياسي والدبلوماسي ؟ .

لماذا يسجن الرئيس نفسه وشعبه في خيار / نفق واحد، في حين ان الخيارات متاحة أمامه ليفرض واقعا مختلفا، ويحصل مكاسب أكبر بكثير مما هو عليه الان ؟

للاسف، ان الرئيس ربما لا يدرك ان الشعب الفلسطيني لديه الكثير من أوراق القوة، التي لو استخدمها لاستطاع أن يغير وجه التاريخ...لكن..وآه من لكن !!

ان الاوراق التي بيد الرئيس استُنفذت، ولم يعد هناك مجال لبث الروح فيها ..وفات الاوان على الرئيس أن "يلعب " بهذه الاوراق مجددا أو أن يعتبرها أوراقا رابحة .

لماذا يتجاهل الرئيس – بكل عناد- الانصات الى معارضيه، والى القوى السياسية ليسمع منهم ,يستشيرهم، ويأخذ بنصائحهم، أم أنهم بالنسبة له مجرد "أعداد رقمية" ؟

كم هي المرات التي جلس فيها الرئيس الى القوى السياسية والشخصيات الوطنية ليسمع منهم، ويتفحص اراءهم ؟

أن أغلب من استمعت اليهم من كتاب ومحللين وسياسيين يشتكون أن منهجية الرئيس في قيادة المسار السياسي خطيرة جدا، لأنها، أولا، تتجاهل كل المكونات السياسية والمجتمعية، بما فيها فتح واللجنة التنفيذية، وترسخ لأحادية التفكير، وثانيا، لانها تتحرك دون استراتيجية واضحة، ومن ثم تقود الى الفشل والاحباط .

ان الرئيس يجب الا يوهم نفسه أنه في مرحلة بناء الدولة، وان السعي وراء انتزاع الاعتراف بها هو الهم الاول والانجاز الاعطم .. فيما كل مقومات الدولة تسحب من تحت قدميه !!

 يجب ان يفتح الرئيس عينيه ويوقن أنه في مرحلة تحرر، وهذه المرحلة لا تحتاج كثيرا من (الرسميات) و(السفريات ) و(البروتوكولات)، بقدر ما تحتاج من ملامسة الواقع ومواجهة الحقائق المرة على الارض،  وبقدر ما تحتاج من النضال الحقيقي ضد الاحتلال .

(3) محاربة الشيء بالشيء

اليس من المنطق ان يحارب الرئيس اسرائيل في شرعيتها حين تحاربه في شرعية حقوقه؟؟

اليس من المنطق ان يحاربها في أمنها حين تحاربه في أمنه ؟؟

أليس من المنطق أن يحاربها بقوة الدعم الوطني حين تحاربه بمعسكريها اليميني واليساري؟

أليس من حقه أن يقول للعالم: لان اسرائيل لم تعترف لنا لا بحقوق ولا بشرعية، فان من حقي ان أسحب الاعتراف بها ؟؟، أوليس من حقه أن يقول أيضا " جربت كل الطرق السياسية والسلمية مع اسرائيل ففشلت، وهذا يدفعني للبحث عن وسائل أجدى وأقوى ؟؟

ام أن الرئيس لازال يعتقد، أن الدبابة يمكن أن توقف بنثر الزهور عليها، أو ان المستوطنات يمكن أن تقتلع من خلال زراعة الاشتال !!

(4) الهروب للأمام

ان سياسة الهروب الى الامام ..الى الامم المتحدة ومجلس الامن والمحكمة الجنائية الدولية لن تنقذ الرئيس من ورطة الفشل التي وقع فيها..لن تمنحه الا "امتيازات" تشعره بنشوة عارضة لكنها مثل سحابة الصيف..

المجتمع الدولي اقتنع بقوة، ان أبو مازن (رجل سلام) لكنه لم يمنحه سوى الاعترافات الورقية والاستقبالات الرسمية، ولم يساعده في اقتلاع بؤرة استيطانية واحدة، ذلك لان (رجل السلام) يفاوض بلا أسنان وبلا قوة رادعة وبلا سند وطني !!

كل يوم يستنسخون لنا مبادرة (ملهاة) جديدة !! من أفكار كيري الى المبادرة الفرنسية الى اقتراحات القارة العجوز ثم الى "شذرات " الروس على استحياء !! وكلها تذهب مع الريح ولا تعود !!

عرفنا من خلال تجربتنا الطويلة، ان اسرائيل اذا تنعمت، تمرغت بالشرعية والامن فإنها (تسرح وتمرح) وتدير ظهرها، ليس للرئيس فقط، بل للمجتمع الدولي والامريكان !!، لكن يوم ان تشعر ان شرعيتها وأمنها اصبحا في مرمى الخطر، فإنها ستلهث وراء الحلول وستقدم تنازلات غير متوقعة .. لكن من يفهم هذه "الوصفة " ويعمل بها ؟

بعد سنوات الفشل المريرة من المعيب أن نلجأ الى سياسة "الترقيع" او "التجميل" او "الانتظار" ...

من المعيب ان نجرب المجرب..من المعيب أن نجعل الشعب صاحب التضحيات والثورات والانتفاضات حقل تجارب أو رهينة مغامرة غير محسوبة..ومن المعيب أيضا أن نظل على رصيف الانتظار بلا خطط ,بلا بدائل وبلا سند وطني حقيقي!!

 (5) اعتراف ثم وفاق ثم انتخابات

      السؤال الذي يطرح في كل لقاء أو مؤتمر : ما العمل ؟

سؤال مرهق شائك مزمن !! وقد تحتاج الى "الدوران " مرات ومرات لتصل الى جواب صحيح وعقلاني.

في البداية نحن بحاجة الى اعتراف شجاع كي نصحح المسار: اعتراف بالفشل، وان الاستمرار في هذا المسلسل "المسرحي" اهدار للوقت والجهد ..بل واهدار للكرامة الوطنية.

مشكلتنا في الحالة الفلسطينية انه لا احد (وأؤكد على أنه لا أحد ) على استعداد للتحلي بالشجاعة ليقول "أخطأت أو فشلت" !!، لا احد يرفع عقيرته بضرورة المراجعة الذاتية..بل هناك اصرار مرعب على السير في ذات الطريق الملتوية- الموحشة، رغم انها مزروعة بآلاف الالغام المضادة (للأفراد والجماعات)!!

ثم أن نتوقف ونفكر؟ هل نسير في الاتجاه الصحيح أم اننا أوغلنا في الطريق الخطأ؟ اذا كان الطريق خطأ فلا بد من قرار شجاع بالتوقف  وتغيير الدفة الاتجاه .

 العناد والاصرار على الطريق الخطأ كارثة وطنية لا مثيل لها .

ثم نخطو خطوة جريئة باتجاه صياغة الاستراتيجية الوطنية على قاعدة التوافق الوطني والقواسم المشتركة. هذه ستجمع الفلسطينيين في الوطن والشتات تحت مظلة واحدة وستمنحهم قوة بمعدل عشرة الاف حصان سياسي!!

من يعتقد ان الانتخابات (لسلطة تحت الاحتلال) يمكن ان تكون المفتاح السحري لحل مشاكلنا فهو غارق في الوهم، التوافق (بكل ما يعنيه) أولا ثم الانتخابات ...

على قاعدة الوفاق سنبني استراتيجية سليمة ومنظمة قوية وسلطة قادرة وحكومة ناجحة.

اذن دعونا نبدأ من نقطة الوفاق ..نجمع القوى السياسية وذوي الخبرة واهل الاختصاص لنبحث في تشخيص حالتنا  بمهنية وعقلية وطنية ,ثم نضع لها المخارج والحلول.

قد يقولون هذا سيأخذ وقتا طويلا .هذا صحيح. فليأخذ عاما او عامين . ألم تأخذنا سنوات الخلاف والانقسام سنوات بل عقودا ؟!

سيقولون انه مسار صعب وشائك .سأقول لهم:  البديل عنه أصعب وأكثر شوكا؟

 اذا كان هناك عبقري فلسطيني فليعطني بديلا آخر !!

يجب ان يكف الجميع عن الدوران في "مصيدة الوهم " ,والسباحة عكس تيار الواقعية والعقلانية الوطنية .

أخشى ما أخشاه أن تسيطر علينا ذات الجينات النكدية ..ذات العقلية المتفردة /الحزبية /الشاكة التي تضع لغما في كل نص وقنبلة في كل طريق ..أخشى من القوة التدميرية لفقدان الثقة ..أخشى من قصور الرؤية والحسابات غير الصحيحة .. من قصر النفس وقلة الصبر ..من التزاحم على الصلاحيات والمواقع ...

كل هذا سيقود الى القاء قنبلة نووية على المشروع الوطني، وستبرز لنا "هيروشيما" جديدة تبقينا مشوهين/ معاقين أبد الدهر ..

وليتذكر أولو الالباب !!

*احد قيادات حركة حماس البارزين