اهتزت الأمة فاهتزت الجمعة بالأقصى
تاريخ النشر : 2015-05-25 01:59

اهتزت وتفرقت وتشرذمت الأمة فاهتز وتفرق المصلين حتى في صلاة الجمعة الأولى من شعبان داخل المسجد الأقصى, فهي المرة الأولى التي لم تقام فيها صلاة الجمعة بالمسجد الأقصى المبارك لدواعي وأسباب بعيدة كل البعد عن الاحتلال وممارساته التهويدية بحق القدس والمقدسيين والأقصى, بل كانت بفعل تلك الجماعات التي ارتهنت الدين والعقيدة السمحة الغراء برهانات حزبية وسياسية ونفعية مصلحية اقليمية وعالمية, لم يخطر ببال أحد أن ما جرى بالمسجد الأقصى كان بسبب القاء خطبة صلاة الجمعة لإمام من بلد عربي اسلامي شقيق, نتقاسم وإياه وحدة الدين والتاريخ والشعب والمصير, فمن شاهد أو سمع أو قرأ ما جرى بالمسجد الأقصى الذي بارك الله حوله لم يكن يتصور بلحظة من اللحظات أن التكبير والتهليل والتجمع والهرج والمرج والتدافع الا اعتراضا على مستوطنين أو حاخامات يهود متطرفين يبغون تدنيس حرمة المسجد الأقصى وباحاته, ولم يخطر ببال عربي مسلم أن المال والنفوذ السياسي يفعل ما فعله الغوغاء بأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين, فالحقد الأعمى الأسود على الأردن وشعب الأردن وعلى ممثله الديني قاضي القضاة الداعية الاسلامي (أحمد هليل) والذي جاء مؤازراً ومناصراً لأهله ووطنه ودينه وللصلاة بالمسجد الأقصى والذي تعادل الصلاة فيه بألف صلاة, ورأينا سعة صدر تلك الفئة وترحابها قبل أيام قلائل فقط بخطبة وصلاة وزيارة وزير الاوقاف التركي للمسجد الأقصى والتي تتمتع بلاده بعلاقات استراتيجية سياسية وعسكرية وأمنية بالمحتل الاسرائيلي, ولسنا في وارد المقارنة بين البلدان الاسلامية وشعوبها فحالها بات لا يخفى على أحد, ولكننا في وارد المال السياسي وفعله بالجماعات والحركات السياسية والدينية.

فالأردن الشقيق فك ارتباطه القانوني والادراي بالضفة الغربية عام 1988م, ليفسح الطريق دون التباس أو شكوك بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده, ورغم ما حمله ذلك القرار من معاناة وضنك العيش للعديد من الفلسطينيين المرتبطين معيشيا وحياتيا عبر سنوات طوال ببلدهم الشقيق في الشطر الشرقي للضفة الغربية, ومع ذلك نرى أنه لم يكن يوما المسلم الا اخ المسلم (لا يظلمه ولا يسلمه) كما قال رسولنا الكريم (محمد صلى الله عليه وسلم), فهل من دخل الأقصى حاخام يهودي صهيوني متطرف ليصار الى افساد صلاة الجمعة ومحاولات التطاول والاعتداء على داعية مسلم جاء من بلد شقيق لأداء فريضة الصلاة وهي الركن الأول بالدين الحنيف. لقد بات شباب الأمة معبئ بأخلاقيات ومسلكيات حركته وحزبه السياسي والذي يجد فيه الكثير من الشخوص ليقلدها ويتأثر بها شكلاً وهوية أكثر بكثير جداً وبعيدا عن أخلاقيات ومسلكيات الدين الذي وصف الله رسوله فيه (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾, وقوله تعالى) كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ(, وقول سيدنا محمد صلوات الله عليه وسلامة (الدين النصيحة), فلو كانت هذه المفاهيم والاعتبارات والمصلحة الدينية هي الهدف الأسمى عند تلك الجماعات التي تغلغلت لأبناء بيت المقدس لما منعت قاضي القضاة الاردني من اكمال خطبته وافساد صلاة الجمعة على عموم المصلين المسلمين بأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين, في محراب الأنبياء والذي اليه كان الاسراء ومنه كان المعراج, وكان الأجدر بهم فيما لوكان هدفهم كذلك لحاجوه أو احتجوا على دخوله قبل دخوله المسجد, أو شكلوا اعتصاما سلميا داخل باحات المسجد الشاسعة, ولكن غلبت النزعات والمصالح السياسية الحركية والحزبية على الطابع العقائدي للدين الحنيف الذي يقول رب العزة فيه: [ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ], ودعاء الناس مسلمهم وكافرهم إلى السبيل الرباني يكون بالعلم لا بالجهل والبداءة, فالاحتجاج بالأدلة العلمية هي الأقرب لحصول الفصد من ورائها وبلوغ الهدف المنشود, في حين تؤدي المجادلة إلى خصام أو مشاتمة تذهب بمقصودها. ونستعيد ذاكراتنا الفلسطينية القريبة لنشاهد كم هي الانحدارات الواقعة بالأمة والتي انسحبت لتصل صلاة الجمعة بأولى الفبلتين والتي قال فيها الرسول الكريم "من مس الحصى فقد لغى ومن لغى فلا جمعة له", وقول النبي صلى الله عليه وسلم "من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا ومن قال له أنصت فقد لغى", وفي مطلع القرن الحالي وتحديدا في 28- 9- 2000م دخل زعيم المعارضة الاسرائيلية (شارون) باحات المسجد الأقصى محاولا تدنيسه واثبات ملكيته لليهود, فكانت انتفاضة الشعب الفلسطيني الثانية واهتزت الأمة من مشرقها الى مغربها تضامناً مع المسجد الأقصى وأبناء بيت المقدس, وبعد عقد ونيف تهتز وتتفرق وتتشرذم الأمة, واذ بأبناء بيت المقدس وأكناف بيت المقدس ومصلي أولى القبلتين يختلفون ويفترقون على إمامة رجل مسلم عالم لصلاة الجمعة بالأقصى, وكأن حال الزمان يقول للأمة خطوة واحدة للأمام وخطوات للوراء لن تؤدي لنهضة أمة ورفعتها ويفيقها من سباتها الطويل, فبالأمس القريب اهتزت وانتفضت الأمة في وجه المحتل لاهتزاز الأقصى وأنينه, واليوم يهتز الأقصى ويرتجف مصليه لاهتزازات الأمة فهل من مُدكر؟.

أ‌.        علاء محمد منصور

كاتب وباحث بالدراسات السياسية