الشابة نعمة 20 يوما وهي تنزف حياتها داخل مشفى حكومي بغزة
تاريخ النشر : 2015-05-22 19:15

أمد / غزة - تقرير يوسف حماد: ساكنة صامتة باردة كانت جثة الشابة نعمة بعد ان كانت صاخبة فرحة تنبض بالحديث ومعاني الحياة.

هي رواية جديدة قديمة للصغار والكبار بدأت عندما دخلت نعمة المشفى فخرجت على اكف الدعاء ثم أودعت القبر وهي أفضل النعم عندما يتعلق الأمر بالأخطاء الطبية كثيرة الظهور نادرة الإعلان حسب عائلتها.

أربع وأربعون وحدة دماء لم تكفي الشابة نعمة الجملة 20 ربيعا حتى يتوقف نزيف عمرها والذي أصابها بعد عملية ولادة "طبيعية" في مشفى الشفاء بمدينة غزة فقرة الإمكانات الطبية.

وهي انتكاسة طبية أخرى في سجل الأخطاء التي تنخر بمشافي قطاع غزة رغم محاولة تفاديها قدر المستطاع.

ولم يمنع تباعد أيام الحادثة قبل شهر كامل، من استمرار توشح ذويها السواد، واتهام مصحوب بدموع مدراره للمشفى المركزي الحكومي بالتسبب في "مقتل نجلتها بشكل يندى لها جبين كل كادر طبي".

وكلمات لا يشوبها هدوء ولا تصدها معاني الانتظار وأيضا وأيضا. ساقتها والدة نعمة أمام أنظار الأطباء دونما اي تورع من احد في ظل مساءه الأخطاء الطبية التي تستمر كما دفاتر التحقيق وكلمات الآسف المصاحبة لكل ضحية تخسر حياتها داخل المشافي الحكومية وغيرها في القطاع.

20 يوما منذ بداية ابريل حتى أواخره كانت قاضية لحياة نعمة بين أفواه الأطباء وحشوات القطن ماصة الدماء في جسدها، الذي أمسى متخما في آخر أيامه قبل ان تفيض روحها الى صدر السماء اثر 5 عمليات جراحية فاشلة ناهيك عن استئصال (رحمها) دون الحاجة لذلك وهو ما أكده الطبيب الاسرائيلي لعائلتها.

أم احمد 40 عاما ولكنها بدت في عقدها السادس بفعل الصدمة المدمرة لما أصاب ابنتها الشابة نعمة التي لم ينعم عليها القدر برؤية نجلها الجديد إلا ساعات وهو الذي انجبته وقضت بعدها، أو رؤية نجلها البكر يزن وهم تركتها في الحياة "استهلكت كافة العمليات الوقائية لتفادي وفاتها داخل مشفى الشفاء، حيث تم تحوليها للعلاج داخل أراضي الخط الأخضر بإسرائيل وتحديدا في مشفى حكومي بتل أبيب، وكانت في حالة موت سريري قبل نقلها لإسرائيل بيد ان الأطباء في غزة اخفوا ذلك علينا". وفق والدتها.

تتابع ام احمد ان "أساس الضرر البالغ هو عملية (الخلاصة) وهي التي تتبع عملية الولادة لتطهير المنجبة، ثم تطور الأمر الى ساحة سجال دامية بين غرف العمليات وابنتها التي يبدو انها أصيبت بنزيف داخلي في احد الشرايين الداخلية حيث نقلت نعمة لوالدتها وهي تفارق حياتها أنها أصابها بألم بالغ للغاية أثناء (الخلاصة) وشعرت ان شيء قطع وأصبحت اشعر بدفء أحشائي وهو ما يعني وفق قواميس الجراحة ان نزيفا داخليا حاد أصاب أحشاء جسدها".

انتقل جسد نعمة صامتا باردا مع والدها بعد 18 يوما تكابد الموت في غزة لإسرائيل حينما وصلت قال والدها أبو احمد الذي رافقها بعد معاناة الحصول على التغطية المالية للتحويلة والتي لم تخرج إلا بعد ان شرع أهالي الضحية بالعلاقات والاتصالات لمكتب الرئيس وهي التي ساندت ذلك وهو يتأبط غضبا " لقد ماتت وهي في أوج عمرها " حسبيا الله ونعم الوكيل"، مؤكدا انه سيقوم بتقديم شكاوي في كل مكان للصحة وغيرها لأجل الوصول الى ما اعتبرهم "قتلة ابنته"

يضيف والدها بعد فحوص أولية قال البروفسور الاسرائيلي روني لوالدها الذي عمل سابقا في اسرائيل" لقد وصلت متأخر للغاية ابنتك تموت ببطئ(..) مضيفا ( أي الطبيب الاسرائيلي) هل أنت متأكد أنها قادمة من مستشفى؟ ابنتك لم تكن في مشفى بل تعرضت لمجزرة داخل أحشاءها، ولم يصدق والدها ذلك إلا بعد ان شاهد العديد من القطن الطبي ومستلزمات الجروح أخرجت من داخل جسدها".

عاد والدها وهو يجر خلفه حسرة لم تسكته دموع ولا تصده قلوب بجثة ابنته حيث دفنت دون أي رؤية للحقيقة، ولكن الحقيقة ما زالت طليقة تنتظر لجان وأحكام طال انتظارها.

الدكتور يوسف أبو الريش وكيل وزارة الصحة بغزة قال "انه تم فتح تحقيق موسع في قضية الشابة نعمة في وزارة الصحة والتحقيق مستمر(..) ننتظر مجرد انتهاء لجنة التحقيق حتى يتم الكشف عن النتائج واخذ الإجراءات اللازمة وهو ما يعني ضمنيا تعرض الشابة نعمة لخطأ طبي أثناء وجودها داخل مشفى الشفاء.

أبو الريش وهو طبيب أطفال والوحيد المسموح له بالتصريح والحديث عن قضية الشابة الجملة رفض الجزم بوجود خطأ طبي أثناء ولادتها بقوله "لا استطيع الحديث عن أي خطأ طبي إلا بعد الخروج التحقيقات المختصة. حياة الناس بالطبع هو أمر مهم وعندما يتعلق بتبادل اتهام والحديث عن معاناة الناس طبيعي ان يكون هناك حرص بعدم الحديث إلا من أطراف بعينها".

واعتبر أبو الريش ان التطرق للقضية في وسائل إعلام بأنه أمر غير حسن بقوله "عندما يتحدث أصحاب العائلة وهو مكلمون قد تفهم أي كلمة على غير سياقها، يترتب على ذلك أشياء قد تكون غير حسنة وغير محسوبة، الأفضل ان تبقى الأمور في أضيق الزوايا ليس خوفا من مواجهة الإعلام ولكن خوفا من فهم حديثه في غير سياقه وسترتب عليه ضرر اكبر".

وحول رواية المستشفى الاسرائيلية عن الشابة وأنها تعرضت لعملية تشويه داخل جسدها رد أبو الريش "هل سمعت أنت الطبيب الاسرائيلي"، (رد المحاور) لقد سمعت والدها الذي كان مع الطبيب الاسرائيلي. مضيفا نحن لا نريد الدخول في حالة سجال(..) ان فقدان أي إنسان يجلب الألم والحزن الكبير وهذا أمر متفهم ولكن كجهة مسؤولية لا نريد الانجرار في الحديث لإخراج كلام غير مسئول، هم يتحدثوا بما يريدوا ونتفهم هذا الأمر ولكن هناك لجنة مختصة".

وحول إدانة أطباء أقرت لجان تحقيق سابقة قيامهم بأخطاء طبية في غزة أقر أبو الريش بذلك دون أعطاء أي تواريخ أو أرقام لذلك، مكتفيا بالقول " لا أملك إحصاءات دقيقة". وتابع عندما يكون هناك خلل يتم اتخاذ الإجراء المناسب بحجم هذا الخلل (..) الغالبية العظمى من الشكاوي والتحقيقات لا تكون وفق ما يصورها البعض من أهالي الضحايا حيث تحدث مضاعفات طبية أثناء عمل الطواقم الطبية (..) للأسف البعض لا يفرق بين الإهمال والمضاعفات الطبية ولكن هذا لا ينفي وجود قصور يتم اخذ الإجراء القانوني المناسب بكل من يقوم به".

لم يكفي عائلة نعمة اكف الضراعة الى السماء كما عشرات المواطنين الذين شهدوا حالتها في المستشفى المركزي بغزة بإنقاذ حياتها، من المارة وحتى العاملين، ولا دعوات الرجاء والتمني مصحوبة بانتظار طويل أدمى وجنتي والدتها قبل قلوب الكثيرين ممن سمعوا صراخات ونحيب نعمة وعائلتها بأروقة قسم الولادة والجراحة، فالناظر لبصمات يدها على وجهها من طول الانتظار لإقرار حقيقة طبية، ليست كما قميص يوسف عليه السلام، يعلم أنهم ليسوا من بني الأكرمين.