على ماذا يراهن الرئيس؟!
تاريخ النشر : 2015-05-18 14:16

كثيرة هي الاسئلة عن جدوى النشاط الواسع والمتوالي للرئيس ابو مازن من عاصمة لأخرى، تارة يطلب دعماً، وفي أخرى يذكرهم بمسؤولياتهم، وفي عواصم أخرى يضغط. وهو يواجه وحيداً دولة الاحتلال التي لم تعد تعير اهتماما " للحل "، بل ماضية في مشروعها التوسعي، كأزعر لا ينصاع.

ولكن السؤال الأهم على ماذا يراهن الرئيس ابو مازن، في ظل التغيرات التي يشهدها العالم، والتي تبدلت فيها أنظمة وحكام، بل وقيم ومبادئ، وانهارت فيها تحالفات وقامت أخرى ؟

يعلم الرئيس قلة الحيلة التي تصبغنا، وما وصلت اليه حالتنا السياسية، سواء لاسباب ذاتية او موضوعية بسبب التغيرات الجارفة، حيث الشأن الداخلي، وما انتج من انقسام والذي لم يعد جغرافيا، فقط بل اخذ يرتسم في صورة الانقسام السياسي ايضا في ظل سعي سلطة حماس لاقامة دويلتها في غزة، بدعم من حلفائها واصدقائها، الذين أعجبتهم فكرة الانقسام، فبدأوا العمل على شرعنته وتأسيس ما يلزم لادامته، من دعم مالي ومنافذ برية وبحرية قادمة، ودبلوماسية من وراء حجاب، وبغبطة ومباركة من اسرائيل. والجميع يلمس ان الانقسام شكل ضربة في الخاصرة للمشروع الوطني، وتسبب في إضعاف الموقف السياسي الفلسطيني الساعي لتحصيل الحقوق المغتصبة.

وفيما يتعلق بالصراع مع اسرائيل، التي تنحرف يمينيا اكثر من اي وقت مضى، فقد وجدت ضالتها في الانقسام، كونها أصبحت تتعامل مع سلطة بلا ثمن سياسي تدفعه في غزة، وما هو مطلوب ان تقدمه تسهيلات ليس اكثر لحركة البضائع، وذلك لا يكلفها سياسيا شيء، بل مصدراً للربح في تجارة تسعى اليها. اسرائيل التي خرجت من غزة في آب من العام 2005، وقال شارون عنها في خطته بشأن الانسحاب من قطاع غزة التي هي في الواقع اعادة انتشار والمعروفة بخطة فك الارتباط، انه ونتيجة لهذا الانسحاب فلن يكون أساس للإدعاء القائل إن قطاع غزة أرض محتلة، وتاريخياً فإن اسرائيل وعلى لسان قادتها كم تمنت ان يبتلع البحر هذا القطاع، حتى جاء الانقسام ليبتلعها نيابة عن البحر، بالتالي ما قامت به اسرائيل هو للتخلص من عبء الاحتلال، ليكون احتلالاً رخيص الثمن او دونه، واوضحت في خطة فك الارتباط ان اسرائيل ستحافظ على غلاف أرضي خارجي وتسيطر بشكل انفرادي على أجواء قطاع غزة وتواصل نشاطاتها العسكرية في المنطقة البحرية المقابلة لقطاع غزة. ما يؤكد اعادة الانتشار ليس الا في حين ستنصب جهودها على الاستيطان في الضفة واعادة تموضع استيطانها فيها. وبذلك تحقق لاسرائيل أن أصابت عصفورين بحجر واحد، عصفور الخلاص من غزة، وعصفور اضعاف شرعية التمثيل الفلسطيني الساعي لاقامة الدولة المستقلة في الضفة وغزة والقدس. فغزة ليست تحت حكم السلطة الوطنية، والقدس تحت الاحتلال وبيده، والضفة امنياً تخضع للاحتلال وأراضيها مستباحة لجيشه ومستوطنيه، الذي اكلوا لحمها ولم يبق من عظمها الا القليل.

وعلى الصعيد العربي يعلم الرئيس ابو مازن علم اليقين أن الموضوع الفلسطيني لم يعد الشغل الشاغل للشارع العربي كما كان، ولا لأنظمته، ولم يعد الموضوع الفلسطيني الفزاعة التي يمكن ان تُرفع في وجه الحكام، ويمكن ان تسبب ثورة في شارعه تعاطفاً معنا، اذا ما تم التقصير بنصرتنا. فقد تبدلت الخرائط وما زالت قيد التبديل، واصبحت اسرائيل في بعض العواصم ضيفا مُستحبا ان يزور، بصفته صديقاً لداعمي التغيير.

ودوليا تعلم اسرائيل ان ما يتم من "تهويش" في بعض العواصم الاوروبية وحتى الادارة الاميركية في بعض الاحيان، ليس الا في اطار العلاقات العامة بحدودها الدنيا مع قيم واخلاق تنادي بها بعض الحركات الديمقراطية في مجتمعاتها المناصرة لقضيتنا العادلة. ورغم اهمية دعم البرلمانات الاوروبية وتصويتها لصالح الاعتراف بدولتنا المستقبلية الا ان ذلك التصويت لم يكن اكثر من توصيات غير ملزمة للحكومات التي تحتضن اسرائيل وقت الازمة.

وامام تلك الصورة التي تعتبر سوداوية بالنسبة لنا، وقلة الحيلة، فانه لا مناص امام الرئيس الا ان يكمل جهوده، باستمرار التقدم ودون توقف ليبقى الموضوع الفلسطيني حاضرا على الخارطة السياسية الدولية، ويسعى لأن يكون له الحظوة بالاهتمام رغم كل الصراعات الدولية والتغييرات في الخارطة الاقليمية، وعدم الامتثال لرسائل الاحباط والتخويف، والتخوين احيانا، فالتحرر والخلاص من الاحتلال حق لا يجوز ان يلتقي والاحباط والتسليم والقبول بان الاحتلال قدر شعبنا.

اذا هي مراهنة على الحق، ليس اكثر، في مقابل قوة احتلال لا تستند الى حق، ولكن الحق يحتاج للدعم ليخاف سالبه ويعيده لاصحابه، وفي حالتنا، فان الدعم الاساسي المعول عليه هو الشعبي والوطني الداخلي، الذي حافظ على بقاء قضيتنا حاضرة، رغم عنجهية المحتل وقوته، وهو السند والرافعة لاي تحرك دولي.