67 عاماً علي نكبة فلسطين ..ونكبات لا تنتهي
تاريخ النشر : 2015-05-16 12:07

على الرغم من مرور 67عاماً على النكبة هذا لم يمنع كلمات نطقت بها تلك العجوز التي بلغت من العمر ثمانون عاماً ولازالت ذاكرتها حية لا تنضب استمعت لها خلال لقاء على واحدة من الاذاعات المحلية حين تحدثت بكلمات مقتضبة حملت هماً وحسرةً وأملاً بالعودة الى قريتها بعد مغادرة قسرا رافضة التوطين و بقاء حالة اللجوء و التشرد عن الارض في مخيمات لا تتوفر فيها مقومات الحياة وتحاصرها السلطات كما هو الواقع في مخيمات لبنان و سوريا والاردن وتمنع تطورها وتنهكها الحروب الطائفية والاقتتال الداخلي , واحن الى شجرة الزيتون و الجميز وعين الميه حيث كنت الهو و امرح مع اخواتي و اقربائي واردفت قائلة :
لا للتوطين ولا للجوء ويكفينا لجوء ..ويكفينا انقسام ..انا أبكى لما أسمع ما يحدث في مخيم اليرموك وتعود في الذاكرة لما تشردنا وهربنا من جحيم القتل و القصف و الدمار وتساءلت لما لا نتوحد ونسير معاً و يد واحدة على اليهود .. انا بدى ارجع على قريتي , واحضن شجرة الزيتون هذا لو بقيت حية وما قطعوها والهو تحت الجميرة مثل ما كنت.. الحديث عن البلاد طويل لا ينتهى .. دموع انهمرت من تلك العجوز خلال حديثها و استطردت تقول لا يمكن لنا ان ننسي البيدر وكروم التين و العنب وانا على الدوام احدث أحفادي عن البلاد وازرع فيهم حبها , .. كلمات حملت الم لا محدود وقلب يتفطر حزناً ودموع تجمعت في عيون ادماها الرحيل قسراً لكنها تبقي على امل العودة ان لم ترجع يوماً ما الى قريتها سيرجع احفادها..
وهذا ما نجده راسخاً في كل مكونات شعبنا الفلسطيني و باتت العودة الى الديار حلم يراود كل فلسطيني في الداخل و الشتات وهذا ما يقض مضجع دول الاحتلال و يرهبها بعدما ظن قادتها ان الشعب الفلسطيني مع مرور الزمن سينسي حقوقها الوطنية الثابتة في ارض اجداده , وهذا ما لم يحدث وبات التمسك بمطلب العودة و تقرير المصير و الانعتاق من الاحتلال مطالب مشروعة لا يمكن التخلي او الانزياح عنها بالمطلق وشعبنا الفلسطيني اكثر وعياً وتمسكاً بحقوقه وتحقيق حلمه الوطني بإقامة الدولة والعودة الي يافا و حيفا و صفد وبيسان و المجدل و القدس وحمامة و هوج.. واصبح مفتاح العودة يورث من جيل الى جيل..
لا زالت المأساة الانسانية التي سببتها نكبة فلسطين حاضرة بفعل ما نتج عنها من تشريد اكثر من 700000من الفلسطينيين الى خارج مدنهم وبلداتهم وقراهم بعد تعرض اهلها لمجازر وحشية وجرائم حرب ارتكبتها المجموعات اليهودية المتطرفة بحق الابرياء كان يُقصد منها الترهيب و التخويف والترحيل قسراُ تنفيذاً لسياسة احلال المهاجرين اليهود القادمين من الغرب والسيطرة على التجمعات السكانية الفلسطينية وكل هذا كان يحدث على مرأى ومسمع جيش الانتداب الإنجليزي وغض البصر منه الى ان استكملت المجموعات اليهودية مخططاتها التهجيرية الاجرامية ويتم اعلان اليهود دولتهم على 78% من أراضي فلسطين التاريخية مع انسحاب اخر جنود انجلترا ليل 15/5/1948م ومثل هذا التاريخ المشؤوم بداية حقبة سوداء من تاريخ الشعب الفلسطيني لازالت مستمرة ولها تداعياته حتى بعد مرور 67عاماً عليها نتج عنها مشاكل و ازمات ونكبات متواصلة بفعل التشرد واللجوء والتشتت خارج حدود الوطن الذي كان يجمع الجميع و يمثل حضناً دافئاً بات مفقوداً في زحمة الاضطرابات والفتن و الاقتتال و صراع الارادات و التجاذبات و المناكفات و المزايدات التي يدفع ثمنها من تشرد خارج الوطن و عايش لحظات اللجوء المُر خارج الوطن ويحذوه الامل مع ما يعتصره من الم بالعودة الى مسقط رأس الاجداد و الاباء و العيش على تراب وطن غالي ورث حبه و عشقه فطرياً , واصبح شهر مايو من كل عام يعيد الى الذاكرة مشاهد القتل والتدمير والتشرد و الرحيل و الهروب الكبير المفاجئ من خطر داهم كانت حتمية مواجهته القتل السهل دون تحقيق انتصار ملموس خاصة مع انعدام الدعم العربي و الاسلامي والتواطؤ الدولي وندرة العتاد و التسليح و التنظيم امام مجموعات القتل اليهودية المتوفر لها كل الامكانات العسكرية اضافة للغطاء السياسي الداعم بلا حدود , ورغم ما تعرض له الشعب الفلسطيني وبعد مرور عقود على النكبة الا ان احداثها وما ترتب عليها من مأساة ومعاناة للكل الفلسطيني الا انها تمثل انبعاث لحالة نضالية وطنية متجددة تنتقل من جيل الى جيل حاولت الكثير من القوى الاقليمية و الدولية وأدها والتنصل من استحقاقات القرارات الدولية الصادرة عن الامم المتحدة واهمها القرار 194 الذي صدر في كانون اول من العام 1948م والداعي الى حق عودة اللاجئين الى ديارهم وهو ما لم ينفذ والقرارين 242 و338 الداعمين لإقامه دولة فلسطينية على حدود حزيران من العام 1967م اللذان لقيا ذات المصير..! والسبب عدم توفر الارادة السياسة الدولية المؤثرة لإنفاذ ما صدر عن الامم المتحدة وتعنت دولة الاحتلال امام مواقف عربية هزيلة مترهلة رخوة ولا مواقف اسلامية جدية يبنى عليها لتصبح ذات تأثير وكأنها غائب فيلة لا تعنيه القضية الفلسطينية و لا ما يتعرض له المسجد الاقصى المبارك "اولى القبلتين وثالث الحرمين الشرفين" من تهويد وتدنيس وتغير الوجه الحضاري و التاريخي العربي للمدينة المقدسة , وهنا يبقي الرهان في ظل المعادلات القائمة على الانسان الفلسطيني و الفلسطيني وحده ليصمد ويواجه مخططات الاحتلال و غطرسته متسلحاً بالقيم و المبادئ الثورية و الوطنية والارادة بحتمية النصر وتحقيق حق عودة اللاجئين وترجمته من حلم بعيد المنال الى واقع قائم ملموس و محسوس وهذا لن يكن الا بتحقيق الوحدة الوطنية الراسخة و الثابتة المؤمنة بوحدة الهدف و المصير و النافضة يدها من كل الاختلافات و الخلافات الحزبية و الفصائلية و الضيقة و الانتقال نحو بناء جسم فلسطيني قوى متين يحمل ما تبقي من قضية انهكتها الخلافات السياسة ومزقتها التجاذبات وكادت تطمسها الاستقطابات وتطيح بها تداعيات الانقسام الاسود الذي اثر مباشرة على مناحي الحياة في الاراضي الفلسطينية واصاب النظام السياسي بالشلل , واغرق قطاع غزة المنهك بفعل حروب تدميرية في اتون تجاذبات واختلافات لم تتح لحكومة التوافق الوطني من بسط نفوذها و سيطرتها الفعلية مع وجود سيطرة فعلية لحركة حماس تمنع أي تقدم في ملف اعادة الاعمار ورفع الحصار ومعالجة قضايا الموظفين , واسر وابناء الشهداء و الجرحى , والبطالة و الفقر , وقطاعات الكهرباء و المياه ,وغيرها من الازمات و المشاكل المكبلة بها غزة وتحتاج لحلول عملية وفق اليات وخطط و برامج تضع حلولا توافقية يتم تنفذها , والتفرغ للهم الوطني الاكبر الى مواجهة اجراءات الاحتلال في الضفة الغربية التي يستبيحها بالاستيطان , ويحاصرها بالجدار الإسمنتي , و مصادرة الأراضي واقتحام مدنها وبلداتها وتقطيع اوصالها بالحواجز و القدس المحاصرة المخنوقة بفعل سياسة الفصل العنصري المتبعة لسلخها عن الضفة الغربية و احاطتها بحزام استيطاني يسهل الهيمنة عليها بهدف تحيدها عن اى مفاوضات سلام مستقبلية خاصة مع تفريغ اهلها و بناء مستوطنات يهودية يُقصد منها تغير الملامح الديمغرافية لها مع مرور الوقت وفرض حلول تستثنى المدينة المقدسة , ووضع العراقيل امام اى مفاوضات سلام حتى وان كانت برعاية دولية من خلال مؤتمر سلام سيكون عاجزاً عن تحقيق فرضية القدس عاصمة الدولة الفلسطينية كما يريدوها شعبنا الفلسطيني , وكل اجراءات الاحتلال التعسفية و القمعية لم تُجدى نفعاً امام حق الشعب الفلسطيني الثابت بأرضه ولن يتزحزح عنها رغم السنوات الطويلة الممتدة من العذابات و المعاناة والمآسي التي سببتها النكبة واحتلال فلسطين من قِبل اليهود الصهاينة.
ذكرى النكبة التي تجمعنا اجوائها وفعالياتها يجب ان نجمع معها كلمتنا وتتوحد معها راياتنا , ونتغافل معها عن خلافاتنا لأن كل الشعب الفلسطيني يعانى من تداعياتها ومسبباتها و اسبابها ومن كان مسؤولا عنها , وان تمثل النكبة بكل مكوناتها حافزاً ودافعاً لمن يتغنون بالوطن وصمود المواطن لإرساء وحدة وطنية حقيقية وفق ما تميليه الضمائر الحية بعدما غاب اكثرها في حضرة الحسابات والرهانات التي اثبتت نظرتها الضيقة طالما يغيب عنها الهدف وتنحرف البوصلة عن هدفها الاسمي تحرير الارض واعادة كرامة الانسان وكنس الاحتلال وتطهير المقدسات..