إسرائيل وفلسطين والغاز بينهما
تاريخ النشر : 2015-05-14 14:02

حاولت إسرائيل منذ نشأتها، كونها تقع في منطقة غنية بالنفط، التفتيش عن مصادر للطاقة على أراضيها، إلا ان التنقيب الدؤوب الذي بدأت به في البر منذ العام 1948 (حفرت أكثر من خمسمئة بئر) بقي من دون جدوى. ثم منذ العام 1969 بدأت التنقيب في البحر من خلال حملتين الأولى في العام 1976 مقابل سيناء، والثانية في العام 1986 مقابل حيفا. إلا انهما لم تؤديا إلى أي نتيجة، لدرجة ان رئيسة الوزراء غولدا مائير اشتهرت بمقولة كانت ترددها أمام زوّارها من الغرب، كي تلفت نظرهم لافتقار بلدها للطاقة، فكانت تقول: «جعلنا النبي موسى نمشي أربعين عاماً في الصحراء ليوصلنا في النهاية إلى المكان الوحيد في المنطقة الذي لا يوجد فيه نفط... أرض الميعاد! أي وعد في هذه الأرض؟!».
بدأت حاجة إسرائيل الماسة للطاقة منذ نشأتها، لا سيما ان أهم الدول المنتجة للنفط في محيطها كانت معادية لها. لذا راحت تبحث عنها في أماكن أخرى خارج المنطقة.
فعقدت في العام 1951 مع إيران التي كانت حليفة للولايات المتحدة في تلك الاثناء، اتفاقا لشراء النفط تستورد بموجبه 60 في المئة من حاجتها. أما الباقي فكانت تستورده من فنزويلا والنروج.
وفي العام 1967 أدت الحرب مع الدول العربية إلى اقفال قناة السويس، ما جعل من غير الممكن إيصال الصادرات الإيرانية إليها. فقامت إسرائيل ببناء خط أنابيب لجر النفط الإيراني ينطلق من إيلات في خليج العقبة إلى عسقلان على البحر المتوسط حيث كانت مصفاة التكرير الرئيسية في البلاد.
لكن في المقابل سجلت حرب 1967 بين إسرائيل والعرب تحولا كبيراً في حصول إسرائيل على الطاقة. إذ إن احتلالها لسيناء، جعلها تتمكن من أن تنتج النفط لأول مرة. فاستولت على حقلي أبو رديس وراس سودر الواقعين في الجنوب الشرقي من سيناء، وراحت تستخرجهما لمصلحتها منذ العام 1974. ثم راحت تنقب عن النفط في أماكن أخرى من سيناء، فحفرت في عمق الصحراء بئر «ألما» وراحت تستخرج النفط منه بنسبة تغطي 20 في المئة من حاجتها منذ العام 1977 حتى العام 1980. كما انها وبعد اتفاقية «أوسلو» لم تُعِد إسرائيل صحراءَ سيناء إلى مصر إلا تدريجيا، مستفيدة إلى أقصى الحدود من المنطقة النفطية. كما تضمنت اتفاقية السلام بنوداً تمكّن إسرائيل من استيراد الطاقة من مصر بأسعار تفضيلية.
في نهاية العام 1980، وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي واستقلال دول آسيا الوسطى، راحت إسرائيل تتقرب من هذه الدول لا سيما من كازاخستان وأذربيجان. كما أدى إنشاء خطوط أنابيب للنفط والغاز عبر الاناضول والبحر الأسود بين عامي 1990 و2000، إلى تمكين إسرائيل من الاستفادة من مصادر إمداد جديدة وقريبة للطاقة. فخط الأنابيب باكو ـ تبليسي ـ جيهان حرّر احتياطي بحر قزوين نسبياً من روسيا، وجعل الطاقة في متناول إسرائيل على مسافة لا تبعد سوى 500 كلم عن شواطئها.
العلاقات الجيدة مع تركيا على مدى الأعوام ما بين 1990 و2000، أدت إلى وضع تصوّر لمشروع Medstream المتعدد الاستعمالات. فبعد إيصال الطاقة إلى مرفأ جيهان في تركيا من دول القوقاز عبر خط باكو تبليسي جيهان، ومن روسيا عبر خط Blue Stream، ينطلق خطان للغاز والنفط في إطار مشروع Medstream عبر المتوسط نحو مرفأ عسقلان الإسرائيلي. والهدف منهما ليس فقط تزويد إسرائيل بالطاقة، وإنما إيصال الطاقة أيضاً إلى دول شرق آسيا، وذلك من خلال خط يكمل من مرفأ عسقلان على المتوسط إلى مرفأ إيلات في إسرائيل على البحر الأحمر متجنبا قناة السويس. بدأت المحادثات بشأن هذا المشروع في حزيران العام 2008 بين تركيا وإسرائيل والهند وروسيا، إلا انها لم تستمر بسبب تدهور العلاقات الإسرائيلية التركية.
تم أول اكتشاف للغاز في الحوض الشرقي للمتوسط في سواحل غزة. ففي تشرين الثاني العام 1999 وقعت السلطة الفلسطينية مع الشركة البريطانية للغاز BC وشركة CCC عقداً أعطى الشركتين حق التنقيب عن الغاز لمدة 25 سنة في كامل المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة لغزة، مقابل حصول الشركة البريطانية BG على 60 في المئة وشركة CCC على 30 في المئة وصندوق النقد الفلسطيني على 10 في المئة. كما تضمن هذا الاتفاق بالإضافة إلى استخراج الغاز، بناء خط أنابيب في البحر، من شأنه ان ينقل الغاز المكتشف نحو اليونان.
وبعد أن حفرت الشركة BG في العام 2000 بئرين، “1- Gaza Marine” و“2- Gaza Marine” راحت إسرائيل تحاول إفشال الاتفاق من خلال الضغط على الشركة البريطانية وتهديد السلطة الفلسطينية. ثم جاء انتخاب ارييل شارون رئيساً للحكومة الإسرائيلية العام 2001 لتحقيق ذلك. فبعد أن اعترضت المحكمة العليا الإسرائيلية على سيادة السلطة الفلسطينية على احتياطي الغاز في المياه المقابلة لسواحلها، أعلن شارون انه لن يشتري الغاز ابداً منها، لأنه لا يعود لها بل لإسرائيل. ثم اعترض في العام 2003 على قرار يسمح لشركة British Gaz بإمداد إسرائيل بالغاز من آبار غزة البحرية.
وفي العام 2006 ولما كانت الشركة البريطانية على وشك أن توقع اتفاقا مع مصر من أجل جرّ الغاز إليها، أدى فوز حركة «حماس» في الانتخابات إلى سقوط السلطة الفلسطينية في قطاع غزة، واقتصار حكمها فقط على الضفة الغربية، فتدخل رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير لمصلحة إسرائيل، ما أدى إلى تراجع الشركة البريطانية عن هذا الاتفاق.
في أيار العام 2007 اقرت الحكومة الإسرائيلية اقتراح رئيس الوزراء ايهود أولمرت بشراء الغاز من السلطة الفلسطينية، ونقله عبر خط أنابيب بحري إلى مرفأ عسقلان الإسرائيلي، شرط دفع حصة الفلسطينيين التي تبلغ مليار دولار عينياً لا نقداً، بحجة منع وصول الأموال إلى المجموعات المتطرفة. ثم شكّل مجلس الوزراء في المقابل فريقا من المفاوضين الإسرائيليين للاتفاق مع الشركة البريطانية على إبطال العقد الذي وقعته العام 1999 مع السلطة الفلسطينية، واقتراح اتفاق جديد، مستبعداً كلاً من حكومة «حماس» والسلطة الفلسطينية. ويتضمن هذا الاتفاق جرّ الغاز الفلسطيني من آبار غزة البحرية إلى إسرائيل عبر خط انابيب في البحر، محوّلاً بالتالي حق بيع الغاز من الفلسطينيين إلى إسرائيل.
فشلت إسرائيل بتحقيق هذا الاتفاق، وعلّقت المفاوضات. ثم انسحبت الشركة البريطانية في كانون الأول العام 2007، وأغلقت مكاتبها في إسرائيل في كانون الثاني عام 2008.
وفي حزيران 2008 اتصلت إسرائيل مجدداً بالشركة البريطانية من أجل معاودة المفاوضات، في حين كان وزير الدفاع الإسرائيلي قد اوعز إلى القوات المسلحة بالتحضير للقيام بعملية عسكرية ضد غزة. ما يدل على ان إسرائيل كانت مستعجلة للتوصل إلى اتفاق سياسي جغرافي مع الشركة البريطانية، يؤسس لما بعد الضربة الإسرائيلية، وبالفعل فلقد استؤنفت المفاوضات قبل ثلاثة أشهر من الضربة العسكرية.
كان الهدف من الضربة العسكرية على غزة في كانون الأول العام 2008، إبعاد حماس عن غزة، لأنها كانت عقبة بوجه هذه المفاوضات. لكن إسرائيل وعلى الرغم من انها فشلت في ذلك، إلا انها فرضت منذ ذلك الوقت حصاراً على غزة، أدى إلى تجميد العمل بالاتفاق المعقود بين السلطة الفلسطينية والشركة البريطانية لاستخراج الغاز من حقلي Gaza Marine.
وفي محاولة للتمكّن من استخراج الغاز، أعلنت السلطة الفلسطينية منفردة في أيلول عام 2012 انها استأنفت المفاوضات مع إسرائيل وذلك من دون الرجوع إلى «حماس». إلا ان هذه المفاوضات لم توصل إلى أي نتيجة، برغم قبول فلسطين بعد شهرين في الأمم المتحدة كـ «دولة مراقبة غير عضو»، مما يفترض تدعيم موقعها، وبقيت بالتالي آبار الغاز في غزة مجمّدة لا يمكن للفلسطينيين الاستفادة منها.
ثم قررت السلطة الفلسطينية ان تسلك طريقاً آخر. ففي 23 كانون الثاني العام 2014، تحدث رئيسها محمود عباس إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اثناء لقائه في موسكو، عن إمكانية ان يعهد استخراج الغاز من مياه غزة إلى الشركة الروسية غازبروم، بالإضافة إلى حقل النفط في رام الله في الضفة الغربية، ثم دعم تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية في 2 حزيران العام 2014 إمكانية تحقيق الاتفاق بين الفلسطينيين والروس. إلا انه في 12 حزيران، أي بعد عشرة أيام، أدى اختطاف الشبان الإسرائيليين الثلاثة الذين وجدوا مقتولين في 30 حزيران إلى شن إسرائيل عملية «الجرف الصامد» ضد غزة.

عن السفير