النكبة مستمرة
تاريخ النشر : 2015-05-13 13:12

سبعة وستون عاما والنكبة الفلسطينية مستمرة ، ويعيش الفلسطينيون الآن فصلاُ مأساوياً من فصول النكبة ، حيث طال التشرد الأسرة الواحدة التي توزعت على العديد من بقاع العالم نتيجة ما سُميّ بالربيع العربي ، هذا الربيع الذي انعكس سلباً على الوضع الفلسطيني ، فكان استهداف المخيمات الفلسطينية أمراً لا بدّ منه في إطار الصراع القائم للتخلص من القضية الفلسطينية التي باتت تُشكل عبئاً كبيراً على الكل العربي ، وذلك بتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين من خلال تدمير المخيمات الفلسطينية ودفع اللاجئين الفلسطينيين لترك مخيماتهم التي هي عنوان قضيتهم ونكبتهم والتوجه عبر قوارب الموت إلى الدول البعيدة في شمالي أوربا .

إنّ النكبة التي دفعت مئات الآلاف من الفلسطينيين لترك ديارهم وممتلكاتهم في فلسطين عام 1948 واللجوء إلى الدول العربيّة المجاورة والتجمع في مخيمات اللاجئين ، والذين كان ديدنهم اليومي العودة غدا إلى فلسطين ، لكن هيهات هيهات اليوم أن تتحقق لهم العودة وهم يضطرون لتنفيذ ما جاء في وثيقة جنيف لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين ، حيث نصت وثيقة جنيف على حق اللاجئين الفلسطينيين باختيار أماكن الإقامة الدائمة لهم وفق الخيارات التالية :

أ‌- دولة فلسطين (بحدود الرابع من حزيران ) .

ب‌- المناطق في اسرائيل التي يتم نقلها إلى فلسطين من خلال تبادل الأراضي بعد خضوعها للسيادة الفلسطينية .

ج – دول ثالثة . ( هذا الخيار خاضعاً للقرار السيادي للدول الثالثة بموجب الأعداد التي تقدمها كل دولة ثالثة

للمفوضية الدولية ).

د – دولة اسرائيل . (وهذا الخيار خاضع للقرار السيادي لدولة اسرائيل وبموجب الأعداد التي ستقدمها إسرائيل إلى

المفوضية الدولية) .

هـ - الدول المضيفة الحالية . ( هذا الخيار خاضعاً للقرار السيادي للدول المضيفة (الدول العربية ) ) .

وعلى أساس ذلك سيعطى اللاجىء الفلسطيني حرية الاختيار ، وبذلك يتم إنهاء وضعية اللاجئين الفلسطينيين فورتحقيق مكان الإقامة الدائم للاجىء حسبما تحدده المفوضية .

ونتيجة للوضع المأساوي الذي يعيشه اللاجئون الفلسطينيون اليوم وتدمير أماكن سكانهم وعدم شعورهم بالأمن والأمان حيث يقيمون وافتقارهم إلى امتلاك مقومات الحياة اليومية اضطرهم لأن يكون خيارهم هو الخيار الثالث وذلك باختيارهم دول ثالثة خارج محيطهم العربي ، ولم يكن هذا الخيار بإرادتهم ، بل تم جرهم إليه بالتعاون ما بين الدول العربية والإقليمية والدولية وذلك للتخلص من قضية اللاجئين التي هي أحد أهم استعصاءات أية تسوية محتملة للقضية الفلسطينية .

وبعد سبعة وستين عاماً من النكبة ما زلنا كفلسطينيين ضائعين في تحديد أهدافنا في إطار استراتيجية واضحة تبين خارطة طريق فلسطينية تبعث الأمل في نفوس الفلسطينيين ، وأصبحنا مطالبين اليوم وبشكل جديّ بتوضيح مصطلح فلسطين كأرض ووطن ، وخاصة في ظل التناقض الفلسطيني الداخلي ما بين السياسة الرسمية للقيادة الفلسطينية وبين آمال الشعب الفلسطيني ، حيث يرى اللاجىء الفلسطيني أنّ فلسطين هي من البحر إلى النهر ومن الناقورة إلى رفح ، على حين ترى القيادة الفلسطينية وبشكل واضح أن فلسطين لم تعد هي فلسطين التاريخية بل هي أرض الضفة والقطاع وذلك من خلال تأكيدها اليومي على حل الدولتين .

إنّ حل الدولتين يعني القبول الفلسطيني الرسمي بنتائج النكبة التي أعادت تموضع الفلسطينيين وفق متطلبات الأمن الصهيوني ، كما أنّ حل الدولتين يعني التنازل الفلسطيني الرسمي عن حق العودة إلى الديار والممتلكات التي طُرد منها الفلسطينيون عام 1948 ، كما أنّ مصطلح الوطن في السياسة الفلسطينية لم يعد واضحاً بالنسبة للمواطن الفلسطيني في إطار حل الدولتين ، فهل الوطن هو كل فلسطين التاريخية أم هو الضفة والقطاع .

بعد سبعة وستين عاماً نجد أنفسنا أمام متاهة سياسية أوجدناها بأنفسنا لأننا لم نجرؤ في يوم من الأيام على الوقوق وقفة جادة لتقييم تجاربنا السابقة عبر العقود السبعة الماضية ، لأننا كنا وما زلنا نخشى من اتهام أنفسنا بالفشل وبارتكاب الخطايا بحق قضيتنا ، آثرين أن نبقى أبطالاً وهميين في تحقيق إنجازات وهمية ، وحتى نبقى أبطالاً وهميين أوجدنا حاجزاً حقيقياً بين القيادة والشعب ، فأصبحت القيادة في واد والشعب في واد آخر ، كل منهما نقيض الآخر ، وكل منهما بات يخشى الآخر ، حتى طغت لعبة المصالح الخاصة بين الجميع ، واستوطن الفساد في كل مكان وأصبحت له سياط تضرب أعناق العباد بدون حساب حقيقي ، واكتوى الشعب بنار الانقسام ، وتحول الصراع من صراع مع العدو والاحتلال إلى صراع بين الفلسطينيين أنفسهم ، وبتنا نسمع مصطلحات غريبة عجيبة في الخطاب الإعلامي الفلسطيني .

بعد سبعة وستين عاماً ما زالت النكبة مستمرة ، ولم نعد ضحاياها فقط ، بقدر ما أصبحنا صانعين لاستمرارها بتخلينا عن حقوقنا وعن بعضنا البعض ، وأصبحنا الإخوة الأعداء كما يريد لنا العدو الصهيوني أن نكون ، ولم ندرك بعد أن أمرنا يجب أن يكون ملك يدنا ، ويجب أن يعود قرارنا الفلسطيني المستقل إلى البيت الفلسطيني بما يخدم الحقوق الفلسطينية التي هي حقوق تاريخية و لا يمكن التنازل عنها بأي شكل من الأشكال ، وهذا يتطلب إعادة النظر في كل السياسيات الفلسطينية التي تُمارس اليوم من كل القوى الفلسطينية بدون استثناء ، وإلا ننجر إلى تموضعات إقليمية لا تخدم قضيتنا الفلسطينية .