فشل المفاوضات وتغيير قواعد اللعبة(الحلقة الثانية)
تاريخ النشر : 2013-12-05 11:07

خصّ الكاتب السياسي حماده فراعنه، صفحات وقراء "الدستور" الاردنية، بآخر إصداراته الكتاب المرجعي الهام « فشل المفاوضات وتغيير قواعد اللعبة « في سلسلة كتبه «معاً من أجل فلسطين والقدس»، والفراعنه المعروف عنه كباحث ملتزم عميق الاختصاص بالقضايا الفلسطينية والإسرائيلية، وجاد، يحمل رؤية سياسية ذات حضور، دفع ثمنها سنوات طويلة من حياته في العمل الكفاحي المباشر، قضى منها أكثر من عشر سنوات في السجون والمعتقلات في أكثر من بلد عربي، يتميز بسعة اطّلاعه، وقربه، من أصحاب القرار، بدون تكلف وادعاء، وتم اختياره في العديد من المحطات السياسية، مكلفاً بمهام صعبة، نجح فيها بصمت، وانعكست خبراته هذه، على امتلاكه للمصداقية السياسية والمهنية، حين تناول القضايا التي تشغل الرأي العام، وفي عرض مواقفه، والدفاع عنها بقوة مهما كلفه ذلك من ثمن، كالاعتقال والفصل من العمل وغيرها من الوسائل التعسفية.

« فشل المفاوضات وتغيير قواعد اللعبة «، الكتاب الثاني الذي تناول فيه الكاتب، المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، بعد كتابه الأول الصادر عن دار الجليل عام 2011، والذي حمل عنوان « المفاوضات وصلابة الموقف الفلسطيني «، وفي كتابيه يعتمد الكاتب على الوثائق ومحاضر الاجتماعات والاتصالات المباشرة، التي أطلعه عليها الرئيس الفلسطيني محمود عباس مباشرة، وكذلك صائب عريقات عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير رئيس دائرة المفاوضات لديها، ولهذا فقد أكسب الكتاب الثقة والأهمية، لأن مصدره، مطبخ صنع القرار الفلسطيني، حيث يقدم لهما الشكر، على هذه الثقة، إذ لولاهما لما كان هذا الكتاب .

كتاب حماده فراعنه الذي تنشره الدستور على حلقات يومي الأحد والخميس من كل أسبوع، يهديه إلى ياسر عرفات وجورج حبش وأحمد ياسين وتوفيق طوبى، شموع الوعي والنضال، التي أنارت للشعب العربي الفلسطيني، طريق الحياة، وفق وصف الفراعنه لهؤلاء القادة، من أجل الحفاظ على حقوق الشعب العربي الفلسطيني الثلاثة واستعادتها كاملة غير منقوصة :

1- المساواة لفلسطينيي مناطق الاحتلال الأولى عام 1948، أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة.

2- الاستقلال لفلسطينيي مناطق الاحتلال الثانية عام 1967، أبناء الضفة والقدس والقطاع.

3- العودة لفلسطينيي اللجوء والشتات، أبناء المخيمات وبلدان المنافي، وعودتهم إلى المدن والقرى التي طردوا منها عام 1948، إلى اللد ويافا وحيفا وعكا وصفد وبئر السبع، واستعادة ممتلكاتهم فيها وعلى أرضها .

وكاتبنا المميز حماده فراعنه، سبق له وأن عمل في « الدستور « كاتباً يومياً متفرغاً لتسع سنوات متتالية، تركها بعد نجاحه ليكون نائباً منتخباً في مجلس النواب الأردني الثالث عشر عام 1997، حاصل على وسام الاستقلال من الدرجة الأولى من جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال، ووسام القدس من الرئيس الراحل ياسر عرفات، وهو عضو في المجلس الوطني الفلسطيني، منذ عام 1984، وعضو مراقب لدى المجلس المركزي الفلسطيني، ولديه أربعة عشر كتاباً مطبوعاً في قضايا أردنية وفلسطينية وعربية، ويعمل مقدماً لبرامج سياسية في أكثر من محطة تلفزيونية وإذاعية، وآخر إصداراته كان عن ثورة الربيع العربي أدواتها وأهدافها 2011،حركة الإخوان المسلمين ودورهم السياسي 2013 ، وكتابه هذا عن فشل المفاوضات ، سيصدر في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر .

محرر الجريدة

اتفاق أوسلو

عشرون عاماً مرت على التوقيع على اتفاق أوسلو التدريجي المتعدد المراحل ، منذ ذلك الاحتفال المهيب ، في ساحة الورود ، في حديقة البيت الأبيض يوم 13/9/1993 ، عشرون عاماً مضت مرت خلالها مفاوضات المرحلة النهائية بمحطات هامة متعددة ، لم يتم التوصل فيها ومن خلالها الى تسوية نهائية بين طرفي الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ، تُلبي تطلعات الشعب العربي الفلسطيني لاستعادة جزء من حقوقه ، أقلها الانسحاب الاسرائيلي من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 ، وقيام دولة فلسطينية مستقلة ، فقد فشلت كافة الجهود الدولية ، والأميركية منها خاصة في انهاء الصراع ، والتوصل الى حل .

وطوال عشرين عاماً من التفاوض أطلقت أوساط المعارضة الفلسطينية ، وصفها ، على أنها « مفاوضات عبثية « كون خيار التفاوض بقي معروضاً على الطاولة ، ولم يتم سحبه من قبل منظمة التحرير الفلسطينية باعتباره خياراً متداولاً ، تسعى من خلاله لاستعادة حقوق شعبها ، طوال العشرين سنة الماضية ، ولأنه كخيار وكأداة وكوسيلة ، فشل في انهاء الاحتلال ونيل الاستقلال ، يجب سحبه وعدم الاعتماد عليه ، ولكن اذا كان التفاوض منذ عشرين عاماً لم يحقق الهدف المرجو منه ، فيمكننا السؤال أيضاً ولماذا الاستمرار الفلسطيني في خيار الثورة والكفاح المسلح والتضحيات والشهداء والأسرى ، طالما أن هذا الخيار لم ينجح بعد في تحرير فلسطين ؟؟ فقد انطلقت شرارة الثورة وأول الرصاص يوم 1/1/1965 ، وحتى يومنا هذا ما يقارب نصف قرن ، وقد فشلت الثورة والنضال في تحقيق أهدافها ، للآن ، فهل يتوقف الشعب الفلسطيني عن هذا الخيار الكفاحي ويلغيه ؟؟ أم يبقى خياره النضالي متواصلاً ، وان كان متعرجاً، يصعد ويهبط حسب الظروف السياسية ، المحلية والعربية والدولية، وسيبقى وسيلتنا المجربة في جعل الاحتلال مكلفاً، ولكنه لن يكون، ويجب أن لا يكون على حساب المفاوضات، مثلما يجب أن لا تكون المفاوضات بديلاً لخيار وسائل وأدوات الكفاح المختلفة بل مكملة له، حتى يستعيد الشعب العربي الفلسطيني كامل أهداف الثورة المتمثلة باستعادة كامل حقوقه الثلاثة: 1 - حق المساواة في مناطق الاحتلال الأولى عام 1948، و 2- حق الاستقلال في مناطق الاحتلال الثانية عام 1967، و3- حق العودة للاجئين لمناطق الاحتلال عام 48، والنازحين لمناطق الاحتلال عام 67 .

مساوئ أوسلو

الذين ينتقدون اوسلو معهم حق ، والذين يدافعون عن اوسلو معهم ولهم كل الوجاهة ، فبعد التوصل الى مسودة الاتفاق يوم 18/8 ، وبدء العمل على وضع الترتيبات لاعلان الاعتراف المتبادل بين اسرائيل ومنظمة التحرير في 9/9 ، والتوقيع على وثيقة اعلان المبادئ في واشنطن يوم 13/9/1993 ، اجتمعت القيادة الفلسطينية ، قبل ذلك ، في تونس للاطلاع على فحوى الاتفاق ومناقشته واقراره ، وفي العاشرة مساء التقى الجمع في مكتب الرئيس أبو عمار ، الذي افتتح الاجتماع بحضور الأمناء العامين للفصائل ، وأعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح ، وبدأوا خطاباتهم « بفصفصة « اوسلو وتحليل مساوئه ، وحده محمود عباس أبو مازن انبرى للتوضيح قائلاً : « لقد أنجزنا الاتفاق ، ونحن أمام منعطف : اما تكريس الاحتلال، أو أن يكون الاتفاق الخطوة الأولى الضرورية النوعية كمقدمة للاستقلال ، وهذا يعتمد على حسن ادارتنا للصراع ، وأن تكون خطواتنا منظمة وتدريجية ومحسوبة ، وتراكمية ، لبناء السلطة الوطنية على أنقاض الاحتلال وصولاً نحو الدولة « ، وقبل الفجر أنهى الخطباء المعارضون نقدهم و» شرشحتهم « لأوسلو ، لاعنين سنسفيل من أوجده ، ووحينما أنهوا، نبهوا أبو عمار أن الجمع أنهو حديثهم ، وهو ما زال غارقا في قراءة التقارير وتسجيل الملاحظات، فرد عليهم بقوله: « هذه هي مساوئ اوسلو ، بس ؟؟ ، اوسلو أسوأ من كده بكتير ، وسأل أحدهم عن المسافة ما بين تونس والقدس ، فأنبرى أكثر من واحد ليرد على أبو عمار بالجواب ، واختلفوا عن تقدير المسافة ما بين القدس وتونس ، فقال : مش مهم ، المهم من الأقرب الى القدس ؟ تونس أو القاهرة أو بغداد أو دمشق أو عمان ؟ ، وهل هذه العواصم أقرب الى القدس من غزة وأريحا ؟؟ وأختصر رده بحزم وقال : أنا ذاهب الى غزة وأريحا ، من منكم يرغب بمرافقتي فأهلاً وسهلاً ، ومن منكم يرغب في البقاء في تونس والقاهرة والجزائر وبغداد ودمشق ، له الحرية وحسن البقاء « ، وجمع أوراقه وعاد الى غزة واريحا ، وبدأت معركة بناء السلطة الوطنية على الأرض وعاد معه خلال الخمس سنوات حتى عام 1999 ، أكثر من الثلاثمائة وعشرين ألف فلسطيني ، عادوا الى الوطن .

اذن اطالة عمر المفاوضات ، وفشلها في تحقيق أهدافها ، للآن ، لا يعني ضرورة الغائها كوسيلة ، لأن فشلها مرهون بأداء وموقف الطرفين أولهما العدو الاسرائيلي الذي لم يتجاوب مع الاستحقاقات المطلوبة لتلبية حقوق الشعب الفلسطيني ، ومع تطلعات قيادته للتوصل الى تسوية واقعية ، قد لا تكون عادلة بما يكفي ، ولكنها واقعية تُرسي علاقات جديدة بين الشعبين على أساس الندية والمساواة والتعايش على الأرض الواحدة ، خريطة فلسطين ، بعد أن فشل كل منهما في الغاء الأخر وتصفيته ، ولأن الموقف الاسرائيلي لم يرتق لمستوى الأذعان لقرارات الأمم المتحدة ، وهي التي ساهمت في اعطاء الشرعية للمشروع الاستعماري الاسرائيلي ، وخاصة قراري التقسيم 181 ، والانسحاب وعدم الضم 242 .

أما العامل الثاني لفشل المفاوضات ، فيعود الى تمسك الجانب الفلسطيني بحقوق شعبه الأساسية ، ولو وافق الوفد الفلسطيني في احدى محطات التفاوض على التنازل عن حقوق اللاجئين في العودة ، أو عن القدس ، أو أي من القضايا الجوهرية ، لنجحت المفاوضات في أولى محطاتها، بعد أوسلو ، في كامب ديفيد في تموز 2000 برعاية الرئيس الأميركي كلينتون ، بين الرئيس الراحل ياسر عرفات ويهود براك ، وكان يمكن أن تنجح في المحطة الثانية في أنابوليس في تشرين الثاني نوفمير 2007 ، برعاية الرئيس بوش بين الرئيس محمود عباس ويهود أولمرت ، وكان يمكن أن تنجح بمحطتها الثالثة ، برعاية الرئيس أوباما ومبعوثه جورج ميتشيل ، في ولايته الأولى ، أو في محطة عمان الأخيرة التي تمت بمبادرة أردنية في شهر كانون الثاني يناير 2012 ، وعنوانها المفاوضات الاستكشافية ، ويمكن أن تحقق النجاح في محطتها الخامسة اليوم تحت رعاية وزير الخارجية الأميركي جون كيري وسفيره مارتن أنديك والتي بدأت في 30 تموز 2013 ، اذا تجاوب الجانب الفلسطيني مع المطالب الاسرائيلية .

نجاح أوسلو

مفاوضات أوسلو نجحت ، لأنها عكست مصالح ورؤية الطرفين وتوصلهما الى الاعتراف المتبادل والى الاتفاق التدريجي المتعدد المراحل ، ونتائجها لم تكن نموذجية ، لتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني ، ولكنها من محطات النضال الوطني السياسي الدبلوماسي ، على طريق استعادة الشعب الفلسطيني لكامل حقوقه الوطنية ، فقد أنجزت مجموعة من الخطوات الهامة ، تتمثل بالاعتراف الاسرائيلي الأميركي بالعناوين الثلاثة : - الاعتراف بالشعب الفلسطيني .

- الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية .

- الاعتراف بالحقوق السياسية المشروعة للشعب الفلسطيني .

وعلى خلفية هذا الاعتراف تحققت مجموعة من الخطوات العملية على الأرض وهي : - الانسحاب الاسرائيلي التدريجي من المدن الفلسطينية – غزة وأريحا أولاً .

- عودة أكثر من ثلاثمئة ألف فلسطيني مع الرئيس الراحل ياسر عرفات .

- ولادة السلطة الوطنية كمقدمة لبناء وقيام الدولة الفلسطينية .

وفوق هذا وذاك ، كان أهم انجاز سياسي حققه الشعب الفلسطيني بفعل اتفاق أوسلو ، ونتيجته ، يتمثل بنقل الموضوع الفلسطيني ، برمته وعنوانه وقيادته ، من المنفى للوطن ، باستثناء قضية اللاجئين والنازحين وعودتهم للوطن ، حيث بات الصراع بائناً واضحاً تصادمياً على أرض فلسطين ، بأدوات فلسطينية في مواجهة عدو الشعب الفلسطيني ، الذي ليس له عدو آخر ، سوى عدو واحد ، وهو الذي يحتل أرضه ، ويُصادر حقوقه ، وينتهك كرامته .

سلسلة المفاوضات المتعثرة

فشل مفاوضات كامب ديفيد عام 2000 ، دفعت الرئيس الراحل ياسر عرفات للمزاوجة بين اسلوبي النضال ، الكفاح المسلح من طرف ، والمفاوضات من طرف آخر ، وقد دفع حياته ثمناً لهذا الخيار ، بينما سلك الرئيس أبو مازن ، خياراً واحداً يتمثل بالمفاوضات ، مع دعواته الدائمة للانحياز نحو الاحتجاجات الشعبية المدنية المتقطعة ، والمتعثرة ، مع رفضه الحازم لخيار العمل المسلح ، وقد جرت ثلاث جولات فاشلة من المفاوضات في ظل ادارة الرئيس محمود عباس في أنابوليس ، وفي عمان ، وفي عهد ولاية أوباما الأولى ، وجولة واحدة في ظل ادارة الرئيس الراحل ياسر عرفات في كامب ديفيد 2000 ، وها هي التجربة التفاوضية الخامسة والأخيرة التي لا يتوقع منها أحد في تحقيق ما عجزت عنه الجولات السابقة وفشلها في تحقيقه !! .

عوامل القوة الفلسطينية

الصراع في فلسطين ، بين طرفين ، وشعبين ، وخيارين ، وروايتين ، أحدهما الاسرائيلي متفوقاً عسكرياً وبشرياً واقتصادياً وسياسياً وتكنولوجياً واستخبارياً ، والطرف الفلسطيني الذي يملك عوامل قوة تمنحه القدرة على الصمود والاستمرارية وتحقيق الانتصار تتمثل بما يلي : أولاً : وجود شعب فلسطيني على أرض فلسطين ، في منطقتي الاحتلال الأولى عام 1948 ، أي في الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة ، يقترب عددهم من مليون وأربعمائة الف نسمة ، يمثلون خمس السكان الاسرائيليين ، وفي مناطق الاحتلال الثانية عام 1967 ، أي في الضفة والقدس والقطاع ، يتجاوز عددهم ، في الضفة 2.700 الف نسمة بما فيها القدس ، وفي القطاع 1.700 الف نسمة .

ثانياً : عدالة القضية الفلسطينية ومطالبها المتمثلة بقرارات الأمم المتحدة المنصفة ، بدءاً من قرار التقسيم 181 ، مروراً بقرار حق عودة اللاجئين 194 ، وقرار الانسحاب 242 ، وقرار حل الدولتين 1397 ، وخارطة الطريق 1515 ، وهي بمثابة السلاح السياسي بيد الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال ومشروعه الاستعماري التوسعي الاسرائيلي .

ثالثاً : عداء الشعب الفلسطيني ، بكل شرائحه وطبقاته للمشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي ، بسبب التناقض الحاد والصارخ بين مصالح الشعب الفلسطيني الوطنية والقومية والدينية والانسانية وبين مصالح ومشروع الاحتلال وممارساته واجراءاته ، في التهويد والأسرلة للقدس ، عاصمة فلسطين ، العربية الاسلامية المسيحية ، ولكل فلسطين ، وفي قلبها ومشاريع تمزيقها الى تجمعات جغرافية وبشرية متقطعة .

رابعاً : وجود التعددية بين الفلسطينيين وهو سلاح ايجابي يحد من تسلط الشخص أو الحزب أو الفئة أو اللون الواحد ، ويوفر مناخاً وأدوات لرفض أي مشروع يتعارض مع مصالح الشعب الفلسطيني وتطلعاته ، اضافة الى تنوعاته الجغرافية ، حيث تمنحه مدى للتعرف على ثقافات الشعوب وقواها الحية ، والعمل على كسبها وانحيازها لقضيته العادلة .

عوامل الضعف الفلسطيني

ومع ذلك ، ورغم وجود هذه العوامل الايجابية بيد الشعب الفلسطيني وقيادته ، وبين صفوفه ، فثمة عوامل سلبية تؤثر على نضاله وتحد من نشاطه الكفاحي ، وتعطل مساره وتؤخر نضاله في استعادة حقوقه الكاملة في المساواة والاستقلال والعودة ، وتتمثل العوامل السلبية ، اضافة الى وجود الاحتلال نفسه وتفوقه ، وجود الانقسام بين صفوف الشعب وجغرافيته الى حد القطيعة بين الضفة والقطاع ، وفي داخل المؤسسة الفلسطينية ، وداخل السلطة الوطنية ، وغياب البرنامج الوطني الموحد ، وغياب الأدوات الكفاحية المناسبة المتفق عليها ، وذلك على أثر الانقلاب الذي قامت به حماس في حزيران 2007 ، ولا زالت ، مع استمرار محاولاتها بـ « أخونة مؤسسات المجتمع والسلطة « وتفردها في ادارة قطاع غزة وتسلطها عليه .

الاحتلال والانقلاب ، اضافة الى المديونية التي باتت عبئاً ثقيلاً على أداء السلطة وحرية قرارها ، تشكل هذه العوامل الثلاثة الأعاقة المتراكمة التي تحول دون تحقيق الانتصار الفلسطيني ، وهزيمة المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي .

في 30 تموز 2013 ، بدأت جلسات التفاوض الفلسطيني الاسرائيلي في واشنطن ، تحت الرعاية الأميركية ، في ظل مواقف اسرائيلية متطرفة ، وفي ظل رفض فلسطيني واسع من قبل فصائل التيارين اليساري والقومي ، اضافة الى موقف حماس والجهاد الاسلامي ، ومع ذلك أصر الرئيس أبو مازن التجاوب مع الرغبة الأميركية ، والضغوط العربية ، لاستئناف المفاوضات ، رغم عدم التجاوب مع الشروط الفلسطينية المعلنة المتمثلة ببدء التفاوض من حيث انتهت في جولة أنابوليس عام 2007 ، والمطالبة بوقف الاستيطان سواء في القدس أو الضفة ، والمطالبة بالاقرار الاسرائيلي أن هدف التفاوض هو استعادة الأرض المحتلة في حزيران 1967 ، واطلاق سراح أسرى الحرية المعتقلين منذ ما قبل اتفاق أوسلو 1993 .

الاختيار المر

ومع ذلك اختارت القيادة الفلسطينية استئناف المفاوضات ، رغم عدم التجاوب مع شروطها المعلنة ، وقبولها باستمرار التفاوض للفترة الممتدة تسعة أشهر ، مع عدم ذهابها للمؤسسات الدولية ، كي تستكمل عمليات الاعتراف بفلسطين ، وجلب اسرائيل للمحكمة الجنائية الدولية ولغيرها .

فماذا حققت فلسطين من خيار استئناف التفاوض ؟؟ لقد كان الانجاز الأول للمفاوضات توظيف التفاوض كسلاح ضاغط لاطلاق سراح أسرى ، حيث تم اطلاق سراح 26 أسيراً من أصل 104 سيتم اطلاق سراحهم قبل نهاية التسعة أشهر ، وستتواصل التدفقات المالية لتلبية احتياجات السلطة الفلسطينية سواء للمصاريف الجارية أو لمشاريع التنمية وهي تدفقات هامة ستساعد الشعب الفلسطيني وسلطتها الوطنية على مواصلة الصمود والتنمية على الأرض ، اضافة الى امتلاك منظمة التحرير حجة قوية للذهاب الى المؤسسات الدولية ، بعد فترة التسعة أشهر ، على أثر فشل المفاوضات المتوقع ، وحجة منظمة التحرير القوية ستسمح بدعم أوروبي مهم لبرنامج منظمة التحرير وخطواتها ، اضافة الى عدم التصادم مع الأميركيين ، فالتصادم الفلسطيني مع واشنطن يصب لمصلحة العدو الاسرائيلي ومشاريعه العدوانية الاستعمارية التوسعية .

ومن ثم ماذا بعد ؟؟

أولاً : تحتاج منظمة التحرير وفصائلها وأحزابها وشخصياتها وفعالياتها المختلفة ، لسياسة داخلية هجومية شجاعة ، تنهي حالة الانقلاب والانقسام واستعادة الوحدة الوطنية ، لأنها ستوفر الامكانية والقدرة لمنظمة التحرير لتوحيد صفوفها وتوحيد سلطتها الوطنية على الأرض في الضفة والقطاع ، وبلورة برنامج وطني مشترك واختيار أدوات نضال مناسبة ومتفق عليها بين الكل الفلسطيني .

ثانياً : تكثيف العمل على اختراق المجتمع الاسرائيلي ، وكسب انحيازات اسرائيلية لعدالة القضية الفلسطينية .

ثالثاً : استكمال خطوات الاشتراك في المؤسسات الدولية ، بعد الاعتراف وقبول فلسطين دولة مراقب في الأمم المتحدة .

رابعاً : تنشيط العمل الجماهيري على امتداد الضفة والقدس ، والبحث عن عناوين ووسائل جماهيرية نشطة ، أسوة بما يجري في بلعين وغيرها من القرى الفلسطينية لتشكل نشاطاً مدنياً متواصلاً ضد الاحتلال ، أسوة بما جرى أيام الانتفاضة الجماهيرية عام 1987.

خامساً : العمل على استكمال حرية قطاع غزة ، بانهاء الحصار البري والبحري والجوي ، كي تكون غزة نموذجاً للادارة وللسلطة وللحياة الكريمة التي يستحقها أهل القطاع ومنهم وخلالهم كما يستحقها شعب فلسطين بعد الحياة المريرة التي عاشوها لعشرات السنين تحت الاحتلال ، وفي منافي التشرد واللجوء .