«السيسي» في الجزء الثاني من حواره يروي كواليس ليلة عزل مرسى وانفجاره بالشاطر
تاريخ النشر : 2013-10-08 12:52

أمد/ القاهرة: في هذا الجزء الثاني من الحوار المصري اليوم.. سألته عن الأيام العشر الأواخر من حكم الرئيس السابق محمد مرسي.. بالتحديد الفترة من 23 يونيو، يوم صدرت مهلة الأيام السبعة، إلى 3 يوليو، يوم تدخل الجيش وانتقلت السلطة. أجاب الفريق أول السيسي بصراحة وبالتفصيل، وكشف عن دقائق الأمور في ذلك الوقت الحاسم.

وحينما سألت عن سر المهلة الأولى وتأخر الجيش في إصدار بيان بعد انتهائها ثم إعلان مهلة ثانية مدتها ثمان وأربعون ساعة، وأسباب حرصه على لقاء الرئيس السابق طوال تلك الأيام وإطلاعه على المهلتين قبل الإعلان عنهما..

قال «السيسي»: «اللي بيعمل انقلاب ما بيتكلمش مع حد». وكان وزير الدفاع يقصد أنه لو كان يدير الانقلاب كما يزعمون، ما التقى وما تحدث وما أعطى مهلة بعد أخرى.

تحدث «السيسى» أيضاً عن خطابه للشعب ودعوته الجماهير إلى النزول يوم 26 يوليو من أجل تفويضه في مواجهة العنف والإرهاب المحتمل. روى كيف جاءته الفكرة، وهل شعر بالقلق من عدم نزول الناس، وبماذا أحس بعد الخروج الهائل في شوارع وميادين مصر.

متعة أن تجلس مع الفريق أول السيسي، وأن تستمع إليه يتحدث ويكشف ويشرح ويحلل . ومتعة أكبر أن ترنو إلى تعبيرات وجهه وهو يتكلم عن مصر وناسها.

■ قلت: في نهاية أبريل الماضي انطلقت دعوة «تمرد»، وانتشرت بين الجماهير بسرعة شديدة، ثم جاء الأسبوع الحاسم قبل النزول الجماهيرى في «30 يونيو» لسحب الثقة من مرسي، وفي يوم 23 يونيو أعطيت مهلة 7 أيام للتوافق وإنهاء الأزمة، لماذا طرحت المهلة، وكيف كنت تتوقع أحداث يوم 30 يونيو؟

- جميع مؤشرات التقارير الرسمية، خاصة من مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار الذي كان يرأسه أحد المنتمين للإخوان في ذلك الوقت، وكذلك التقارير غير الرسمية، أعطت دلالات على تفوق حركة «تمرد» على حركة «تجرد» بما يتراوح ما بين 3 أضعاف على المستوى الرسمي، و15 ضعفاً على المستوى غير الرسمي.. ووفقاً لذلك ولعدد الوثائق التي حصدتها «تمرد» فإن التوقعات لنسب المشاركة منها في تظاهرات «30 يونيو» أشارت لاحتمالات نزول ما بين 4 و 6 ملايين، والواقع كان مفاجأة كما شاهدناه بعد ذلك، والذي بلغ في أقل تقديراته (14) مليوناً وفي أعلى تقديراته (33) مليوناً.

وفقاً لما تقدم، فإن جميع التوقعات أشارت إلى كثافة التظاهر واتجاه المتظاهرين للاعتصام حتى تلبية النظام مطالب المتظاهرين. في الوقت نفسه، كان هناك تعنت من جانب النظام وعدم استبعاد لجوء مؤيديه للصدام مع المتظاهرين، ولعل خير شاهد ما شهدناه في تظاهرات يومي 21 و28 يونيو في «رابعة العدوية» من تهديدات.

وبالنسبة لحركة «تمرد» فبكل إخلاص وأمانة أقول إنني لم أتكلم معهم إلا عندما استدعيناهم والتقينا بهم يوم 3 يوليو.

ونحن في يوم 23 يونيو قلنا نعطي فرصة بمبادرة وضعناها تتضمن المطالب التي يُجمع عليها الناس، وكان سقفها الأعلى هو الاستفتاء على الرئيس، وكنا نتمنى أن يستجيب لها ويعرض نفسه على الاستفتاء، فلو وافق الشعب على بقائه كانت المعارضة قد سكتت.

■ ماذا كان رد فعل الرئيس بعد المهلة، هل كلم سيادتك؟

- قبل أن أُصدر بيان مهلة الأيام السبعة أطلعته على تفاصيله، وكنت ألتقي معه على طول، وهو لم يغضب من البيان وإنما كان متحفظاً على رد الفعل، ولكن عند مهلة الـ48 ساعة يوم أول يوليو أبدى استياءه وغضبه، وقلت له: «أمامنا 48 ساعة نحل المسألة، لأن الناس نزلت يوم 30 يونيو بأعداد ضخمة جداً»، وأنا كنت معه وقت إعلان هذه المهلة في أول يوليو.

■ متى كان آخر لقاء قبل تدخل الجيش؟

- يوم 2 يوليو، والحقيقة أنني حتى آخر توقيت كنت أعمل على تجاوز الأزمة.

■ هل التقيت به بعد يوم 3 يوليو؟

- لا.

■ قبل خطاب الرئيس السابق في مركز المؤتمرات بيوم واحد طلب خيرت الشاطر لقاءك، ماذا دار في هذا اللقاء؟

- أذكر أن الدكتور سعد الكتاتني اتصل بي وطلب أن يلتقي بي هو وخيرت الشاطر، وفعلاً التقيت بهما يوم الثلاثاء 25 يونيو واستمعت إليهما، وبلا مبالغة استمر خيرت الشاطر يتحدث لمدة 45 دقيقة، ويتوعد بأعمال إرهابية وأعمال عنف وقتل من جانب جماعات إسلامية لا يستطيع هو ولا جماعة الإخوان السيطرة عليها، موجودة في سيناء وفي الوادي، وبعضها لا يعرفه، جاءت من دول عربية، ثم أخذ الشاطر يشير بإصبعه وكأنه يطلق «زناد بندقية».

■ هل كان هذا الوعيد للجيش أم للشعب؟

- لا أعرف، لكنه قال إنه إذا ترك الرئيس منصبه، فستنطلق هذه الجماعات لتضرب وتقتل، وإن أحدًا لن يقدر على أن يسيطر عليها، وهذا معناه اقتتال شديد جداً.. هو كان يتحدث عن وقوع ضغط شديد عليهم، وأن هناك أناساً أفشلوا الرئيس، وأن مواقف القوات المسلحة زادت التوتر ضدهم، وأفقدتهم السيطرة على قواعد جماعات الإخوان وعلى كل التيارات الإسلامية الأخرى الموجودة، والتي تمتلك أسلحة جاءت من ليبيا وعبر الحدود.

■ أعرف أن ردك عليه كان عنيفاً في هذا اللقاء العاصف؟

- الحقيقة أن كلامه استفزني بشكل غير مسبوق في حياتي، لأنه كان يعبر عن شكل من أشكال الاستعلاء والتجبر في الأرض. وانفجرت فيه قائلاً: «إنتم عايزين إيه، إنتم خربتم البلد، وأسأتم للدين».

وقلت: «هو يعني يا تقبلوا كده يا نموتكوا.. إنتم عايزين يا تحكمونا يا تموتونا!».

بعدها صمت ولم يتكلم، وأظنه أدرك رد الفعل من جانبنا.

وقال لي الدكتور الكتاتني: «ما الحل؟».. قلت: «أن تحلوا مشاكلكم مع القضاء والكنيسة والأزهر والإعلام والقوى السياسية والرأى العام».

■ قبل أن يلقي الرئيس السابق خطابه في مركز المؤتمرات، يوم الأربعاء 26 يونيو، هل جلست معه وتحدثت عن الخطاب؟

- نعم.. جلسنا معاً من الحادية عشرة ظهرًا إلى الواحدة بعد الظهر في نفس يوم إلقاء الخطاب، وقال لي: «الدكتور الكتاتني سيأتي وكل اللي إنت بتقوله هنعمله»، وكانت هناك حلول كثيرة جدًا، ولو كان أوجد صيغة تصالحية مع الناس كان من الممكن أن تكون مخرجاً مقبولاً.

■ لماذا ذهبت لحضور الخطاب، رغم أنه كان يبدو أمام محفل حزبي وليس قومياً؟، وما سر الابتسامة التي ظهرت على وجهك وهو يلقي خطابه؟

- حضرت الخطاب، لأنه عندما يطلب مني أن أساهم في حل مسائل متأزمة لا أقول لا. أما الابتسامة فهي ابتسامة اندهاش، لأن «الكتاتني» قال لي قبل دخول القاعة: «كل اللي إنت قلته هنعمله النهارده» وفوجئت بأن الكلام كله على عكس ما تم الاتفاق عليه مع الرئيس و«الكتاتني»، باستثناء الاعتذار الذي ذكره في بداية الخطاب.. ابتسمت بسبب الخضوع لأوامر مكتب الإرشاد دون مراعاة مصالح الدولة، والاعتماد على مستشارين اعتادوا إيقاع الرئيس في أخطاء وإعداد خطاب له لا يرقى لمقام الرئاسة ويدفع الرئيس ليقف أمام القضاء، وهو ما شهدناه في الأيام التالية.

وقلت لنفسي وأنا أستمع إلى الخطاب: «خلاص هما كده بيهددوا الشعب».

■ هل صحيح ما تردد عن وجود قائمة اعتقالات لعدد من قيادات الجيش والشخصيات العامة، كانت جاهزة للتنفيذ بعد الخطاب؟

- هذا الموضوع نتركه للجان التحقيق وتقصي الحقائق، لكن الحالة التي كان عليها لا يتصور أحد معها أنه يقدر أن يفعل هذا. كانت هناك أزمة كبيرة جدًا، ولم يكونوا يعرفون كيف يخرجون منها، وأتصور أنهم تركوا أنفسهم لتطورات الأزمة تجرفهم، وهذا تعبير عن يأس.

■ متى كانت اللحظة التي قلت فيها: «خلاص مافيش فايدة»؟

- بعد الخطاب كان من الواضح إنهم شايفين الصورة بشكل مختلف، لكن تقديري أن حجم المظاهرات التي حدثت في تلك الفترة لم تنقل لهم الصورة جيدًا. وأدركت أن اللحظة الحاسمة ستكون يوم 30 يونيو.

■ كيف أمضيت يوم 30 يونيو، ولماذا أجلت إصدار بيان القوات المسلحة بعد انتهاء مدة الأيام السبعة إلى اليوم التالي، الأول من يوليو؟

- كان اهتمامي يوم 30 يونيو هو متابعة الأوضاع على الأرض وتقويم التقديرات التي سبق التوصل إليها، والاستعداد للتدخل لتأمين وحماية المواطنين والممتلكات العامة، إذا ما حاول أي طرف الإخلال بالأمن وتهديد المواطنين والمنشآت.

أما عن تأجيل إصدار البيان بعد انتهاء مدة المهلة، فكان الهدف منه إعطاء مزيد من الوقت للتواصل الجاد بين الأطراف وعدم التعجل في اتخاذ القرارات.

في يوم 30 يونيو شاهدت ما جرى مثل كل الناس، وكنت أتوقع حشودًا كبيرة، لكن الذي حدث كان هائلاً، وكان نقطة فارقة في تاريخ مصر.

الشعب المصري خرج، لأنه خاف على وسطيته، خاف على مستقبله، لم يشعر أن البلد بلده، وهذا محرك يوم 30 يونيو، الناس نزلت نزولاً غير مسبوق بعشرات الملايين، ووضعت من جديد القوات المسلحة أمام مسؤوليتها التاريخية، إنفاذًا للإرادة الشعبية.

ناس بسيطة نزلت، شباب، نخب، أسر. كأنهم يهاجرون من مكان خطر إلى مكان آمن.. يهاجرون من حالة إلى حالة.. النزول كان هجرة من الواقع الموجود إلى حالة الدولة المصرية المأمولة.. إلى الواقع الجديد المنشود، الناس نزلت تقول «لا»، نحن لن نعيش بهذه الصورة، وكانت الهجرة من واقع خافوا منه إلى واقع يأملون فيه. المصريون خرجوا في كل مكان، هناك أماكن لم يتم تصويرها جوًا، لكننا رصدناها من خلال عناصر القوات المسلحة بها.

أنا أقول للتيار الإسلامي: «حاسب وأنت تتعامل مع المصريين، لقد تعاملت معهم على أنك الحق وهم الباطل، أنك الناجي وهم الهالكون، أنت المؤمن وهم الكافرون، هذا استعلاء بالإيمان.

حشود هائلة غير مسبوقة خرجت إلى الشوارع والميادين، ومع ذلك نجد من يقول إن عدد المتظاهرين كان 120 ألفاً.

■ الرئيس السابق هو صاحب هذا الإحصاء، متى قال لك هذا؟

- يوم أول يوليو، قال لي إن عدد المتظاهرين 120 ألفاً، فقلت له: «سأحضر لك سيديهات لمشاهد مصورة من الطائرة».

■ لماذا جددت المهلة أول يوليو لمدة 48 ساعة؟

- أنا كنت شايف مخاطر شديدة جدًا، والبلد وصلت لمرحلة خطرة، وكنت أقول لو هناك مخرج يبقى أفضل.

■ متى أبلغت الرئيس السابق بالمهلة الثانية؟

- قرأت له البيان وإحنا داخلين اجتماع معه، وخلي بالك اللي بيعمل انقلاب مابيتكلمش مع حد.

■ نأتي إلى يوم 3 يوليو.. كيف أمضيت الليلة السابقة، ماذا كنت تقول لنفسك، هل توقعت رد الفعل الجماهيري الهائل المؤيد للبيان؟

- الحقيقة الوحيدة التي شغلت عقولنا خلال هذه الفترة هي كيف يمكن تحقيق الإرادة الوطنية دون الإضرار أو بأقل ضرر بمقدرات وإمكانيات قوى الدولة المصرية، الأمر الذي معه كنا نراجع وندقق في جميع الخطط، ومحاولة تغطية مختلف الاحتمالات.

على الجانب الآخر كنت شديد الطمأنة، فنحن لا نهدف لسلطة أو مصلحة وإنما نسعى لإنفاذ إرادة شعبية أصبحنا على يقين من حقوقها.. ونحن في سبيل حق الشعب والدفاع عن مصالحه لا نخشى سوى الوقوف بين يدي الله وسؤاله.

أيضاً كنت على ثقة من التأييد الجماهيري، فما أقدم عليه الإخوان من ممارسات خاطئة أفقدهم الكثير من القاعدة الشعبية، ومع ذلك كنت آمل لآخر لحظة أن ينتهي الموضوع، وأرسلت إلى الرئيس السابق 3 شخصيات مقربة لديه، وقلت له إن المخرج من هذه الأزمة هو الاستفتاء على استمراره من أجل إغلاق باب الفتنة، رغم أن هذا الموضوع ممكن أن يكون غير مقبول شعبياً، لكن يبدو أن تصورهم أن الجيش يخشى المواجهة، وأن هناك نقطة سيتوقف عندها.

■ كيف تم الترتيب الذي أعلن عن تكليف رئيس المحكمة الدستورية العليا بإدارة شؤون البلاد، والمشهد الجامع الذي صاحب إلقاء البيان؟

- كنت شايف ضرورة حضور المؤسسات الدينية كالأزهر والكنيسة، لأنهم مسؤولون عن المجتمع، ودعونا د. محمد البرادعي وممثلي المرأة وشباب «تمرد» وحزب النور والقضاء، وكذلك حزب الحرية والعدالة، لكنه لم يرد على الدعوة. والبيان تم إعلانه والتعقيب عليه من مختلف ممثلي أطياف الشعب المصري باتجاهاته وشرائحه الرئيسية، وكان محتوى البيان معبرًا عن المطالب الشعبية، التي طالبت بانتخابات رئاسية مبكرة تحت إشراف حكومة محايدة بعد فترة انتقالية محدودة يتم خلالها تعديل الدستور وتلبية الاحتياجات الاقتصادية والأمنية للشعب، والمشهد الجامع عكس بوضوح تحالف القوى الوطنية لتنفيذ الإرادة الشعبية.

■ بصراحة.. هل أبلغت الإدارة الأمريكية بالبيان قبل إذاعته؟

- كلامي واضح، قلت: «لم نخطر أحدًا، ولم نتعاون مع أحد، ولم ننسق مع أحد، ولم نستأذن أحدًا».

الأحداث والبيان شأن داخلي مصري، لا يحق لأي دولة مهما كانت العلاقات معها التدخل فيه، أيضاً البيان هو إنفاذ للإرادة الشعبية التي تم التوافق عليها من مختلف أطياف الشعب وتعبير عن أهدافه التي خرج من أجلها عبر ثورتين كبيرتين في يناير 2011 ويونيو 2013، والتي تأتي في مقدمتها «الحرية» بجميع أبعادها، سواء حرية الرأي والتعبير والعقيدة أو التحرر من التبعية لأي من القوى الخارجية.

وعلاقاتنا الخارجية تقوم على المصالح والاحترام المتبادل، وعدم القبول بالتدخل في الشأن الداخلي أو التغيير في القرارات التي تحقق المصالح الوطنية.

■ كيف أمضيت الليلة بعد إذاعة بيان 3 يوليو؟

- أنا قرأت البيان، ثم ذهبت إلى والدتي.

■ ماذا قالت لك؟

- والدتي في حالة سِنّية لا تسمح لها بأن تقرأ الأحداث، وأنا مرتبط بها ارتباطاً شديدًا، وهي سيدة مصرية أصيلة جدًا بكل معنى الأصالة، وربتني على الاعتماد على الله والرضا بالقدر.

■ بماذا دعت لك؟

- تلمع عينا الفريق أول السيسي بالدموع ويقول: «كان دعاؤها.. ربنا يحميك من كل شر».

■ ماذا كان رد الفعل لدى أسرتك في المنزل؟

- كانوا عارفين أن هذا هو بداية الهم.

■ كم عندك من الأولاد؟

- أربعة.. بنت و3 أولاد.

■ هل لديك أحفاد؟

- الحمد لله 4 أحفاد، أكبرهم بنت عمرها 4 سنين وشوية.

■ بعد بيان 3 يوليو، صدر الإعلان الدستوري الذي نص على خارطة مستقبل للمرحلة الانتقالية الثانية تبدأ بتعديلات دستورية، ثم برلمان، ثم انتخابات رئاسية.. هل هذا الترتيب درس مستفاد من المرحلة الانتقالية الأولى؟!

- هناك دروس كثيرة استفدنا منها من المرحلة الانتقالية الأولى، أولها أن القوات المسلحة لا تتصدر المشهد، وأن السلطة تبقى في يد حكومة مدنية، ورئاسة مدنية كمخرج من أي أزمة، والأمر الثاني أن هناك مشكلات لا يرضى عنها المجتمع، أهمها إجراء تعديلات دستورية، ولم يكن هناك رفض لهذا، ثم تأتي الانتخابات البرلمانية ومن بعدها انتخابات رئاسة ويكون الترشح متاحاً للكل.

وأريد أن أقول إن ما فعله الشعب وما فعلناه كان في إطار رد الفعل، يعني هم كانوا يفعلون، وموقف الشعب والجيش كان رد فعل، ولو كان عندهم تقدير سليم للموقف ما وصلنا أبدًا إلى ما كنا فيه. وكان الأصوب لهم أن يقبلوا النصيحة ويعترفوا بالأخطاء.

ثم يجب ألا تتعرض البلاد للخطر، هذا واجب وطني ومسؤولية دينية، وأي دعوة لإسقاط الجيش والشرطة تؤدي إلى سنوات من عدم الاستقرار.. وتؤدي إلى إزهاق أرواح أعداد ضخمة من البشر.. من يتحمل هذه المسؤولية أمام الله؟.. لابد أن نكون منصفين في كلامنا، لأننا سنقف أمام الله وماحدش وقتها هايعرف يلف ويدور.

■ خاطبت الشعب يوم 24 يوليو ودعوته إلى النزول بعدها بيومين لتفويضك، ومعك الجيش والشرطة، لمواجهة العنف والإرهاب المحتمل.. كيف جاءتك الفكرة؟

- بالدراسة والعلم والمعرفة والفهم لابد أن تدرك أن البناء الفكري للتيار الديني يلجأ إلى العنف، لأنه يرى أنه على حق، لذا يلجأ إلى أشكال التصعيد، والأفق الفكري عنده مختلف عن الآخرين. وكنت أتوقع أن هناك تصعيدًا محتملاً، وها نحن نرى الآن أناساً يحملون قنابل وأسلحة ويرتكبون جرائم تفجير، ونمسك بعناصر مسلحة كل يوم.. تخيل لو كانت الشرطة مضروبة ولم تأخذ الدفعة المعنوية التي أخذتها من الشعب، كيف سيكون الأمر؟.. إن المصالحة بين الشعب والشرطة كانت معجزة إلهية.

■ هل فكرت وأنت توجه كلمتك إلى الشعب في احتمال عدم نزول الجماهير؟

- لم يساورني الشك لحظة واحدة، كنت متأكدًا من نزوله.. دي حاجة بيني وبين الشعب المصري.

■ قلت في كلمتك للشعب: «هذا أول طلب أطلبه منكم».

- أشعر بأن بيني وبينهم عشم وخواطر.. دي حاجة هما يحسوها وأنا أحسها.

■ ليلتها نمت قلقان؟

- لا.

■ هل كان الهدف من الدعوة هو فقط التفويض الشعبي في مواجهة العنف والإرهاب المحتمل؟

- الهدف من الدعوة لم يكن يقتصر فقط على التفويض لمواجهة العنف والإرهاب المحتمل، بقدر ما كان دعوة للتأكيد أمام العالم على الإرادة الشعبية في التغيير، بعد ارتفاع الأصوات التي كانت تشكك في هذه الإرادة، وتسعى للحشد الخارجي ضدها تحت ذرائع الادعاء بالانقلاب العسكري.

لقد وضعت ثقتي في الشعب المصري الذي لم يخذلني، انطلاقاً من قناعة الجميع بأن التغيير يتم تحقيقاً لإرادة الشعب في تحقيق طموحاته وآماله بأهداف ثورته، «العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية». والاستجابة الشعبية الكبيرة للدعوة ألقت على أكتافي وزملائي مزيدًا من المسؤولية لتحقيق آمال وأحلام هذا الشعب الكريم الذي منحنا ثقته.. والتي سنحاسب عليها أمام الله والتاريخ.

■ هل توقعت أن يكون حجم النزول والتأييد بهذا المستوى الهائل؟

- بكل أمانة، كنت أريد أكثر من ذلك حتى إنني كنت أقول لبعض من حولي «مش هو ده العدد اللي كنت منتظره ينزل الشارع».

■ تقول ذلك رغم خروج عشرات الملايين بهذا الحشد غير المسبوق في التاريخ؟

- نعم.. بكل أمانة، وأنا أقول لك الحقيقة، لأنني أنشد دوماً أقصى درجات المثالية، لكني كنت سعيدًا جدًا بالمشهد، وأمضيت ليلتي في سعادة، حتى حدثت واقعة المنصة وطريق الأوتوستراد التي ارتكبوها يوم 27 يوليو.

■ قرار مواجهة محاولات اقتحام دار الحرس الجمهوري كان سريعاً.. بينما تأخر القرار الخاص بفض اعتصامي «رابعة والنهضة» ما السبب؟ وهل كانت توقعات الضحايا في الحالتين مقاربة لما حدث بالفعل؟

- بداية لا يمكن المقارنة بين أحداث نادي الحرس الجمهوري وقرار فض اعتصامي «رابعة والنهضة»، ففي حادث نادي الحرس الجمهوري، كان هناك تخطيط ومحاولة لاقتحام منشأة عسكرية باستخدام القوة، الأمر الذي وضع القوات في وضع دفاع عن النفس وضرورة الرد بشكل فوري وسريع، وهو ما أكدته التقارير المتوفرة عن الحادث، وأريد أن أقول إنه كانت هناك حالة تلاحم بين الأفراد، وكانت هناك مجموعات منهم تطلق النار وهي غير مدربة، مما تسبب في خسائر غير مبررة.. وليس معقولاً أن يأتي أناس إلى المكان الموجود فيه رئيس الجمهورية السابق وهو منطقة عسكرية وتحاول أن تقتحمه وتضرب نارًا، نحن في نفس اليوم نقلناه إلى مكان آخر.

أما قرار فض اعتصامي «رابعة والنهضة»، فقد حرصت فيه الدولة، أولاً على إتاحة المجال أمام الاحتواء والتهدئة عبر المعالجة السياسية، ثانياً مراعاة اعتبارات شهر رمضان الكريم ثم عيد الفطر المبارك، ثالثاً إعطاء الوقت الكافي للدراسة والتخطيط لتجنب الخسائر في الطرفين، بعد التأكد بما لا يدع مجالاً لشك من وجود أسلحة داخل الاعتصامين، وبعد نحو 48 يوماً وليس 48 ساعة، وبعد العديد من الإنذارات، قامت الأجهزة الأمنية بتنفيذ القرار القضائي لفض الاعتصامات وفقاً للمعايير الدولية، وجاءت الخسائر في الطرفين نتيجة استخدام السلاح من داخل الاعتصامات.

 

وبالنسبة للنتائج وأرقام الضحايا، تتعدد حولها التقارير، وهناك فوارق كبيرة بين التقارير الرسمية وما تسعى مصادر أخرى للترويج له.. والأفضل الانتظار لنتائج تقصي الحقائق والتحقيق في تلك الأحداث، لتبرز الحقائق أمام الجميع.

■ كيف شعرت بعد سقوط مئات من القتلى في اعتصامي «رابعة والنهضة»؟

- بداية، جميع المؤسسات الوطنية والمسؤولين بالدولة المصرية حريصون على عدم إراقة الدماء المصرية من جانب أي طرف.. فهي في النهاية دماء مصرية.. للأسف، تسقط وتراق في إطار تنافس صراع على السلطة، وتحقيق مصالح فئة تستخدم هذا الدم لتغذية صورتها كـ«ضحية»، وتوظيفها لاستقطاب واستدعاء الخارج لتهديد الدولة المصرية، وبالتأكيد الدولة المصرية حريصة على استعادة الأمن والاستقرار وحفظ الدماء المصرية، إلا أنها أيضاً لن تفرط في الأمن والمصالح لصالح فئة لا تقدر قيمة الوطن وتفرط في دماء أبنائها لتهديد هذا الوطن.

وفض الاعتصامين جاء بعد صبر من الدولة امتد 48 يوماً، واستمرار هذه الاعتصامات كانت له آثار كارثية على المصالح الوطنية، فالآثار والتداعيات المباشرة لاستمرارها تمثل اعتداءً على حرية سكان هذه المناطق، خاصة بعدما تحولت لاعتصامات مسلحة، وبدأت في ممارسة أعمال إجرامية ضد السكان، وانعكاساتها السلبية على البيئة والصحة العامة بالتوازي مع الخدمات والمواصلات واقتصاد الدولة وتهديد السلم الأهلي بالمجتمع، وتزايد تهديدها بعد أن تحولت إلى محور استقطاب للتدخل الخارجي في الشأن الداخلي وتهديد الدولة المصرية وتماسكها واستقرارها، مهيئة الظروف لإعادة إنتاج النموذج السوري.

وبصراحة، كنا خايفين إن الخسائر تكون أكبر من كده، ونحن كنا نواجه حرباً معنوية من الطرف الآخر، وطالبناهم بفض الاعتصام، وقلنا: «لو سمحتم امشوا»، لكن الطرف الآخر لم يكن يريد أن يسمع ولا يفكر، وهذا ليس معناه الاستهانة بأرواح الناس.

■ ماذا كان سيحدث لو لم يتم فض الاعتصامين؟

- كان الرهان هو تفكيك البلد.

■ هل يمكن أن تعود مصر إلى أعتاب الحرب الأهلية مثلما كانت في نهاية عهد مرسي؟

- هذا لا يمكن أن يحدث، نحن نزلنا بإرادة الشعب لحماية البلد، حتى من يتحدثون عن إجراء استفتاء على خارطة الطريق، أقول لهم: «نحن تجاوزنا هذا المطلب ونعمل على تنفيذ إرادة المصريين».

■ هل توقعت المساندة التي سارعت بتقديمها السعودية والإمارات والكويت والبحرين والأردن لمصر؟

- هذا الموقف نقدره، ولن ينساه المصريون للأشقاء، وبصراحة كان موقفاً إيجابياً فوق التوقع