تقييم اجراءات مكافحة الارهاب في تونس
تاريخ النشر : 2015-05-08 17:11

عكست حزمة الاجراءات التي اتخذتها السلطة في تونس وعيها بخطورة التهديد الامني الذي اتضحت معالمه بعد احباط عدد من الهجمات من قبل قوى الامن التونسية بعد هجوم باردو ، لكن في نفس الوقت لم ينضج بعد حس وطني لدى النخب السياسية التونسية يتصدى لمحن مماثلة بوحدة الصف والكلمة هذا ما يمكن رصده بسهوله في الخطاب السياسيى الذي اعتمد على تبادل الاتهامات ومحاولة تحميل الخصم السياسي تكلفة الفشل الامني ، وهو نفس السيناريو الذي يتكرر بعد كل اغتيال او هجوم ارهابي، مع ذلك يبدو ان الجميع يدرك تداعيات العمليات الارهابية على السياسية والاقتصاد انطلاقا من التجربة الذاتية التي عايشتها تونس فحادثتي الاغتياليين لشكري بلعيد ومن بعده البراهمي ادت الى الاطاحة بحكومتين وهجوم باردو كانت له تداعيات سيئة على قطاع السياحة الذي لم يكن سيشهد موسما مزدهرا هذا العام رغم الحملة الاعلامية المتواصلة لتشجيع السياح على التدفق ،وان لم يؤثر على وضع الائتلاف الحكومي الهش إلا انه ما يزال يواجه مشاكل جدية بسبب الانقسام السياسي الايديولوجي بين الاحزاب المكونة له .

بعد هجوم باردو تم اغلاق دائرة التحديث والتغيير على مكونات السياسة الامنية لمواجهة خطر التنظيمات المتطرفة ، شكلت اتجاها جديدا يختلف عن ما سبق تمثل فيما يلي :

_اتباع دبلوماسية حذرة يوجهها المحدد الامني بشكل مباشر : ابرز مظاهرها تمثل في اعادة افتتاح سفارتها في دمشق ولجوءها لتمثيل مزدوج في ليبيا ، فالهدف من استئناف العلاقات مع البلدين ليس الانخراط المباشر بدعم سياسي لطرف ما بقدر ما هو يرمي الى اقامة تعاون امني مع هذه الدول في قضايا شديدة الصلة بأمن تونس الداخلي ففي سوريا يوجد اكثر من 3 الاف تونسي منضويين تحت لواء الدول الاسلامية وفي ليبيا ايضا يوجد عدد من التونسيين المنظمين لخلايا وكتائب متطرفة يتلقون تدريبا مستغلين حالة الانفلات والفوضى السياسية جميعهم يشكلون عامل قلق مزمن للمسؤوليين التونسيين ، في نفس الجانب حاولت تونس تعزيز التعاون الامني مع دول اخرى عربية وغربية في محاولة للاستفادة من خبرتها في التعامل مع تهديدات مماثلة .

_حماية الحدود : بقدر ما يبدو هذا الاجراء غير ذي شأن إلا ان تونس تأخذه على محمل الجد خاصة وان اغلب الخلايا الارهابية التي تنشط لديها اما تم تكوينها في دول الجوار اما تلقى اعضائها تدريبا هناك او ان اعضائها انفسهم قادمين من ليبيا والجزائر و لأنه لا توجد حلول افضل فرغم ان هناك حوارا جاريا بين الاطراف الليبية حاليا إلا انه حتى لو تم التوصل الى اتفاق ستبقى عملية استرداد الامن والسيطرة على الجماعات المتطرفة مسالة معقدة و تحدث ضمن صيرورة بطيئة ،لهذا تم الاعلان عن النية في اقامة سياج على طول الحدود الليبية بتمويل فرنسي بهدف منع دخول المتسللين من ليبيا،واللجوء الى عدد من الاحتياطات الاخرى منها تنفيذ عمليات كثيفة على الحدود الجزائرية التونسية خاصة في المناطق التي تعد معقلا رئيسيا للكتائب المتطرفة .

_تفكيك عوامل التطرف : تم من خلال اجراء مراجعة سريعة لوضع المؤسسات الدينية المسؤولة عن نشر التطرف والدفع بالمجتمع المدني والإعلام للتصدي للفكر المتطرف .

_الاجراءات الامنية التقليدية : تمثلت في العمليات الامنية الاستباقية و اعتقال المتورطين في اعمال ارهابية او المشتبه بهم وربما اهم هذه الاجراءات هو بلورة قانون جديد لمكافحة الارهاب وهو مشروع قانون طرح من عهد حكومة مهدي جمعة ولم يتم اقراره إلا قبل اشهر وقد تعرض لانتقادات عديدة من قبل السياسيين ومنظمات حقوق الانسان .

بعد استعراض جل الاجراءات التي اتخذتها السلطة في تونس لمكافحة الارهاب نجد انها تعاني من امرين الاول : غياب التوازن بين مفهومي الديمقراطية والأمن فنظرة بسيطة على قانون مكافحة الارهاب توضح هذا الخلل فالقانون يمنح سلطات واسعة للأجهزة الامنية بما يهدد الحريات الاساسية ، نفس الامر يمكن ان يقال عن الاجراءات الاخرى الخاصة بمحاولة السيطرة على مخرجات المؤسسات الدينية من خلال استبعاد بعض الائمة المساندين للثورة ، في حين يتم استقدام وجوه تنتمي للحرس القديم من فترة حكم بن علي للشغل وظائف قيادية في اجهزة امنية واستشارية مثل مجلس الحكماء بهدف الاستفادة من خبرتهم في مواجهة الارهاب ! ، كل هذا قد يفسر على اساس انه ارتدادة سيئة لترتيبات ما قبل الثورة .

الامر الثاني تجاهل العوامل الهيكلية التي تنعش الارهاب من ضمنها الفقر والتفاوت الطبقي الصارخ والاستبعاد السياسي او عدم القدرة على استيعاب كافة الاطياف الاسلامية في المعادلة السياسية مما قد يؤدي الى تفضيلهم خيار العنف على النشاط السياسي المدني وأيضا الحالة السياسية الهشة للائتلاف الحكومي الذي يمكن ان ينهار امام اي ازمة سياسية فعدم الاستقرار السياسي يرفع من مخاطر عدم الاستقرار الامني حتى وان كانت العلاقة بينهما ليست حتمية .

في الختام ، الاجراءات الامنية التي اتخذتها السلطة في تونس تبدو كافية حاليا لكنها تفتقد للبعد الاستراتيجي والرؤية المتكاملة وهو ما قد يؤدي الى تعثرها او تعارضها مع اهم المبادئ التي ارستها الثورة فيما يتعلق بموضوع الحريات والديمقراطية لذا يجب العمل على بناء سياسة امنية شاملة ومتماسكة لتفادي ذلك .