حتى لا يكون الجميع في مهب رياح الانتفاضة الثالثة
تاريخ النشر : 2013-12-04 13:54

المشهد الفلسطيني العام وعلى وقع ما تشهده المنطقة من أحداث كبرى مصاب بكثير من حالات الضعف والتراجع والإحباط. هذه الأحداث التي تُرخي بظلالها الثقيلة على هذا المشهد والذي هو أساساً مثقل بالأحمال والهموم ويواجه الكثير من التحديات. فالأحداث غير المسبوقة التي تعيشها المنطقة منذ قرابة الثلاث سنوات باتت ومن المؤكد أنها المخاض العسير لكثير من التطورات التي لن تقف عند حدودها الإقليمية فقط بل ستشمل الحدود الدولية. وليس بالضرورة وحسب الوقائع والمستجدات أنه مخاض لشرق أوسط جديد كما بشرت به الوزيرة الأميركية كوندليزا رايس خلال عدوان إدارتها و إسرائيل على لبنان ومقاومته في العام 2006. بل هو مخاض سيصيب في تداعياته واهتزازاته وارتداداته العالم في بُعديه الإقليمي والدولي بما فيها الولايات المتحدة الأميركية نفسها التي تعمل جاهدة من أجل إبعاد هذا الكأس عنها ولكنها لن تفلح. وبهذا المعنى هناك سعي يومي لدى البعض الدولي والإقليمي الراعي والمتدخل والممول أن يدفع الجميع وسيأخذ. وليس بالضرورة أن تكون النسب متساوية لا في الربح ولا في الخسارة. لأن خسارة المتدخلين والراعين لهستيريا ما اصطلح على أنه ربيع عربي ستكون أكبر. والسبب بسيط أن التطورات الأخيرة في المنطقة والميدان السوري ركيزتها الأساسية بدأت تؤسس لعالم جديد متعدد الأقطاب على اعتبار أن السياسة هي في الأصل إما قناعات وإما مصالح. والإدارة الأميركية ومنذ اتفاقها مع روسيا الاتحادية حول الكيماوي السوري ومن ثم الاتفاق الإيراني مع الدول 5 1 المؤكد أنها اختارت وجهة تأمين مصالحها وهذه سمة الدول الاحتكار والهيمنة في العالم .

وفي غمرة هذه التطورات وعلى بطئها وحتى الثاني والعشرين من كانون الثاني العام 2014 التاريخ الافتراضي لمؤتمر جنيف -2 السوري إلاّ إذا كانت المهل الممنوحة للدول المتدخلة في سورية ستُجدد تباعاً إلى حين انقضاء فترة الستة أشهر وهي مدة الاتفاق الموقت بين إيران ودول 5 1. وانتظار ما سينتج عنه الاتفاق النهائي للملف النووي الإيراني وهذه الدول . الخشية المشروعة والمبررة أن تكون القضية الفلسطينية من ضحايا هذه التطورات والتفاهمات على اعتبار أنها الحلقة الأساسية المستهدفة إسرائيلياً وحتى أميركياً والملاحظ أنها تراجعت من سلم أولويات الشارع العربي أو غالبيته حيث أصبحت أولويات اهتماماته في الحدود القطرية لكل بلد عربي على حدا. وما الاستعجال الرسمي العربي معبّر عنه بجامعة الدول الناطقة بالعربية في تشجيع السلطة على المفاوضات وبطلب أميركي إلاّ مؤشر خطير على ما يتم التخطيط له في هذا السياق .

وعليه كيف ستواجه السلطة وحتى الفصائل الفلسطينية هذه التحديات الخطيرة التي تتعاظم في وجه القضية وعناوينها على وقع ما تقدم. لا أعتقد أن أدوات وآليات عمل السلطة وحتى الفصائل في مقدورها أن تصمد في مواجهة الآتي وحال الساحة الفلسطينية على ما تعيشه من انقسام حاد وخطير بين طرفيه فتح و حماس أولاً. ومن ثم بين الفصائل التي وجدت نفسها مقطورة من هنا أو هناك لاعتبارات كل فصيل. هذه الفصائل لم تكلف نفسها حتى عناء بذل الجهود باتجاه أن تشكل من مجموعها قوة ثالثة في الساحة الفلسطينية والمشتركات بينها كثيرة إذا ما خلصُت النيات وتوفرت الإرادة السياسية. ووثيقة الوفاق الوطني تشكل قاعدة انطلاق تبني عليها هذه الفصائل ليس بهدف منافسة الحركتين على المكاسب والامتيازات وتقاسم في الحكومات سواء في القطاع أو الضفة. بل من أجل التعبير عن نفسها على أنها جزء أساسي في المنظومة الضامنة لتطلعات شعبنا في ظل التشكيك المتزايد في قدرة الفصائل على قيادة الشارع الفلسطيني واستعادة ثقة هذا الشارع ونخبه التي تتآكل يوماً بعد يوم. والكابح لجماح الانزلاق نحو تقديم التنازلات في عناوين الثوابت الوطنية الفلسطينية. وفارضة على كل من حركتي حماس وفتح رؤيتها باتجاه تصحيح المسار لصالح إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الوطنية وبما يعزز قدرة المناعة الوطنية والسياسية على الصمود وعدم التفريط والتنازل عن ثوابت عناوين قضيتنا الوطنية في العودة والقدس والمقدسات والأرض والأسرى والدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس.

إن استمرار المشهد الفلسطيني في المراوحة على نمطيته الراهنة والمحافظة على سمات ضعفه وتراجعه وإحباطه وانقسامه الحاد وغير المسبوق من شأنه ومع بدء هبوب رياح التسويات الدولية للملفات الساخنة في المنطقة. أن تكون الرياح الإسرائيلية المدعمة بالمراوح الأميركية أسرع في التهويد والاستيطان ومحاولات التأثير والتغيير في اتجاهات المعركة الديمغرافية وحسمها إلى صالح التطلع الاستراتيجي الإسرائيلي في فرض مشيئة يهودية الدولة إلى صالحها. عندها ليس من المستبعد أن يكون الجميع المقصرين منهم أو المفرطين في مهب رياح الانتفاضة الثالثة الآتية لا محالة.