ابو عمار مازال بيننا
تاريخ النشر : 2015-04-28 02:04

بزيه الزيتي القاتم وكوفيته الفلسطينية ويعلنها أبو عمار مدوية ليسمعها القاصي و الداني شهيداً.. شهيداً.. شهيداً، اكاد اجزم أنه يجلس بيننا، واسمع صوته يقول (هذا شعب الجبارين، محدش قال أخ ولكن صامد صابر)، انه اسطورة تخترق العقول المغلقة وتفتح عيون قد عماها المال والخيانة، ثم تأتيك ابتسامة حيرت عالما يزدحم بالعملاء، ابو عمار مازال بيننا : وقف بعد ان اطلق رصاصته الاولى لتستقر في عيلبون (نحن شعب لا يعرف الركوع الا لله)، ابو عمار ما زال بيننا: فلسطيني يصنع من اللجوء والنكبة ثورة دائمة جعلت العالم يرتعد، فلسطيني يقبض على الزمن، ابو عمار مازال بيننا : اهدانا ابتسامته وقال : انا عائد قريبا من رفح وجنين ونابلس....: ( على القدس رايحين شهداء بالملايين)، ها هو، وفي يده مفتاح (القدس )، البندقية تتراقص بين يديه وهو يبتسم في الكرامة وبيروت، يستعد للعودة الى ارضه التاريخية ليزف بشرى تحرير فلسطين.

ابو عمار مازال بيننا : فلسطيني اعلنه القدر حارسا لكل فلسطين، سيعيش بين الجيل المائة بعدنا، وسيراه احفاد احفادنا واحفادهم بعد الاف السنين، سيرونه معهم في كتب التاريخ المدرسية، وفي قصائد الشعراء، وفي القصص الثورية، اما انتم فلا مكان لكم في تاريخنا.

ياسر عرفات يا ويلنا من هذا التاريخ، و يا ويلهم من حقائقه، لقد وقف وراءها رجل لم يخلق عالم السياسة أكثر منه شجاعة وعزما واستعدادا للتضحية، حتى قدم البرهان لكل من قد ينقصه البرهان، فهو ما يزال يرعب حتى كل الحاقدين، فهم حاولوا قتل رجل، لا يموت، لم يتركوا شيئا لم يقولوه في ياسر عرفات لم يتركوا اتهاما لم يلصقوه به، وهذا ما سيظل يلاحقهم الى أبد الآبدين، فياسر عرفات تاريخ لا يمحى، لو كان يمكن لتاريخ فلسطين أن يُمحى، لكنّا "سامحناهم" في ياسر عرفات، فياسر عرفات من شعب يصنع أبطالا، وكل واحد منهم أسطورة، هذا هو المزيج الفلسطيني الحقيقي، انه مزيج أبطال تستطيع أن تقتفي أثره في حشد من أساطير الصبر والكفاح التي يسطّرها الفلسطينيون ضد الإحتلال.

وهذه هي فتح: خلطة تاريخ لا أعظم منها ولا أخلد، وخلطة أبطال، وعمر كل واحد منهم يبدأ من عمر القضية، فلا الاحتلال و لا انقلابكم ولا اعلامكم قادر ان يمحي هذه الحقيقة التاريخية.

جاءوا اليه بدبابات وقصفوه بطائرات ودمروا ونهبوا كل ما استطاعوا نهبه وتدميره، إلا انهم لم يقدروا على قصف التاريخ، ولا تمكنوا من نهب معناه، ولو قتلوا الملايين فوق الذين قدموا ارواحهم على مذبح الحرية حتى اليوم، فان المارد الاسمر سيعود ليولد من تاريخه، وسيعود ابو جهاد وابو اياد... وياسر عرفات، ليخرج لهم من وراء كل حجر، من فوق الأرض و تحتها، ليصنع الحرية، ويرفع علم فلسطين فوق مآذن وكنائس القدس، وليجعل من حروبه طريقاً للتضحيات من اجل شرف فلسطين وعزتها وكرامتها.

قتلوه، ولكنهم لم يقتلوا الثورة هذه هي مصيبتهم قتلوا رجلا اكتشفوا انه لا يموت، ثم اكتشفوا انهم وإن كانوا يستعينون بحثالات من اللصوص والعملاء والقتلة، من الذين يمكن العثور على أمثالهم في كل مكان، إلا انهم ضربوا حائطا، صلصاله تاريخ ورجال.

ياسر عرفات هو انت، إذا كنت على بسالة وشرف، وهو أنت، إذا كنت شديدا على العملاء والأنذال، ويا ويلهم منا، سنأتيهم من كل فج، وسنخرج لهم من وراء كل حجر، فلدينا من ياسر عرفات الملايين، هؤلاء هم رجال هذا التاريخ، الذين حولوا الحجر نفسه الى أسطورة، فصار كتبا وملاحمَ.

فإن كنت عدوا، فقل ما تقول، اكشف عن نفسك، إجعل إناءك ينضح ما فيه، فلن تنجو لا من فتح ولا من رجالها، لن تنجو من أي طفل حرمه الاحتلال من طفولته.

لا يمكن ان تعرف ياسر عرفات، الا في مجد تاريخ صنعه، كان صانع أحداث، وصانع تاريخ، أصاب وأخطأ، ولكنه ترك ثورة لا تموت.

لم ينجح صلاح الدين، ولم ينجح ياسر عرفات هذا هو قدرنا، قال صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك"، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: "ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس" ولكن إذا كانت تلك السنوات تعني شيئا، فانها تاريخ محاولات، انتج الفلسطينيون خلالها اعظم ثورة في التاريخ صنعوا ما لم تصنعه أمة في مطالع التاريخ، ولئن تكالبت عليهم قوى الشر، فقد ظلوا يكررون المحاولات، وهو تاريخ قدرنا فيه ان نقاتل، ونعود لنقاتل، هؤلاء هم الفلسطينيون، وهذا هو قدرهم، ينجحون ويفشلون، وفي الطريق الى الخلود يصنعون من الصمود والتضحية ما لا سبيل الى مجاراته، وينفخ الله في صورتهم ليعودوا أقوى مما كانوا.

هذه هي فتح، فياسر عرفات لم يمت، ولا ماتت ثورته وسيظل يولد من تلك الثورة ما يصنع فوق المجد مجدا أعظم منه، وهذا ما كان يريده ياسر عرفات .

لم تكن المنعطفات والمحن التي يسردها هذا التاريخ شيئا من عابر الأشياء، كلُّ مفصلٍ من مفاصلها كانت جزءا من ذلك القدر العاصف الذي صنع ماضي وحاضر فلسطين.

وقدرنا المكتوب هو اننا لن نكف عن المحاولات، حتى التحرير.

وعلى طول فلسطين وعرضها دلائل كثيرة مما فعلت فتح فهي قدرنا، ويا ويلنا منه، ونحن قدرهم، ويا ويلهم منا.

وهنا ومن باب التذكير، يا جبناء القضية وتجارها، هناك رجالاً لهم ذاكره لا يقوى التلفيق او المراوغة على مواجهتها ليس بهدف بيان الحقيقة فحسب، ولكن لكشف ومحاسبة من يدعي الزور والبهتان أيضاً، ورحم الله من عرف قدر نفسه .