أيها الأغنياء فأما اليتيمّ فلا تقّهر وأما السائل فلا تّنهر
تاريخ النشر : 2015-04-28 01:44

لقد فضل الله عز وجل بعض الناس على بعض في الرزق وجعل ذلك المال ابتلاء وتمحيص لذلك الغني، فإن جعل ذلك المال مسلكًا  وسبيلاً في الطاعات وعمل الصالحات وأخرج حق الفقراء فيه وأكثر من عمل الصالحات كان ثوابه عظيمًا. قال تعالى " فأما اليتيم فلا تقهر " أي كما كنت يتيما فآواك الله فلا تقهر اليتيم أي لا تذله وتنهره وتهنه ولكن أحسن إليه وتلطف به قال قتادة كن لليتيم كالأب الرحيم وأما السائل فلا تنهر" أي وكما كنت ضالا فهداك الله فلا تنهر السائل في العلم المسترشد قال ابن إسحاق " وأما السائل فلا تنهر " أي فلا تكن جبارا ولا متكبرا ولا فحاشا ولا فظا على الضعفاء من عباد الله وقال قتادة يعني رد المسكين برحمة ولين.,,الكثير من كبار الصحابة الكرام من كانوا أصحاب تجارة وأموال كثيرة وكانوا أغنياء أمثال ذي النوريين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وهو من العشرة المبشرين بالجنة، ومصعب بن عمير رضي الله عنه، وغيرهم كثير، ولقد اقترن الايمان في غالبية الآيات القرآنية بعمل الصالحات فلا تكاد تجد أيه تقول الذين آمنوا إلا وتجد مباشرة يتبعها وعملوا الصالحات- وأي عمل أعظم من الانفاق من الأموال في سبيل الله- سواء لبناء مدرسة أو مسجد أو كفالة يتيم أو إطعام الفقراء والمساكين أو سد الدين عن الغارمين، أو كفالة طالب علم ليتعلم وسداد دينه، إن الإسلام العظيم والشريعة الربانية السمحة جاءت بالعبادات مقترنةً بعمل الصالحات- فلا  تصح  العبادات بغير المعاملات – لأن الدين المعاملة - فلو كان أحد الناس من الأغنياء والتجار الذين أنعم الله عز وجل عليهم بالمال الوفير وكان يصلي في الصف الأول ويصوم النهار ويقوم الليل -  لكنهُ بخيل شحيح يحرم البنات من الميراث وإن جاءه سائل نّهرُه وطردهُ وكذلك لم يراعي يتيمًا فقهرهُ ولم يساعدهُ بل أكل مالهُ، فهذا لم تنهه صلاتهُ عن عمل المُنكر فلا صلاة لهُ وويلٌ له من مال سيتركهُ ليتمتع به غيرهُ من ورتتهُ ويعذب في قبرهِ على ما عمل من أعمال غير صالحة ومِن قهر الناس وحرمان الفقير الحق في ماله إن أراد الله عز وجل  له لخاتمة على تلك الأمور- وكثير من تجار الذهب اليوم إلا من رحم ربي الذين يكنزون الذهب والفضة ولا يخرجون حق الله في أموالهم  وحذرهم الله عز وجل أشد تحذير فقال عز وجل: " والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذابٍ أليم". إن من بعض هؤلاء التجار من يلبس عباءة الدين والاسلام والتقوي كذبًا وزورًا  ويظن أن المال قد أتاه على شطارةٍ أو علمٍ منه مثل قارون لعنه الله والذي قال:" إنما أوتيتهُ على علمٍ عندي" فخسف الله عز وجل به وبدارهِ الأرض، إن بعض الأغنياء يتغنون بالورع ويتمرغون بنعم الله عليهم ولا يشعرون بشعب مقهور ويربحون أضعاف مضاعفة في تجارتهم ولا يراعون ظروف الناس المعيشية الصعبة وإن جاءهم سائل أو صاحب حاجة ومسألة انتفخت أوداجهم نارًا واحمرارًا وطردوه عن بابهم – كبرًا وبطرًا من عند أنفسهم المريضة فلقد عشعش البخل وحب الدنيا والمال والدولار في قلوبهم وعقولهم فعشِقوها أكثر من زوجاتهم وجُل تفكيرهم  كيف تزداد أموالهم وتكبر – ولقد نسوا الآخرة والحساب والتواب والعقاب والجنة والنار – إنها الدنيا التي تضُر وتغر وتمُر والتي لو بقيت لغيرك ما وصلت إليك يا ابن أدم إنما أنت بضعةُ أيام كلما انقضي يومٌ انقضي بضعٌ مِنك، وكما قال الامام الشافعي رحمه الله تعالي : دع الأيام تفعل ما تشاء ... وطب نفسًا إذا ما حكم القضاء ...ولا تجزعن لحادثة الليالي ... فما لحوادث الدنيا بقاءُ. ولو كانت الدُنيا تدوم لأهلها لكان محمدٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم حيًا وباقيًا... لكنها تفني ويفنى  نعيمها وتبقي الذنوب والأوزارُ كما هي في رقبة صاحبها – وسيأتي اليوم الذي يندم فيه فلا ينفع الندم – فلا يظن أ ن الدين فقط بالشعائر التعبدية فيقول أصلى وأصوم وأقوم وأحج وينسي الشعائر التعاملية – فمن لا يرحم لا يُرحم والراحمون يرحمهم الرحمن– ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء – وهذه تذكرة نذكر  بها بعض الأغنياء إن نفعت الذكري- فسيتذكر من يخشي ويتجنبها الأشقى الذي تمرغ بملذات الدنيا فأصبح كالأنعام يلهو بها  يظن أن لا رقيب ولا حسيب- ألم يعلم بأن الله يرى – بلا إن الله يراه ويؤخرهُ ويُمهله ليومٍ لا ريب فيه هو آتٍ آت- يوم  من شدتهِ وقسوته تُذهل الأم وتترك رضيعها الطفل ويهرب الابن من أُمهِ وأبيه وزوجته وأخيهِ- لكل إمرءٍ يومئذٍ شأنٌ يغنيهُ- يومها لا ينفع الندم – لا يورو  يومها  ولا  دولارات  ولا  دراهم  ولا دنانير  ولا فضة  ولا ذهب  – بل كل شيء انقضي و ذهب  ولم يبقي سوى عمل كل إنسانٍ منا إن خيرًا فخير- وإن شرًا فلا يلومن يومئذ إلا نفسه، أيها الأغنياء بعضكم قد تكبر وتبختر فاتقوا الله – اللهم إنا قد بلغنا اللهم فاشهد.

  بقلم الكاتب والمفكر السياسي 

    الدكتور/  جمال عبد الناصر محمد عبدالله أبو نحل