اضراب المعلمين وهيبة القضاء الفلسطيني
تاريخ النشر : 2013-12-03 15:55

اصدرت محكمة العدل العليا الفلسطينية يوم الاحد مساءا قرارمؤقتا يقضي بوقف الاضراب الذي اعلنه اتحاد المعلمين اعتبارا من يوم الثلاثاء الماضي احتجاججا علي عدم تنفيذ الحكومة للاتفاقات المعقودة مع المعلمين وقررت رفع جلستها الي يوم الاثنين للبت نهائيا في امر الاضراب ان كان شرعيا او غير شرعي .

ورغم هذه القرار ورغم اللقاء الذي جري علي عجل بين الرئيس ابومازن والاتحاد لاقناعهم باحترام قرار المحكمة العليا الا ان الاتحاد رفض الانصياع الي قرار المحكمة المؤقت هذا بحجة انه لم يستلم اوراق المحكمة رسميا وبانه سيعقد يوم الاثنين جلسة لمناقشة امر تعليق الاضراب لحين البت النهائي من المحكمة بشانه .

يوم الاثنين 2/12 حسمت محكمة العدل العليا قراراها وقررت أن إضراب المعلمين غير قانوني، وهو مخالف لنص المادة 67، من قانون العمل الذي يتعلق بالإضراب أو الإغلاق وقالت ان نص المادة المذكور هو نص آمر يتعلق بالإجراءات القانونية التي هي من النظام العام، حيث أن قيام المستدعى ضده بالإضراب دون أتباع نص المادة 67 يشكل خرقا فاضحا للقانون والدستور، ويمس في كرامة المعلم، ويشكل ضياع لحقوق الطلاب، وهو إجراء باطل لا يستند على أساس قانوني وجب إلغاءه".

علي اثر هذا القرار السريع للمحكمة تداعي اتحاد المعلمين للانعقاد وقرر الاعلان عن الاضراب المفتوح والشامل واستثناء القدس لخصوصيتها محملا الحكومة مسؤولية انهيار العام الدراسي في تحدي علني وغير مسبوق لقرارات القضاء الفلسطيني الذي وان كانت احكامه في السابق لايتم احترامها سواء من قبل الحكومة او من قبل الاطراف الاخري االا ان ذلك كان يتم خفية ومواربة ودون اعلان كما يجري الان.

ان رفض اتحاد المعلمين لقرارات اهم محكمة فلسطينية يعتبر ضربة معنوية قوية لهيبة القضاء الفلسطيني واعلان غير مباشر من فئة اجتماعية هامة من شعبنا بان القضاء مسيس ويستعمل كسلاح في مواجهة النقابات من قبل الحكومة ولسان حالهم يقول القضاء منحاز الي السلطة التنفيذية ولايعقل ان يكون الخصم والحكم واحد.

ومن الضروري التذكير هنا وحتي تكتمل الصورة بان اتحاد المعلمين نفسه اشاد بالقضاء وبمحكمة العدل العليا نفسها التي اصدرت قرارا سابقا الثلاثاء الماضي برد دعوي الحكومة شكلا بسبب عدم صحة الخصومة واعتبرت الاضراب قانوني مما شكل في حينها تشجيعا وغطاءا قانونيا لاتحاد المعلمين بالاستمرار في الاضراب .

ان التناقض الذي وقع فيه اتحاد المعلمين من قبوله قرار القضاء عندما كان لمصلحته ورفضه عندما اصدر قرارا لايلائم مصلحته مثلما تفعل الحكومة في الكثير من الاحيان يكشف عدم ثقة المجتمع الفلسطيني بقضائه ويكشف ايضا الشعور الشعبي المتنامي تجاه القضاء باعتباره اداة من ادوات وذراع من اذرع السلطة التنفيذية تشهره متي تشاء وتخفيه متي تشاء .

ولو كان الامر غير ذلك ولو كان هناك ثقة شعبية في القضاء لما تجرا اتحاد المعلمين وقبله الحكومة علي رفض تنفيذ قراراته وتحدي احكامه .

ان الدرس المستخلص من هذا الحدث المتمثل بتجاهل اهم قطاع شعبي فلسطيني لقرارات القضاء وتحديه علنا هوان غالبية من الشعب الفلسطيني اصبحت يائسة ولاتنظر للقضاء باعتباره عنوانا لتحقيق العدالة بل تنظر اليه باعتباره خصما منحازا للسلطة التنفيذية .

ان هه القناهة العميقة في وجدان شريحة هامة من شعبنا تجاه القضاء ليس بلا اساس او خلفية بل يضرب في جذوره الي سلوك القضاء وتصرفاته تجاه السلطة التنفيذية وتجاه المواطنين او النقابات التي تقاضي السلطة امامه , فالاحصائيات تقول ان اغلب القضايا التي رفعتها الحكومة ضد النقابات كسبتها وبسرعة قياسية امام محكمة العدل العليا وفي المقابل فان اغلب القضايا التي رفعتها هذه النقابات او الافراد ضد الحكومة خسرتها اما نفس المحكمة , واخر شاهد علي ذلك هي القضية التي رفعتها الحكومة ضداضراب نقابة الاطباء وكسبتها واوقفت الاضراب ولم تحقق الحكومة مطالب الاطباء العادلة .

ومايزيد الطين بلة هو تباطؤ وفي بعض الاحيان تجاهل السلطة التنفيذية لتنفيذ قرارات المحاكم التي التي تخسرها مما زاد من الشعور بعدم اهمية القضاء وعدم اعتباره اداة ووسيلة مستقلة لتحصيل الحقوق باجبار السلطة التنفيذية علي ذلك .

هل نلوم المعلمون علي هذه الصفعة القاتلة للقضاء وهيبته ام نتضامن معهم وهم المظلومين الذين كان لهم الفضل بتمكين رئيس الدولة ووزراؤها وحتي القضاة الذين يجلسون علي منصة القضاء ليفصلوا في قضاياهم من القراءة والكتابة .

تستحضرني هنا موقف المستشارة الالمانية انجيلا ميركل عندما طالبها القضاة في المانيا بمساواتهم بالمدرسين فقالت لهم هل يعقل ان اساويكم بمن علمكم.

ان الخلل البنيوي الذي كشفته هذه الازمة يحتم علينا جميعا دراسة اسبابها وبعيدا عن ردات الفعل التي بدرت عن السلطة التنفيذية في معالجتها لهذه الازمة حيث تقدم الناءب العام بشكاوي ضد قادة اتحاد المعلمين مهددا بفصلهم من وظائفهم وتطبيق القانون بحقهم ان هم لم يمتثلوا لقرار المحكمة !!! , وهنا نتسائل هل تصرفت السلطة التنفيذية بنفس الطريقة عندما كان المتمنع عن تطبيق قرارات القضاء هو السلطة التنفيذية نفسها .

ان الخروج من هذه الازمة يقتضي المعالجة الجدية لمطالب المعلمين المتواضعة واعطاؤهم حقوقهم ومعالجة اسباب الشعور الطاغي لدي الغالبية من شعبنا الفلسطيني بان قضاؤنا مسيس وليس مستقل , وعلي القضاء من الان فصاعدا ان يراكم سلوكيات تؤكد مهنيته واستقاله وعدالته حتي يزيل الصورة النمطية عنه باعتباره ذراع للسلطة التنفيذية .