النقب: الشيخ صيّاح و"النتوورك"
تاريخ النشر : 2013-12-03 09:44

الاحتجاجات التي نُظمت يوم السبت الماضي، ضد مخطط "برافر" الصهيوني في النقب الفلسطيني، والهادف إلى اجتثاث البدو من أراضيهم ومصادرتها لصالح يهود، وحشرهم في مدن صغيرة على أقل رقعة أرض ممكنة؛ هي نقلة نوعية جديدة في العمل الفلسطيني، قد تكون لها آثار بعيدة المدى. فهي ليست احتجاجات تقليدية، وفيها نقاط قوة لا تلغي نقاط الضعف أيضاً.فاجأت الاحتجاجات من حيث اتساعها الإسرائيليين، وتم اعتقال عشرات الناشطين، والتهديد بالمزيد من الإجراءات. والتهم الموجهة للمعتقلين، من نوع الاعتداء على رجال الشرطة، صيغت بما يضمن عقوبات قاسية.أولى الملاحظات أنّ الاحتجاجات لم تكن مفاجئة، وردة فعل على حدث معين مفاجئ كما هي العادة؛ ليست استشهاد فلسطيني وغضبة بشأنه، وليست قراراً اتخذ أمس. بل تمت التعبئة والتوجيه على مدى أكثر من شهر. وهي تعبئة علنية، قوامها الأساسي وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت. فالاحتجاجات تجاوزٌ لمرحلة "رد الفعل"، إلى الفعل. ثاني الملاحظات، عدم وجود جهة مركزية حقا وجهت أو قادت الحدث. وقد غابت الفصائل الفلسطينية رسميا، وإن كان أبناؤها وناشطوها قد شاركوا بقوة في الاحتجاجات، ولكن بقرار فردي أكثر منه تنظيميا. فقد قادت العمل مجموعات محلية نسّقت فيما بينها.ثالث الملاحظات، أنّه ربما تكرر هذه المرة ما حدث سابقا في موجة احتجاجات "برافر" السابقة (في تموز (يوليو) الماضي)، من حيث توحد فلسطين التاريخية (المحتلة العام 1948 والمحتلة العام 1967) في حراك واحد. وهو توحد يهدد، على المدى البعيد، فكرة "حل الدولتين"، إلا أنّ الجديد أن 24 دولة في العالم حصل فيها تجاوب وتواصل مع المجموعات الفلسطينية. والجديد هنا أمران: أولهما نوعي، ويتمثل في أن مجموعات فلسطينية محلية باتت لها شبكة علاقات قادرة على الحراك عالميا.

 وهذا يختلف عما كان يجري في السنوات السابقة، عندما كانت مبادرات الحراك العالمية في الشأن الفلسطيني تأتي من الخارج، ومن حركات التضامن. والأمر الثاني كمي، يتعلق بتبلور شبكات ومجموعات عمل جاهزة للتجاوب. رابعا، إذا كان يتم الحديث تقليديا عن أن المجتمع البدوي جنوب فلسطين هو تاريخيا الأقل نشاطا في المقاومة، أو هكذا هي الصورة الشائعة على الأقل، فإنّ ما يجري هو تثوير لهذه الفئة. الحركة في النقب ولأجله تتكامل، وبدأ يصبح لها رموز في النقب على صعيد الأشخاص، وعلى صعيد التعبيرات الفنية، والشعارات والمقولات الوطنية، والتجارب النضالية.

فمثلا، بات رمزا وطنيا الشيخ صياح الطوري، شيخ العراقيب؛ القرية البدوية التي هدمها الاحتلال 61 مرة حتى الآن، وأعاد أهلها بناءها. هو متحدث ذكي وفصيح، يجيد مخاطبة الإعلام بلكنته البدوية. حوكم هذا الأسبوع، واشترط القاضي بدايةً لإطلاق سراحه، ابتعاده عن العراقيب، وعدم الاقتراب منها، فرد في حديث للإعلام: "سوف أصمد لو مددوا السجن لعشر سنوات، وتحيا العراقيب وأهل النقب. وأرفض إبعادي عن العراقيب ولو عشرة أمتار أو يوم واحد، وأفضل السّجن على الإبعاد. توجد في العراقيب مقابر إسلامية قبل قيام دولة إسرائيل. وأشكر المحامين العرب، ولي الشرف بهذا الحضور الكبير والتضامن (...) وأحذر الجميع بأنني لن أبيع القضية من خلال هذه التزييفات والتوقيع باسمي".

واضطر القاضي لإطلاق سراحه مؤقتا، واستكمال المحاكمة من دون أن يوقّع الشيخ صياح ما يريدون. وانتشرت لوحات فنية تشكيلية الآن تجعل من صيّاح كائنا أسطوريا؛ شيخ بدوي تضرب جذوره في الأرض، وعلى يده يقف الطير، وخلفه الكنعانيات بأثوابهن. وقبل أيام، كان بدو العراقيب بكل خبرتهم النضالية، أمام المحكمة في مناصرة لبدو "أم الحيران"، وهي قرية أخرى يريد الإسرائيليون هدمها لبناء مستوطنة فوقها. ومن قرية حورة في النقب إلى مخيمات الضفة الغربية، استخدمت طائرات مروحية في ملاحقة المتظاهرين، وعادت مظاهر الانتفاضة الأولى العام 1987 للواجهة، وفتحت أبواب البيوت لمن يطاردهم الجيش.

إذا كان الشيخ صيّاح رمزاً يخاطب الأصالة والجذور، فإنّ الناشطين الذين يستخدمون الأدوات الحديثة وآليات التشبيك "النتووركينغ"، والشابات والشباب البدو خصوصا، والفلسطينيون عموما في أوروبا وكندا والولايات المتحدة، ومخاطبتهم للمجتمعات المحلية والمنظمات الدولية هناك، كلها علامات حيوية، حتى لو كان تجاوب الشارع العربي وحتى قطاعات فلسطينية في فلسطين ما يزال دون المستوى.

 عن الغد الاردنية