أزمة المصالحة في "رعيتها" وليس "راعيها"!
تاريخ النشر : 2013-12-03 08:53

كتب حسن عصفور/ في تصريحات غير مفهومة ابدا، لا سياقا ولا توقيتا، جاءت تصريحات القيادي الفلسطيني والحمساوي د.موسى ابومرزوق الداعية الى نقل راعي المصالحة من مصر، المثقلة بهمومها الداخلية كما وصفها، الى قطر وتركيا، وبالتأكيد لا يجهل القارئ سبب تسمية كل من هاتين الدولتين تحديدا، فهما ولا غيرهما آخر معاقل الدعم والاحتواء المالي والسياسي والاعلامي لحركة حماس بعد أن سقط حكم المرشد الاخواني في مصر، وخسارة حماس رهانها على سقوط سوريا ونظامها لصالح حكم يأتي بحلفها الظلامي بديلا، فيما تلاحق الجماعة الإخوانية في بلاد العرب، وباتت أقرب كثيرا لأن تصبح منبوذة بقرار شعبي بعد افتضاح دورها وانكشاف حقيقة موقفها السياسي وتجربة حكمها البائسة..

الغريب في تلك الدعوة أن تصدر من شخصية قيادية فلسطينية - حمساوية تعرف تمام المعرفة وتفصيلا كل شي عن ما يعرف بإسم "المصالحة الوطنية"، خاصة وأنه صاحب الملف من طرف حركة حماس، ولذا يدرك قبل غيره سواء اراد الاعتراف العلني بذلك أم لا أن أزمة المصالحة لم تكن يوما أزمة الراعي، مهما كان اسمه بل تكمن الأزمة في أطرافها خاصة حركتي "فتح" و"حماس"، ولذا فالكلام عن ضرورة البحث عن "راع بديل" ليس سوى هروب مباشر من تحديد جوهر المشكلة، ومحاولة للإبتعاد عن الحقيقة، والتي يعرفها كل فلسطيني مهما اختلف انتماءه..

تصريحات د.ابو مرزوق تشكل "مفاجئة سياسية" سلبية لم تكن متوقعة من شخص يحسب كلماته بميزان خاص، ويدرك قبل الآخرين ان مثل هذه الاقوال تحمل مصر مسؤولية فشل ليس هي المسؤولة عنه ابدا، ودوما كان الافشال بسبب فلسطيني داخلي وبتأثير عوامل خارجية، كل بحساب، ولو كانت المسألة في مسميات الراعي، فلماذا فشل تطبيق "اعلان الدوحة" بين حماس وفتح وبرعاية الأمير المخلوع أو المقال عائليا، الم تتصدى قوى مركزية في حماس لرفض الاتفاق في حينه، وأعلن احد قياداتها البارزين د.محمود الزهار أنه لن يمر..لوكانت مشكلة الراعي هي مشكلة المصالحة لنجحت منذ زمن بعيد، سواء بمصر أو غيرها..

والسؤال، هل تدخلت مصر يوما بشكل مباشر في جوهر اتفاقات المصالحة المتتالية، لغير صالح الشعب الفلسطيني، وما هي النصوص التي يمكن أن توردها حركة حماس فرضتها مصر على الأطراف الفلسطينية، ولماذا لم تنجح مصر في عهد الإخوان بتحقيق المصالحة وهي لم تكن مشغولة بـ"همومها الداخلية"، في حين نجحت وخلال ساعات قصيرة بعقد أول اتفاق مكتوب بين حماس ودولة الكيان للتهدئة، اتفاق يحمل من المهانة ما يفوق كثيرا اعتباره "نصر سياسي"، لكنه كان اتفاق لتحسين صورة الاخوان عند امريكا واسرائيل و"وديعة حسن نوايا" قبل اصدار مرسي لاعلانه الدستوري الشهير..اي أن مصر الاخوان  استخدمت حماس وفلسطين لتمرير مصلحتها الإخوانية على حساب المصلحة الفلسطينية بموافقة حماس ارضاءا لحكم المرشد..

لا نظن أن هناك من لا زال يعتقد أن المصالحة الوطنية الفلسطينية بحاجة الى مزيد من الحوار أو اللقاءات، فكل ما يمكن قوله قد تم وانتهى الأمر بكتابة نصوص تكفي لعقد "مصالحة تاريخية" بين اشد الأعداء عداوة لو أرادوا صلحا، وكل ما تبقى لم يكن سوى "خطوات اجرائية" يتم اعلانها بين فتح وحماس حول الحكومة وارتباطها بالعملية الانتخابية، ولا يوجد عائق أمامها من خلال النصوص، لكن العائق الحقيقي هو أطرافها، فهل تريد حركة حماس فعلا تحقيق المصالحة، خاصة بعد هزيمتها وجماعتها في مصر، بكل ما يحمل ذلك من ثقل فكري وسياسي وقبل ذلك شعبي عليها، لو تمت المصالحة وأجريت الانتخابات، وقيادة حماس قبل غيرها تعلم يقينا ما هو المصير الذي تنتظر، بعيدا عن خطابات الوهم التي تلقيها بعض قياداتها في غزة..فمن يصاب برعب من مظاهرة لا يمكن له أن يكون آمنا لنتيجة صندوق بعد تجربة لم تحمل لأهل غزة سوى مصائب فمصائب ولأهل حماس ثراء فثراء..

وبالتأكيد فحركة فتح، لم تعد في عجلة من أمرها للمصالحة، سواء لخيارها مسار التفاوض المرفوض شعبيا على حساب استكمال الخطوات الوحدوية وتشكيل حكومة انتقالية، او لسبب سياسي تعتقد قيادة فتح أنها ليست في عجلة من أمرها بعد سقوط حكم المرشد الإخواني، ما تعتقد أنه سيكون حصارا لحماس، لعبة التلاعب بالوقت السياسي سائدة في سلوك فتح دون حساب بأن المصلحة الوطنية تقتضي اقلاعها عن ذلك السلوك التفاوضي أو الانتظاري..وأن عليها أن تعلن وفورا تشكيل حكومة انتقالية وفقا لما تم الاتفاق عليه، واعلان برنامج الانتخابات لرئيس دولة فلسطين وبرلمانها وباشراف عربي ودولي، وتترك لاحقا من يعارض أو يعترض أو يعرقل لكشف أمره.. اما المضي في "لعبة الاستغماية" فذلك نهج لا يستقيم ولا يجب أن يستمر ايضا..

المسألة ليست في راعي المصالحة ولم تكن يوما هي "العقدة"، لكنها كانت وستبقى في "رعية" أهل المصالحة الذين هم دون غيرهم من يقررون المضي في الخلاص من كارثة الانقسام أو البقاء اسرى له كونه "فعلا مفيدا" لتجار السياسة في "بقايا الوطن"!

ملاحظة: صمت الاعلام والقوى السياسية ومنظمات حقوق الانسان عن جريمة اغتيال المدهون تشكل فضيحة كبرى..الغريب أن حركة فتح صامتة تماما وكأن الجريمة في بلاد "الواق واق"!

تنويه خاص: يبدو أن التفاوض الفتحاوي مع دولة الكيان تم تعليقه بشكل سري..د.عريقات تفرغ في الأيام الماضية لجولات سياسية ومحاضرات طلابية..من يقرأ ما يقول يظنه كبير معارضي المفاوضين وليس كبير المفاوضين..سبحانه!