قبل أن تقعد القاعدة !!!
تاريخ النشر : 2013-12-02 07:47

عندما تعلن القاعدة أنها وضعت لنفسها موطئ قدم في الضفة الفلسطينية ، بعد عملية عسكرية عدوانية قامت بها قوات الاحتلال الإسرائيلي في محافظة الخليل قتلت خلالها ثلاثة مواطنين فلسطينيين وصفتهم بأنهم عناصر في تنظيم القاعدة ( الجهاد العالمي ) ، إن هذا الإعلان الخطير لم يكن وليد الصدفة أو من باب العبث والإستعراض الإعلامي فقط بل هو مؤشر يجب التوقف عنده بقوة وتأنى وحذر شديدين ، والتعامل معه بإعتباره سلاح ذو حدين بكل الأبعاد التكتيكية والإستراتيجية ، بسبب إنعكاساته وتداعياته اللاحقة سواء على المستوى الوطني أو الاعتداءات الاسرائيلية المتواصلة ميدانياً في مختلف أنحاء الضفة علاوة على الصلف والعنجهية السياسية بكل مافيه من حدة ووقاحة غير مسبوقة في المواقف والطروحات التي يجاهر بها اليمين الاسرائيلي وحكومته المتطرفة الساعية لشطب الحقوق الوطنية الفلسطينية وفرض أمر واقع على الأرض بمنطق القوة ،،،

طيلة المرحلة الماضية كانت مرحلة إعداد وتنظيم وإنتقاء للعناصر المطلوبة تتم بهدوء بعيداً عن الأنظار وتوفير البنية التحتية اللازمة ، من أجل تهيئة الظروف المناسبة لتعلن هذه الحالة الجهادية السلفية عن نفسها في ظل تصاعد النزعة المتطرفة والأفكار الغريبة عن الواقع المجتمعي الفلسطيني بعد أن باتت تجد من الدعم اللافت من جهات دولية وإقليمية في منطقة الشرق الاوسط بأسرها وتتم تغذيتها بالمال والرجال وتوفير الإمكانيات غير العادية لها لتثبيت أقدامها في المعادلة الإقليمية لأهداف محددة مرتبطة بمصالح الجهات الداعمة والمخططات التآمرية المعدة سلفاً لإحداث فوضى طويلة الأمد وإشعال الصراعات الدينية والمذهبية ولإذكاء الفتنة الطائفية ، بالمقابل الإمساك بورقة دعائية أمام الرأي العام العالمي تمنحها الغطاء اللازم لتنفيذ تلك المخططات وغيرها تحت شعار كاذب ومخادع ( محاربة الإرهاب ) .

إن حالة الجمود السياسي وسوء الأوضاع الإقتصادية السائدة في ظل تفشي مظاهر الإحباط واليأس والمعاناة الدائمة تمثل بيئة خصبة لإنتشار الأفكار المتطرفة ، فيها من عوامل الدفع السلبي نحو المزيد من التطرف الفكري والإستثمار العكسي للطاقات الكامنة في أجواء ضبابية تغيب فيها الرؤية الواضحة والأهداف المحددة التي تمنح الأمل في المستقبل القادم ، لذلك فإن ما جرى في الخليل ليس بالحدث العابر بل له ما بعده ، دون إغفال الموقف المبدئي الثابت برفض كل أشكال العدوان الإسرائيلي وإدانته وتجريمه بإستهداف مواطنين فلسطينيين وقتلهم بدم بارد ، غير إن هذا الأمر يجب ألا يقلل من أهمية وخطورة بروز الظاهرة الفكرية بإعتناق الأفكار السلفية والجهادية التي تحمل سمات ومعتقدات تنظيم القاعدة وأخواتها من الحركات الأصولية التي تتكاثر في المنطقة العربية مثل الفطريات بلا حساب سوى التنافس في التطرف والترويج للفكر التكفيري تحت غطاء بدعة الجهاد العالمي والدفاع عن الإسلام والمسلمين والسعي إلى إقامة دولة الله على الأرض ، ونصبوا من أنفسهم قضاة وحكام وأوصياء على الدين والشرع من حقهم تكفير وشيطنة كل من يختلف معهم حتى من بينهم كما هو حاصل في العراق وسوريا ومصر وتونس وليبيا واليمن والصومال ، وهى في حقيقة الأمر توجه سهام الحقد الأعمى والأفكار العمياء ضد مجتمعاتها المحلية وتعيث تخريباً وتدميراً في مقومات وجودها الأساسية عبر شعارات إسلاموية وفتاوى شخصانية لا علاقة لها بالدين الحنيف وعلومه الشرعية الحقيقية .

فهل تدرك السلطة الوطنية وأجهزتها الأمنية بأنها دخلت في منعطف جديد يحمل من المخاطر ما لايمكن تحديد أثاره بالضبط ولكنها جوهرية على المستوى الإستراتيجي ومواجهتها وطنياً وأمنياً وفكرياً وثقافياً ومجتمعياً مسألة لا تحتمل التأجيل أو الإهمال أو الإنتظار ، إذ لابد من إستخلاص العبر والدروس إذا لم يكن من تجربة مريرة في قطاع غزة فإن أمامكم الكثير من النماذج الحية لأدعياء الإسلاموية الجهادية والأصوليات السلفية المتطرفة وحملة الأفكار التكفيرية الشاذة ، وكيف تديرها وتوجهها جماعة الإخوان المتأسلمين فى جوقة متناغمة تشرف عليها أجهزة المخابرات العالمية والقوى الدولية .

وهنا يجب التوقف أمام الدور الواجب على القوى المجتمعية والسياسية والنخب الثقافية ومؤسسات المجتمع المدني في التصدي الفوري لهذه الأخطار وعدم دفن الرؤوس في الرمال من باب عدم تحمل المسؤولية والتهرب منها أو الخوف والجبن التردد في مواجهة التحدي أو الإرتهان لأي حسابات أخرى خصوصاً وأن الشيوخ من صبيان الفتاوى الجاهزة والمعلبة لن يفكروا كثيراً في حقيقة أنكم عناوين مجتمع كافر أو على الأقل مرتد يعيش حياة جاهلية حسب أحكامهم المسبقة وقناعاتهم المشوهة ، لذلك إن المسؤولية جامعة وشاملة لكل المكونات الوطنية وليست فقط تتحملها السلطة لوحدها ، ومن يراهن على الحلول الأمنية فقط في التصدي لأصحاب نظرية التكفير الإسلاموية وأهم ومخطئ بل يرتكب جريمة وخطيئة بالمفهوم العقلاني والوطني . ويمنح التكفيريين قوة دفع خفية يجيدون توظيفها وإستخدامها بحرفية عالية في إحداث إختراقات وبناء قواعد إرتكاز في الواقع المجتمعي قد تصعب لاحقا القدرة على التعاطي معها .