إضراب المعلمين حقوقيا وتربويا
تاريخ النشر : 2013-11-30 14:57

ربما يجدر بنا أن نوجه السؤال لنا جميعا لنكون عادلين: للحكومة والمعلمين والأهالي...

هل فعلا هناك اهتمام؟

هل تقوم الحكومة بواجبها القيمي تجاه الأطفال؟

فإن فشل الحكومة في الحل، فهل سنكون على أبواب إضراب مفتوح للمعلمين، بعد تصريح الناطق باسم اتحاد المعلمين الأربعاء الماضي بأن الحكومة لم تفعل شيئا!

هل يضغط المجتمع على الحكومة حتى تفي بوعودها؟

من المهم أن يعرف الجميع نقطة مهمة هنا وهي أن المعلمين هم أدرى الناس بسلبيات الإضراب، وهم لا يلجؤون إليه حبا..

لكن في النهاية، برغم تعاطفنا وتضامنا مع المعلمين، إلا أن هناك آثار على الطلبة، على الحكومة الإسراع بالحل، فماذا سنربح جميعا إن كسبنا أنفسنا وخسرنا الأطفال!

إن التحليل الموضوعي الآتي يدل على ضرورة إنقاذ العام الدراسي بل والطلبة والتعليم!

وهو ليس نقدا للمعلمين إن أضربوا..لأنه وسيلتهم نحو تحصيل الحقوق.

ما أثر الإضراب (أو الانقطاع عن العمل- أو الدوام الجزئي) على العملية التربوية؟

حتى نفكر، لا بد من فهم السياق- ولعله السياق النفسي، خصوصا أننا نتعامل مع الأطفال..

هنا، لا بد من فهم كيفية دوران وعمل الدوام المدرسي.

نحن بإزاء: الإضراب- أو الانقطاع عن العمل..

ونحن بإزاء: كيف هي العملية التربوية، وما هو شعور الطلبة والمعلمين تجاهها..

فحين نحلل ونفسّر الانقطاع- الإضراب، يجب أن نكون واعين على الحالة النفسية الشعورية للتعليم والمدرسة..

 

نعود للسؤال!

سؤال عادي يمكن طرحه، بل ويعاد طرحه في كل إضراب للموظفين وللمعلمين بشكل خاص؛ وهو ينبع من حرص الأهالي على أبنائهم وبناتهم، من باب رئيس هو: عدم إتمام الكتب المدرسية، لأن لذلك أثرا على النمو التعليمي في الصفوف القادمة.

(يوفوا الكتب) أو يكملوها..يتموها، كلها تأتي في ذات التفسير...

أي أن التخوف هو على إكمال الكتب، أما كيف أكملت، وكيف يتم التقييم، وجدوى هذه الكتب، وأساليب التعلم، والدافعية لديهم، كلها أسئلة لا تأتي في المقام الأول، بل تتمحور اتجاهات الأهالي في البعد الشكلاني..

وهنا يصبح للسؤال سياقات أخرى، بل يمكن أن يقودنا إلى تفكير عميق في جدوى التعليم العام، وجدوى الوظيفة العمومية في الدول النامية، بمعنى أننا مدعوون للتفكير عميقا، أي في الجوهر، جوهر التعليم-وجوهر الإدارة والحكم.

ولكن قبل محاولة التفكير، أجد نفسي هنا أميل إلى تجاوز الأسلوب التقليدي في مناقشة السؤال، بدون إغفاله.. ، وسنحاول معا، مع القراء والقارئات، إلى الدخول في فضاءات بديلة وإضافية في التحليل والتفسير، حتى لا نكرر ما يقال دائما في هذه الحالة.

في البدء، ينبغي تذكر حالتين، أو منظورين:

-  منظور ومشاعر واتجاهات الطلبة.

-  منظور واتجاهات المعلمين.

وكلاهما قد مررنا بهما؛ فقد كنا طلبة ذات يوم ثمانيني، وكنا معلمين في التسعينيات..

أي نستطيع أولا تذكر حالنا، فقد مررنا بالتجربة..

يبقى -وهو مهم- أن نلاحظ الطلبة والمعلمين، والإدارات التربوية..

هل يحب الطلبة المدرسة؟ هل يحبها المعلمون؟

سؤال ربما ضروري لنفهم الحالة..

المنظور النفسي للطلبة:

المستوى الأول من الشعور: أي الشعور الأوليّ، كنا ونحن طلبة نفرح للإضراب للتخلص من الواجبات المدرسية والالتزام، والصحو البكّر..وهذا كان في أول إضراب شهدناه، وهو الإضراب الشهير عام 1982..

واليوم لم يتغير الحال، فرح الطلاب لعدم الذهاب إلى المدرسة، رغم أن دوام الطالب لا يعدّ عملا..بل تعلما وتمضية وقت جميل مع الطلبة..(هكذا المفترض).

 

للأسف لم تتغير الحالة النفسية لطلتنا تجاه المدرسة.

المستوى الثاني من الشعور: وهو الشعور الإدراكي..الأكثر وعيا، فحين رأينا أن الانقطاع عن المدرسة طال، قلقنا، خصوصا بعد أن تغير نمط عيشنا، ومللنا البيت واللعب والعمل الحقلي وغيره حسب الوضع الاقتصادي والمعيشي للأسرة..اشتقنا للمدرسة، للطلاب، للروتين الصباحي، (وربما قلقنا بشكل أقل لدى الطلبة) من مسألة إتمام المواد الدراسية، كون خبرات الصف القادم يعتمد على المعلومات السابقة في صفنا هذا..كما وانتبهنا (نسبيا) إلى أننا معرضون في حال رجوع المعلمين إلى العمل، إلى الإسراع في تدريس المباحث..

 

المنظور النفسي للمعلمين:

لا يبعد كثيرا عن المستويين، فرد الفعل الأولي هو الاستراحة، والتخلص من الواجبات، والالتزام والنظام الدقيق..وهذا لمسناه في معلمينا قبل 30 عاما..وفي أنفسنا مثلا قبل15 عاما..

لم نكد نبتعد أياما عن التعليم، حتى بتنا ايضا نشتاق للتعليم نفسه وللطلبة وللنظام الروتيني..

كما بتنا نقلق على عملنا، حيث أننا معرضون عند العودة للمدرسة إلى الإسراع في تدريس المواد، ولما كنا نعرف مستويات الطلبة التحصيلية وتفاوتهم، فقد صرنا نخشى على عملنا، إذ كيف سنستطيع التعليم في ظل هكذا ظرف، ونحن كنا أصلا بحاجة لكل الأيام حتى ننهي الكتب..(ها قد عدنا إلى المناهج وإكمال الكتب)..

 

نستنتج:

أن هناك وعيا على أهمية التعليم بالنسبة للطلبة.

وأن هناك راحة نفسية نسبية للطلبة في المدرسة..يحبونها قليلا..

أما المعلمون، فهم على وعي بعملهم وتفاصيله، وعدم الرغبة بما يؤثر سلبا على التعليم في الصف ومتابعة المواد، والخشية من الضعف في العام القادم، مما يضع عليهم أعباء إضافية.

من ناحية أخرى، فإن المدرسة لا تشكل مكانا جاذبا لهم كما ينبعي..أي أنهم لا يقضون وقتا سعيدا في العمل..

 

الأثر النفسي على التعليم

وهنا ربما نستطيع التحدث من منظور الجانب التقليدي..

أما لماذا نعود إلى الأسلبوب التقليدي هنا، فلبسبب قويّ، هو أننا أمام حالة تقليدية للتعليم، ولا بد أن تكون وسيلة التفكير من جنس الحالة من أجل القدرة على التشخيص..

ابتعاد الطلبة والمعلمين والإدارات التربوية عن الدراسة والعمل (بالنسبة للمعلمين)، يؤثر سلبا على الجو الدراسي العادي، بحيث يظهر الفتور وجزء من اللامبالاة من قبل الطلبة..إضافة إلى معرفة الطلبة بحاجتهم للأيام الدراسية حتى يستفيدوا، فهم أدرى من غيرهم بحاجتهم لكل الحصص المدرسية، خصوصا أن معظمها يحتاج لتدريس معلم داخل الصف، وتحتاج للتطبيق والمناقشة والتقييم..الخ، وهنا يصابوا بشيء من حالة الإحباط..ويبدأ تفكيرهم واهتماماتهم تغادر الجو الدراسي إلى الجو السياسي، والتفكير بأسباب الإضراب..وهذا يصرف الاهتمام، ويدخلهم في حالة من التشوش والتشتت.

أما المعلمون، فهم قلقون على أداء العمل، لأنهم الأدرى بحاجة طلبتهم إلى معظم الحصص المدرسية..كما إنهم يتخوفون من حالة الترهل النفسي للطلبة تجاه المدرسة، والتعود على عدم الالتزام..وجزء من القلق هو تأثر السلوك بحالة من اللامبالاة..وعدم الانضباط والالتزام..

 

عمليا:

من الطبيعي أن لا يكمل الطلبة والمعلمون المناهج لعام الإضراب، أو يضطر المعلم إلى الإسراع في التدريس مما يؤثر على هضم كافة الطلبة للمفاهيم، خصوصا بالنسبة للفئات المتوسطة والضعيفة (حسب الوصف التقليدي)..أو يضطر المعلمون إلى حذف دروس من المنهاج حس الأولويات والحاجة في التخوف اللاحقة، كما هو الحال في الرياضيات واللغة الإنجليزية..وغيرها.

وهذا يعني أن العملية التربوية تتعرض للتهشيم..وعدم التمارسك كون مناهج التعليم العام تعتمد على التدرج في تطبيق وتعليم المواد الدراسية من الصف الأول حتى الثاني عشر.

 

استراتيجيا:

من المعقول والضروري العمل على:

زيادة جذب المدرسة والعملية التعليمية لكلا المعلمين والطلبة على حدّ سواء، حتى يكون الارتباط بالمدرسة ينبع من داخل الطلبة والمعلمين وليس أمرا جبريا ملزما..

التفكير الجدي بالتعليم العام، والحاجة لتفكير عميق بما تتطلبه الدراسات العليا من التعليم العام، بحيث يصار إلى تكوين الشخصية المتعلمة، بالاستفادة من منجزات تكنولوجيا التعليم، فلا ضرورة موضوعية لكل المباحث بكل دروسها..

من المهم أن يدرك الطلبة الإطارات العامة والخطوط العريضة التي تعلق بالذاكرة، أما الإغراق في التفاصيل بدون وضعها في سياق تعلمي اجتماعي نفسي فإنها عرضة للنسيان.

والأمران مرتبطان معا، في زيادة جاذبية المدرسة وتكوين الشخصية التعلمية- التعلم الفعال.

 

عمل خاص جدا

إن عمل المعلم عمل خاص ليس كباقي الأعمال..أولا كونه يتعامل مع الأطفال..وهذا يعني أن التعامل هو تعامل خاص جدا..

وثانيا، لأن عمل المعلم في جزء كبير منه هو عمل دعوي قيمي تربوي-رسالة المعلم..وهي غير خاضعة تماما لإجراءات العمل العادية، وتشبع عمل الطبيب والعاملين/ات في الحقل الصحي.

وأخيرا أزعم أن التفكير بما سبق، يشكل ضمانة في تخفيف أثر الإضراب على العملية التربوية، ودعوة الحكومة للاشتباك الإيجابي مع معلمين يطلبون الحد الأدنى من الحقوق..