المفكر المصري الكبير د.قدري حفني مستهجنا: "حماس على حدودنا"!
تاريخ النشر : 2013-11-30 06:05

أمد/ القاهرة: كتب الاستاذ والمفكر المصري الكبير د.قدري حفني مقالا هاما في جريدة"الأهرام" حول سلوك  حركة "حماس" السياسي تجاه مصر وحدودها، ولعل مقالة د.حفني تكتسب أهميتها ليس من مضمونها فحسب، بل من كاتبها أيضا، الذي يعتبر أحد أهم أصدقاء الشعب الفلسطيني وقضيته  منذ زمن بعيد، ويعرفه جيدا مئات إن لم يكن آلاف من طلبة فلسطين الذين درسوا في جامعات مصر ومعاهدها، وهو ما يمنح المقالة شيئا يفرض على قيادة "حماس" التفكير العميق بما جاء فيها، بعيدا عن "الشوشرة الاعلامية" التقليدية وجاء في المقالة الهامة:

تحدثنا طويلا عن الخطر الإسرائيلي‏,‏ و عن التهديد الاستراتيجي الذي تمثله إسرائيل علي أمننا القومي‏,‏ و أدان الكثيرون منا معاهدة كامب دافيد وما فرضته علينا من تحجيم لوجودنا العسكري في سيناء‏,

و اجتهد الكثيرون من خبرائنا العسكريين في محاولة توضيح أن الدفاع عن سيناء في حالة هجوم إسرائيلي مسلح لا يقتضي بالضرورة وجود قوة عسكرية كثيفة تقف علي الحدود مباشرة, بل لعله يقتضي العكس, و أن مثل هذا الهجوم لو حدث فإنه يعني بطبيعة الحال نهاية الالتزام بالمعاهدة و إطلاق يدنا في الرد. و قد كنت خلال استماعي لتلك المناقشات و نظرا لعدم تأهيلي فنيا في المجالات العسكرية أعتمد علي ثقتي في المتحدثين و منطقية ما يسوقونه من حجج, و ترسخت ثقتي تلك عبر ما يقرب من ثلاثين عاما لم يقدم فيها الجيش الإسرائيلي علي اقتحام حدودنا.

وكنت بطبيعة الحال أعرف أن فكرة الترانسفير أي ترحيل الفلسطينيين إلي سيناء فكرة قديمة متجددة راودت و تراود العديد من صناع القرار في إسرائيل, و كان التصور السائد لتنفيذ هذه الفكرة هو الترحيل القسري بشكله التقليدي المعروف الذي شهدناه علم1948 حين دفعت إسرائيل مئات الألوف من الفلسطينيين نحو البلدان العربية المحيطة, و بالتالي كنت- و ما زلت- أدرج مواجهة مثل ذلك الاحتمال لو حدث ضمن مواجهة أشمل مع إسرائيل.

كان التصور الغالب لدينا أننا و الفلسطينيون في زورق واحد, و بلغ اليقين بتلك الفكرة حد اعتبار الوقوف إلي جانب الفلسطينيين معيارا لمدي الالتزام بالوطنية المصرية الحقة; و لم يكن متصورا أن يأتي اليوم الذي نكاد أن نري أنفسنا في زورق وفريقا من الفلسطينيين في زورق آخر; بل في خندق آخر. لم يكن واردا أن يأتي اليوم الذي تكون فيه المطالبة بالضغط علي إسرائيل لتعديل بنود معاهدة كامب دافيد لتتمكن قواتنا المسلحة من مواجهة الإرهابيين في سيناء الذين يتدثرون برداء إسلامي حمساوي و الذين لم يوجهوا طلقة واحدة خلال وجودهم إلا إلي صدور أبناء الجيش المصري

لقد أصبح لزاما علي أمثالنا ممن مازال حب فلسطين يملأ قلوبهم أن يعملوا عقولهم مهما كلفهم ذلك من جهد لكي يستمروا في التمسك بعدد من الحقائق تفرضها الجغرافيا قبل التاريخ, و يقتضيها المنطق قبل الانفعال:

لقد انقسمت الدولة الفلسطينية المأمولة قبل قيامها إلي كيانين متمايزين جغرافيا و فكريا و سياسيا: علي حدودنا تقف غزة تحت قيادة حركة المقاومة الإسلامية( حماس) الفرع الفلسطيني لحركة الإخوان المسلمين, و علي حدود الأردن تقف الضفة تحت قيادة السلطة الفلسطينية ممثلة لمنظمة التحرير الفلسطينية; و كلا الفريقين ما زالا تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي.

و انتعشت العلاقات المصرية الحمساوية بتولي جماعة الإخوان المسلمين مقاليد الأمور في مصر, لكن الأمر لم يدم طويلا; فقد تم عزل الدكتور محمد مرسي عن سدة الحكم في مصر. و لم يكن ذلك بحال شأنا مصريا خالصا بالنسبة لسلطة حماس في غزة; فلم يكن الدكتور مرسي مجرد صديق أو حليف أو متعاطف مع حماس فأولئك كثر; بل إنه و قادة حماس ينتمون لنفس التنظيم الفكري العقائدي الإخواني. و لعلنا جميعا ما زلنا نذكر ذلك الابتهاج الحمساوي غير المسبوق بفوز الدكتور مرسي في الانتخابات المصرية.كان من الطبيعي أن تتعاطف حماس و تتضامن مع التنظيم الإخواني الأم; و كان من المنطقي كذلك أن تتصاعد نبرة الغضب الجماهيري المصري من مواقف حماس خاصة بعد إثارة الإعلام المصري لشبهات تتعلق بضلوع حماس في عمليات إرهابية داخل حدود مصر, فضلا عما تردد عن اتفاق مصري إسرائيلي حمساوي وشيك لمنح حماس شريحة من أرض سيناء. قد تكون تلك الإثارة الإعلامية مشوبة بقدر من المبالغة بل و حتي سوء القصد, و لكنها تركت تأثيرا سلبيا امتد أحيانا إلي الاتجاه نحو الفلسطينيين دون تمييز و هو ما سبق أن أشرنا لخطورته.

وفي هذا المناخ لجأت حماس إلي المبالغة في تنصلها من التدخل في الشأن المصري و تعاملها مع ما يجري باعتباره أمرا يخص المصريين وحدهم و أن ما يثار من أقاويل بشأن التدخل أو حتي التعاطف مع الإخوان في مصر محض أكاذيب تديرها حركة فتح. و حاولت حماس أخيرا تدعيم قولها بنشر عدد من الوثائق المنسوبة إلي خلية فتحاوية بالسفارة الفلسطينية بالقاهرة.

وبصرف النظر عن صدق أو تزييف تلك الوثائق; و بصرف النظر أيضا عن سعي حماس غير المبرر لإثبات حياديتها حيال ما يجري في مصر; فالأمر الواضح لكل ذي عينين أن قنوات حماس التلفزيونية قد خصصت ساعات بثها علي مدي اليوم لنقل ما يجري في مقار اعتصام الإخوان بمصر; و ما يجري في غزة من مظاهرات صاخبة تدين ما يجري في مصر.

ورغم أن انحياز بل انتماء حماس للإخوان أمر لا سبيل لإنكاره أو حتي التنكر له; فإن استحالة الفصل بين الانتماء الوطني, و الالتزام العقائدي الإخواني, هو لب المشكلة سواء في مصر أو في فلسطين.

و لعل ما يجري من عمليات عسكرية في سيناء حاليا يستحق منا وقفة متأنية لنتبين حجم الخطر الذي كاد أن يفصل سيناء تماما عن الدولة المصرية. و لعل للحديث بقية..