مصر وغزة أى خيارات ؟
تاريخ النشر : 2013-11-29 18:04

من العبارات التي يرددها المواطن الفلسطينى في غزة والذى عاصر كل مراحل العلاقة بين غزة ومصر عبارة اقرب إلى العبارات الشعبية طول عمرها غزة في حضن مصر، وهذا بحكم التقارب والتلاصق المكانى والتاريخى ، لدرجة أن غزة وعبر سنوات طويلة بل وما زالت أقرب إلى مصر منها حتى إلى بقية الأراضى الفلسطينية ، وهذا لا يقلل من أن غزة جزء لايتجزأ من فلسطين ، وكما أن مناطق كثيرة في سيناء مثل رفح والشيخ زويد والعريش وحتى سيناء بتركيبتها القبلية أقرب إلى فلسطين وغزة خصوصا. ولقد إرتبطت غزة بمصر قبل آلاف السنيين ، ولم يشعر اهل غزة في يوم من الأيام أنهم غرباء في وعن مصر، بل كانوا يعتبروا أنفسهم مصريون دون إن يحتاجوا لحمل الجنسية المصرية بحكم المعاملة التي كان يعامل بها المواطن الفلسطينى في كل الخدمات مثل أى مصرى ، ولم يشعر أنه غريب ، وعنصر غير مقبول كما هو الحال اليوم. وهذا بلا شك حالة إستثنائية لا بد من أن تزول اسبابها . ولم تسمح مصر في أى يوم من ألايام بتجويع وحصار غزة ووقفت في وجه اى عدوان عليها ، ولا احد يستطيع أن ينكر حجم وعمق هذه العلاقات التي أدت لدرجة الإنصهار من خلال علاقات الزواج، وغيرها من العلاقات الإجتماعية والأمنية والإقتصادية والسياسية ، ورغم خصوصية هذه العلاقة لتى حكمت وكانت احد محددات السياسة المصرية تجاه فلسطين وشعبها وقضيتها والتي حاربت من اجلها حروبا كثيرة ، وضحت بأرواح أبنائها ، وبقدراتها الإقتصادية ، ولعلنى أذكر فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضى وخصوصا فترة حكم الرئيس عبد الناصر لذى جعل القضية الفلسطينية قضية الشعب المصرى ، وكيف عومل المواطن الفلسطينى من غزة تماما كالمواطن المصرى ، وكيف كنا كأطفال ننتظر القطار الذي يأتى يوميا من مصر، وكيف تتلمذنا على أساتذة افاضل من مصر ، وغير ذلك من الصحة والتعليم ، ويكفى وثيقة السفر التي حملها ابناء غزة وهى التي حافظت على الهوية الفلسطينية لدرجة أن غزة باتت تشكل وتجسد القضية الفسطينية ، وقصة العطاء طويلة وممتده. ويرجع الفضل لمصر في تعليم الجيل ألأول من ابناء القطاع . وغزة طوال تاريخها لم تعرف إلا مصر.واستمرت هذه العلاقة تحكمها محددات كثيرة وعوامل كثيرة ظلت تشكل احد ثوابت السياسة المصرية في كل المراحل، وحتى مع قدوم السلطة الفلسطينية في اعقاب إتفاقات اوسلو ظلت غزة مرتبطة بمصر ، وهذا نتاج طبيعة لعوامل المكان والزمان ، فهذا الإرتباط لا تستطيع اى قوة او اى سلطة فلسطينية حاكمه إن تبتعد بعيدا عنها. ولقد بقيت هذه العلاقة قائمه إلى ان سيطرت حماس على غزة ، وبدات حالة الإنقسام السياسى الفلسطينى تتعمق في الكيان الفلسطينى ،وبدات ملامح هذا الإنقسام عن الكيانية الفلسطينية الكلية تترك آثارها على الوضع الجديد في غزة . وما ترتب لي هذا الإنقسام من تداعيات سياسية على غزة تمثلت في الحصار والحرب عليها ، لكن مصر لم تتخلى عن دورها إزاء غزة ، فلعبت دورا هاما في كسر الحصار من خلال السماح بفتح النفاق ، وفتحت حدودها بالكامل في عهد الرئيس مبارك ولم تخلو هذه المرحلة من بعض التصرفات السلبية في العلاقة من خلال إساءة إستخدام الأنفاق، او في ظهور لغة خطابية إعلامية بعيدة عن تمكين العلاقة بمصر، ولعبت حالة الإنقسام والمصالحة دورا في تحديد هذه العلاقة ، لكن المهم إن مصر بقيت تعرف خياراتها تجاه غزة ، إلى إن جاءت الثورة المصرية ، وفوز الإخوان ودخول العلاقة او تحولها غلىعلاقة مع حركة الأخوان بدلا من أن تكون علاقة مع مصر الدولة والشعب وهذا خطا في التقدير والحسابات ، وكانت نقطة التحول الكبيرة والتي ساهمت في دخول العلاقة في مرحلة من التازم والتوتر الذي لم يصل بعد إلى حد القطيعة ، وهو بعد خسارة الأخوان في الحكم في اعقاب ثورة يونيو ودور الجيش في حسم الأمر في مصرن وخول العلاقة مع الأخوان إلى مرحلة من الرفض والعنف الذى بدات تظهر تداعياته في سيناء وبحكم العلاقة من ناحية بين حركة حماس والأخوان من ناحية ، وعلاقة سيناء بغزة من ناحية اخرى أن دخلنا في منزلق خطير في العلاقة باتت غزة طرفا مباشرا فيما يجرى في مصر وهذا خطا آخر، فكان لزاما وبحكم خصوصية الحالة في غزة ، وبحكم الحالة الفلسطينية عموما إن تكون خياراتنا في غزة بعيدة عن اى شكل من اشكال التدخل المباشر وضرورة التمييز بين مصر كدولة وشعب وبين من يحكمها ولا احد يستطيع إن ينكر إن الإرتباط بحركة الأخوان احد محددات خيارات حركة حماس في غزة ، إضافة إلى إرتباطاتها بدول لها علاقات متوترة مع مصر مثل قطر وتركيا ، لكن تبقى هذه دول ولها حساباتها وخياراتها ، وتاثيرات التحولات في مصر قد تكون عليها اقل، لكن الوضع في غزة له حسابات تختلف، فغزة ليست قطر ولا تركيا ن وعلينا وعلى الاخرين مراعاة هذه الخصوصية على خيارات حماس كسلطة حاكمة في غزة ، فمصر لها اولوية ، ومحدد في اى خيارات سواء على مستوى حركة حماس كحركة ، او على مستوى غزة بكل ماتعنية من مايقارب من مليونين نسمة مرتبطين بمصر بشكل او بآخر. وهنا اهمية البحث في الخيارات التوفيقية والتي تراعى فيها مصلحة غزة كاولوية عليا تستمد منها حركة حماس اهميتها وقوتها،وفى هذا السياق تحتاج العلاقة إلى مراجعة موضوعية ، اولها إن نبتعد بغزة كطرف مباشر، وثانيا بان لا تشكل غزة مصدر تهديدلأ من مصر وإستقرارها ،اما من يحكم مصر فهذا شان مصرى ، وثالثا إذا كانت الأنفاق ستشكل رصاصة في قلب هذه العلاقة فالأولوية للعلاقات القوية وليس الأنفاق ، المفاضلة هنا للعلاقة وليس للأنفاق، وأن التداعيات والتي يمكن إن تترتب على غلق الأنفاق يمكن تسويتها في ظل علاقات جيدة ، وعلاقات اشقاء، وعلاقات بعيدة عن اى تهديد لأمن مصر، لأن مصر تدرك إن غزة تبقى مكونا من مكونات امن مصر، وان إستقرارها ، والحيلولة دون تجويع اهلها امر مهم في محاربة العف والتطرف والتشدد، ويتطلب الأمر كذلك مراجعة للخطاب الإعلامى والسياسى بما يتوافق والخيارات التي تفرضها غزة ، وان نبتعد عن تصوير إن ما يحدث في مصر سيكون بالضرورة عدائيا ،فمصر وفى كل مراحل حكمها لم تتخلى عن غزة كاحد محددات سياساتها ، وان ندرك اننا ما زلنا في مرحلة الإحتلال ، وهذه المرحلة تحتاج لدعم كل الدول العربية وخصوصا مصر بحكم التقارب والتداخل الجغرافى ، وبحكم الدور الذي يمكن ان تلعبه في القضية الفلسطينة ، فمصر لن تذهب للخيارات العسكرية في التعامل مع غزة لأن هذا يتناقض ومكونات امنها القومى العربى ومن شان هذه خيارات إن يفقد مصر الكثير، ولمن تكون مصر إسرائيل في الخيارات العسكرية ، فهذه خيارات وهم. ما زال الوقت متاحا لإعادة العلاقات إذا ما اخذنا في الإعتبار محددات ومدركات العلاقة بين غزة ومصر قبل إن تصل العلاقة إلى درجة يصعب العودة منها وستكون غزة هى الخاسر الأكبر، ولا مجال للمقارنة بيد دور مصرودور اى دولة اخرى، وفى يقينى اننا هنا في غزة ندرك ذلك.فتبقى قوة مصر قوة للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطينى ولغزة ، وليس من المصلحة الفلسطينية أن تتحول سيناء إلى ساحة للعنف ستدفع ثمنه غزة قبل غيرها . أمن مصر وهدوء سينا من امن غزة وهدوئها قبل امن فلسطين..