الشهادة ليست اولا
تاريخ النشر : 2013-11-29 02:55

سقط ثلاث فلسطينيين قتلى برصاص الإحتلال قرب يطا من محافظة الخليل مساء يوم الثلاثاء 26/11/2013م وهم محمود خالد النجار وموسى عبد الحميد فناشة ومحمد فؤاد نيروخ .وقد وصف بيان الجهاد الإسلامي الحادث بأنه " جريمة جديدة نفذها جيش الإحتلال ، ضمن مسلسل العدوان المتواصل على ابناء شعبنا ".كما وصف تصريح كبها وهو قيادي من حماس بأن " ما حدث مجزرة بشعة وإعدامات بنيّة مبيتة، مع سبق الإصرار دون أي محاكمة وخارج نطاق القانون وحقوق الإنسان".

وهكذا درجت البيانات والتصريحات والتعليقات : فهي تشيد بالشهادة والشهداء وتحمل العدو المسؤولية وتؤشر على ضرورة مجابهة العدو ..وفي مآتم الشهدا يبشرون الشهداء بالجنة على مسمع من أهاليهم بل ويبشرون الأهالي بأنهم في شفاعة الشهداء وأن هذا غاية ما يتمناه الناس ...

هذا هو الخطاب الفلسطيني وهذه هي حدوده في التعامل مع مثل هذه الحوادث المتكررة .

إن أحدا لم يخطر على باله طرح الأسئلة المرة عن: دور القيادات التي تربي مثل هؤلاء وتدفعهم ليس للنضال بل إلى الموت مباشرة. وعن دور القيادات في تعبئة هؤلاء بالجنة دون تسليحهم بأساليب وأشكال واحتياجات النضال ليكون الموت هو غاية ما يتمناه الواحد منهم فيناله قبل أن يلحق الضرر بالعدو . لم يخطر على بال أحد ترتيب الأولويات بحيث تكون المهمة هي الإشتباك مع العدو مهما كانت النتيجة .

إنهم يذهبون وغايتهم الموت سواء تمكنوا من الإشتباك مع العدو أو تمكن منهم العدو قبل الإشتباك فتكون النتيجة خسارة صافية لنا وربح صاف للعدو.

إن الخطاب الفلسطيني يحتوي على الزيف المباشر في كل ما يتعلق بجزاء الجنة ويلجأ الى هذ الخطاب بشكل ذرائعي في أغلب المناسبات .ثم إن السؤال الأهم الذي يغيب عن البال هو : كيف تمكن العدو من قنص فريسته بسهولة خارج الإشتباك ؟

 ذلك أن حقائق النضال الفدائي البسيطة تفترض أن يبادر الفدائي للإشتباك والهجوم لا أن يكمن له العدو ويفاجئه في مخدعه أو مأمنه .

نحن نتحدث في هذا الموضوع بعد خبرة تتجاوز نصف قرن خاضها الشعب الفلسطيني في الخارج والداخل وبكل الأشكال . والشعب الفلسطيني خاض هذه التجربة ببطولة منقطعة النظير عسكريا وجماهيريا ولكنه عانى منها الكثير بحيث كانت نتائجها محصورة في التضحيات الجسام دون تقدم على صعيد القضية.

إن القضية لم تتقدم بل المشروع الصهيوني هو الذي لا زال يتقد رغم هذه التضحيات الجسام .

ولا زالت ممارسات الكفاح الوطني الفلسطيني في حدودها البسيطة رغم تراكم التجربة والخبرة التي يمكن استخلاص دروس مفيدة منها ومن تجارب الشعةب التي خاضت الكفاح الوطني في وجه قوى منظمة واقوى عددا وعدة .

والدرس الأخر المهم الذي تجاهله الخطاب الفلسطيني رغم تكرار مثل هذه المآسي يتعلق بكيفية تمكن العدو من رقاب المناضلين وهم على فراشهم . بل إنه يتم التغاضي عن هذا السؤال كنوع من الإعتراف الضمني بتفوق العدو وأدواته في هذا المجال وكأن هذا التفوق قدرا مقدورا ، وبالتالي لا يبحثون في الأسباب ولا يعالجوها بأي شكل من الأشكال .

ومن المفيد أن نقدم هنا بأن العدو يتمكن من الفلسطينيين بالإعتماد على وشايات الجواسيس ووشايات الرفاق أنفسهم من الداخل. ووشايات المزروعين الذين تمكن العدو الأمني من زراعتهم داخل الأطر والفصائل عبر العقود الممتدة وأغلبهم ممن سقطوا في التحقيق أو جرى اسقاطهم خصيصا لمثل هذه الغايات .ومنذ أوسلو لا بد من إدراج التنسيق الأمني في خدمة ملاحقة المناضلين وكشفهم وذلك أيضا بالإعتماد على سقوط ووشليات التحقيق والرقابة والزرع ..

إن أشد أشكال الخيانة هي التي تأتي من رفيق الدرب والذي يشي برفيقه للعدو أثناء التحقيق معه .. يشي بالرفاق ويقدم المعلومات عن الفصيل الذي ينتمي إليه وبما يعرفه عن غيره وبما يعرفه عن فكرة وطريقة العمل الكفاحي وعقلية المسؤولين والقيادة .

إن مجرما كهذا هو أشد خطرا من كل أنواع الجواسيس . إنه ينهار ويضعف وطنيا ومبدئيا ويتحول إلى أداة هدم خطيرة جدا ضد الحركة الوطنية الفلسطينة وفي خدمة العدو المحتل لوطننا فلسطين . وبواسطة هؤلاء تم هدم البنى التنظيمية للفصائل والزج بها في السجون دون ان تحقق غاياتها في الكفاح ضد العد .

وبواسطة هؤلاء تعرف العدو على المناضلين الخطرين وكشف مكامنهم وتمكن من الوصوا اليهم وقتلهم .

إن هؤلاء هم شركاء في عملية القتل بل إن دورهم في تصفية رفاقهم هو الدور المحوري فلولا وشاياتهم لظل رفاقهم في مأمن من العدو ولربما تمكنوا من الهجوم على العدو حسب الأصول .

كيف تمكن العدو من الثلاثة المذكورين أعلاه ؟

 تتوارد الأنباء عن إعترافات زملائهم عليهم قي غرف التحقيق أو غلاف العار .

كيف يتم التعامل مع هؤلاء الضعفاء الخونة ؟

 تعايشت في السجون مع تجربة الإستتابة . أي يطلب منه المسؤول أن يقر بذنبه بينه وبين الله ويتوب ويمارس طقوس معينة للتوبة مثل الإكثار من الندم ومن الصلاة ومن الدعاء وقراءة القرآن وكفى الله الشيخ تبعات المتابعة والتدقيق والمحاسبة .

لماذا يقبل الشيخ بهذه الحدود الربانية في المحاسبة ؟ ذلك أنه هو نفسه تواب أواب عن فعلته ومخازيه في التحقيق وأنه حوسب أو حاسب نفسه بهذه الطريق " ومن الباب إلى المحراب والكل قابض!"

إن التوبة تكون كافية عن عمل شخصي يتعلق بالشخص نفسه وله أن يتوب . وليس لنا أن نقبل توبة الخائن المجرم دون حساب ويتوجب استخلاص الدروس والعبر في كل مرة يحصل فيها عدوان على النضال الوطني من قبل أفراد ينتمون لهذا النضال . ويجب أن لا يهمنا ما إذا كانت التوبة مقبولة دينيا أم لا، ويجب أن لا نقبل التواطؤ المستمر من قبل المسؤولين الضعفاؤ مع الضعفاء أمثالهم من المنتسبين للحركة الفلسطينية .

ليست الشهادة أولا بل النضال أولا . نحن ننتمي للحركة الفلسطينية لا كي نستشهد بل كي نناضل . ولا يجب أن تكون امنيتنا الشهادة بل يجب أن تكون امنيتنا وحلمنا أن نهزم العدو ونحرر الوطن .

هنا لا نقبل أن نعرض جسد الحركة للنهش دون حماية . والحماية تكون بطرق عدة من بينها تحصين المناضلين بثقافة الصمود وبقاعدة أن الإعتراف في التحقيق والوشاية بالآخرين هو خيانة . وأن المعترفين يحاسبون لا بالإستتابة بل بأقصى درجات الإيذاء بما في ذلك الإعدام كل حسب جرمه .فالذي يمكن العدو من رقاب رفاقه وقتلهم إنما يقد خدمة جليلة للعدو ويخون الكفاح الفلسطيني عموما والفصيل الذي ينتمي إليه ورفاقه .

وكذلك لا بد من اجتراح والوسائل والطراق الفعالة والمضمونة للحماية ولممارسة الكفاح نفسه ولا بد من تطهير التنظيم من الوشاة والضعفاء والمتسلقين والمزروعين والقادة المتهاونين وتحميلهم مسؤولية التقصير

 ليست الشهادة أولا وهي بالأساس يمكن أن تأتي أو لا تأتي فلم يسبق في اية تجربة ان مات كل المناضلين ، ويجب أن لا تكون هي الهدف . ولكن التعبئة بأن الشهادة هي بحد ذاتها هدف هي تحشيد مزيف يفيد القادة الضعفاء الذين يسقط من عناصرهم كثرة كثيرة في السجون والقبور بحصيلة متدنية بميزان الربح والخسارة وبمواجهات محدودة مع العدو .

عندما تقع هذه المصائب وبشكل متكرر يتوجب أن نسأل عن دور الفعل القيادي في استخلاص الدروس والعبر والمحاسبة باستمرار على كل خطأ يتعلق بالأمن والفساد والجبن