في التاريخ مواعظ
تاريخ النشر : 2013-11-28 15:16

موقف الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة من الأراضي الفلسطينية المحتلة في حرب حزيران 1967 بشكل عام، والقدس بشكل خاص، مبني على منطق القوّة، وحسب نظريتهم المعروفة ما لا تستطيع تحقيقه بالقوّة، تستطيع تحقيقه بقوّة أكبر، وهذا يعني تغييب العقل، وعدم الاتعاظ من التاريخ، فهم وإن درسوا تاريخ الصراعات والحروب بين الدّول، ودرسوا تاريخ القدس الشريف أيضا، فانهم لا يتعظون من حكمة التاريخ ومنطق الأمور، وأبسطها أن القويّ لا يبقى قويّا الى الأبد، تماما مثلما هو الضعيف لا يبقى ضعيفا هو الآخر الى الأبد، فامبراطوريات انهارت، وصعدت قوى جديدة الى الساحة الدولية لم يكن يتوقعها أحد، وأن القوّة العسكرية لم تحقق سلاما لأيّ من الدول القوية.

غير أن منطق القوة العسكرية ينهار أمام العقائد الدينية، وهذا ما لا يريد الاسرائيليون فهمه أو الاقتناع به في التعامل مع مدينة القدس العربية المحتلة، بما فيها من مقدّسات للعالمين الاسلامي والمسيحي، لذا فانهم يمعنون في اعتداءاتهم على المقدسات الاسلامية في المدينة، وتجلى ذلك بتجريف المقابر مثل مقبرة مأمن الله-ماميللا-. ويواصلون تدنيسهم وانتهاكاتهم لحرمات المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وأحد المساجد الثلاثة التي تشدّ اليها الرّحال، ومعراج خاتم النبيين، ولم يكتفوا بمنع المصلين الفلسطينيين من ابناء الأراضي المحتلة من دخول القدس والصلاة في مساجدها وكنائسها، بل انهم يستبيحون المسجد الأقصى، بشكل شبه يومي، كما يواصلون الحفريات تحت أساساته، ويعملون على هدمه، أو تقسيمه في أحسن الحالات لبناء ما يسمونه الهيكل، مع أنه لا يوجد اجماع يهودي على المكان الذي كان فيه الهيكل المزعوم. فالبعض منهم يؤمن بأنه لم يكن في القدس ولا حتى في حدود فلسطين التاريخية.

وقد سبق الاسرائيليون غزاة آخرون، احتلوا القدس، وقتلوا مواطنيها، ودنسوا دور عبادتها وفي مقدمتها الأقصى الشريف، فالفرنجة احتلوا القدس في العام 1099م، وقتلوا سكانها جميعهم وهم يحتمون في المسجد الأقصى، ودنسوا المسجد واستعملوا جزءا منه-المسجد المرواني- اصطبلا لخيولهم، وبنوا قلاعهم الحصينة، الى أن جاءهم أحد أكراد الشام وهو صلاح الدين الأيوبي، وحرر المدينة منهم في العام 1187م، وليتبعه السلطان المملوكي قلاوون ويكتسح الساحل الفلسطيني محررا المنطقة من احتلال الفرنجة، وما كان صلاح الدين الأيوبي ليستطيع تجييش الجيوش لمحاربة الفرنجة لولا المسجد الأقصى الذي لا يقبل المسلمون أن يكون تحت سيادة غير سيادتهم كونه جزء من عقيدتهم.

واذا كانت القيادات العربية قد اكتفت بشجب واستنكار الاعتداءات على المسجد الأقصى، مكتفية بوعود "الصديقة" أمريكا بانهاء احتلال المدينة المقدسة، فان الشعوب العربية والاسلامية لن تصبر على هذا الاحتلال الى ما لا نهاية، وأن أيّ مسّ بالمسجد الأقصى سيشعل حروبا دينية، سيعلم مشعلوها متى ستبدأ لكن أحدا غير الله لن يعلم متى ستنتهي، لكنها بالتأكيد ستحصد أرواحا كثيرة، من كلّ أطراف الصراع، ولن ينجو من سعيرها أحد مهما كانت قوّته أو ضعفه.