الفلسطيني في تشرين الثاني بين الافتراضي والمخاوف
تاريخ النشر : 2013-11-27 10:58

حمل شهر تشرين الثاني معه أحداثاً وقرارات منها ما يتصل بالتطلعات والأماني ومنها ما يتصل بالمخاطر التي تتعلق بقضية الشعب الفلسطيني. ففي الخامس عشر من الجاري مرت الذكرى الخامسة والعشرون لإعلان وثيقة الاستقلال الافتراضي في عام 1988 خلال الدورة التاسعة عشرة لدورة المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر. هذا الاستقلال يحرص أصحابه على إحياء مناسبته سنوياً على الرغم من أنه بقي افتراضياً دونما تحقيق وحتى في كنف اتفاقات «أوسلو» بقي على حاله.
وللعلم فإن هذا الاستقلال ليس الأول من نوعه فقد سبقه إعلان للاستقلال من قبل حكومة عموم فلسطين في عام 1948. وقبل أيام وفي الثاني والعشرين من الجاري صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار يؤكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير. هذا القرار الذي عارضته كل من الولايات المتحدة الأميركية والكيان «الإسرائيلي» والذي سيبقيانه افتراضياً ليس إلاّ في ظل السلوك السياسي الذي تنتهجه السلطة ومن ورائها منظمة التحرير في التعاطي مع العناوين المصيرية للشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية باستخفاف وتراخٍ أمام عدوانية حكومة الكيان «الإسرائيلي» التي لا حدود لها. وحث قرار الجمعية العمومية جميع الدول ومؤسسات الأمم المتحدة والوكالات المتخصصة على دعم الشعب الفلسطيني ومساعدته على نيل حقه في تقرير المصير في أقرب وقت. وبعد أيام يحيي الشعب الفلسطيني ذكرى قرار التقسيم في عام 1947 والذي حمل الرقم 181. وقد دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1977 إلى الاحتفال بالمناسبة في 29 تشرين الثاني من كل عام تحت عنوان اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني .
هذه الأحداث والقرارات مع ما حملته إلى القضية الفلسطينية من أهمية إلاّ أنها لا ترتقي إلى مستوى تحقيق أماني وتطلعات الشعب الفلسطيني على أرضه فلسطين مادامت حبيسة الواقع الافتراضي واستمرارها حلماً يراود جموع الفلسطينيين ليتحول مع الأيام وقوفاً على أطلال هذه التطلعات دونما بارقة تلوح بقرب إنجازها خصوصاً مع ما تشهده الساحة الفلسطينية من انقسام تحوّل إلى قَدَرٍ ثقيل على كاهل الفلسطينيين بسبب طرفي الانقسام «فتح» و»حماس» الأمر الذي يشكل بالنسبة إلى «إسرائيل» البيئة المناسبة للمضي ببرنامجها القاضي بفرض الوقائع الميدانية على عناوين القضية الفلسطينية. ناهينا عما تشهده المنطقة من أحداث وتطورات كبرى منذ آواخر عام 2010 حيث تراجع الاهتمام بالقضايا القومية وفي مقدّمها القضية الفلسطينية لصالح الاهتمام والتقوقع في الحدود القطرية لكل بلد عربي. وعلى وقع هذه الأحداث اندفعت الإدارة الأميركية فارضة استئناف المفاوضات مختلة ميزان القوى لصالح كيان الاحتلال «الإسرائيلي» لأسباب لم تعد مخفية على أحد وفي مقدمها أن السلطة ومفاوضيها لا خيارات لديهم إلاّ المفاوضات ومهما تكن النتائج. وقد عبر صائب عريقات كبير المفاوضين عن حال المفاوضات بالقول: «إن «إسرائيل» تفاوض «إسرائيل» ونبيل شعث وصف المفاوضات بحوار الطرشان.
ويبرز من بين كل هذه الأحداث والتطورات قبل أيام الاتفاق التاريخي بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية على ملفها النووي ودول 5 1 ليشكل الاتفاق صفعة قوية إلى حكومة نتنياهو التي أقامت الدنيا ولم تقعدها في وجه الإدارة الأميركية. فعلى الرغم من حالة الإرباك والارتباك اللذين يعيشهما الكيان على مختلف مستوياته إلاّ أن نتنياهو وغلاة ائتلافه الحكومي يدركون جيداً أن التحولات قد بدأت في العالم أجمع وقواعد اللعبة آخذة في التغير لصالح قوى دولية وإقليمية صاعدة ليس بمقدور أحد أن يوقف عجلتها أو يعيد عقاربها إلى الوراء. وما كان هذا ليحصل لولا الصمود السوري في مواجهة ما تتعرض له الدولة السورية بكل مكوناتها ومن ثم رسوخ وثبات مواقف حلفاء سورية. وهم أي نتنياهو وائتلافه يسعون من وراء الضجيج إلى رفع ثمن موافقتهم على الاتفاق أو القبول به ولو على مضض على أن يكون الثمن في فلسطين أي بمعنى أن تسامحهم الإدارة الأميركية بها ولا تمارس الضغوط عليها «وهي أصلاً لا تمارس هذه الضغوط إلاَ لفظياً» بشأن الاستيطان وتهويد القدس والاستيلاء على المقدسات فيها. وصولاً إلى فرض الاعتراف بيهودية الكيان وشطب حق العودة قطعاً في الطريق على المعركة الديمغرافية التي تتزايد يوماً بعد يوم بين الكيان والفلسطينيين.
في ظل ماتقدم فإن الخشية من أن تضيع بقايا القضية في دهاليز قرارات ووثائق عالمها افتراضي ليس إلاّ حيث لا سند واقعياً قد يحقق تطلعات وأماني الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره واستقلال ناجز على أرضه فلسطين وعاصمتها القدس بفعل مقاومة أثبتت أنها الطريق الوحيد في مواجهة أعدائنا وأطماعهم.