مفاوضات "تسيير الأعمال"
تاريخ النشر : 2013-11-27 10:07

غريب الشأن الفلسطيني ومثير لكثير من التساؤلات، عندما يتعلق الأمر بمسيرة التسوية، والتفاوض غير المجدي مع الكيان المحتل، والأغرب في هذه المسيرة ما تم قبل أيام قليلة مع تأكد استقالة الوفد الفلسطيني المفاوض، التي ثار حولها كم كبير من الأسئلة، لكن الأغرب والأعجب الإخراج الذي توصلت إليه القيادة الفلسطينية لهذه الأزمة بتكليفها الوفد نفسه "تسيير أعمال" التفاوض، مستعيرة مبدأ لا ينطبق إلا على هيئات تنفيذية على مستوى الحكومات المستقيلة أو المقالة التي تكلف المضي في عملها حتى تعيين أخرى .
هذا التكليف كشف أكثر من معلم للسياسة الفلسطينية الحالية وموقفها من التفاوض، الذي تتعامل معه "إسرائيل" كتكتيك بينما تتعامل مع السلطة كخيار استراتيجي أوحد لا ثاني له أو بديل، إضافة إلى أنه كشف عجز السلطة الواضح عن إدارة دفة الأزمة على أكثر من مستوى، فمن ناحية أنتج عجزها في مواجهة من تفاوض، تململاً في صفوف الوفد الذي استقال، الأمر الذي لم تجد وسيلة فاعلة للتعاطي معه وإدارة أزمته، بقدر ما حاولت "ترقيعه" لحين إيجاد حلة جديدة للوفد المفاوض .
كانت الخطوة الطبيعية المنتظرة من القيادة الفلسطينية أن توقف هذا العبث اللا متناهي الذي تقوده ''إسرائيل'' وتحرص من خلاله على كسب الوقت لتثبيت المزيد من الوقائع، وتوسيع رقعة تغولّها الاستيطاني في الأرض المحتلة، ومواصلة اختطاف القدس وعمليات تحويلها إلى ما تسميه ''عاصمة موحدة'' لكيانها العنصري، وكان الأولى أن نسمع تصريحاً واضحاً بتجميد التفاوض غير المجدي، وتذرعاً باستقالة الوفد المفاوض إن عزت الذرائع، لكن هذا كله لم يكن .
الكيان ليس حريصاً على المفاوضات، وليس حريصاً على التوصل إلى حل للصراع التاريخي أيضاً، ومجرد تبرئة المتطرف أفغيدور ليبرمان من التهم التي لاحقته، واستعادته موقعه وزيراً لخارجية الاحتلال، يكشف أن الأخير ماضٍ في مخططاته، ولن يقدم للفلسطينيين دولة على طبق من فضة .
أما آن الوقت لرفع الصوت في وجه هذا العبث ''الإسرائيلي'' المكشوف؟ وأما آن الوقت للقيادة الفلسطينية أن تضع حداً لانحيازها التام إلى وسيلة ثبت فشلها وتداعيها وهرمها؟ المنتظر ما هو أكثر من البحث عن وفد جديد للمفاوضات، والمطلوب يتخطى ذلك إلى تحميل مسؤولية الفشل في حل النزاع للطرف المسؤول عن ذلك حقاً، وملاحقة جرائم الكيان المحتل وقادته دولياً والضغط عليهم أكثر، والاعتماد على القوى الحية والمؤثرة في العالم في دعم الموقف الفلسطيني .
الوضع لا يحتمل مزيداً من التفاوض، فهذا أمر زاد عن حده، ولم يعد يمثل أكثر من أداة للتلهي وتضييع الحقوق الفلسطينية، ولذلك فإن استبدال فلان أو تعيين علان ليس حلاً لأساس المشكلة، التي كشف عنها الوفد المستقيل بكل بساطة، ف"إسرائيل" تُفشل العملية وتنتهج التسويف وترحيل الملفات الأساسية وتضع أجندة جلسات التفاوض كما يناسبها، وفي ذلك دليل واضح على فشل العملية ككل والحاجة إلى إعادة النظر فيها، وفي الاستراتيجية الفلسطينية لإدارة الأزمة وإنهاء الصراع .
عن الخليج الاماراتية