عندما تنبأ ماركيز بـ"100 عام لعزلة غزة"!
تاريخ النشر : 2015-02-28 09:48

كتب حسن عصفور/ لم يكن الكاتب العالمي غابرييل غارثيا ماركيز، الكولومبي الأصل أن راويته الخالدة "مائة عام من العزلة" ستدخل التاريخ" من باب غير الباب الذي اختاره لروايته الأشهر، وفي منطقة غير منطقته أو بلدته "الخيالية ماكوندو" منذ نشرها بالمكسيك عام 1967، وهو بالمصادفة أيضا، عام النكسة في بلادنا بعد عدوان هدف الى تدمير حركة الطموح الوطني تحقق بعضا منه لزمن طال أمده..

ولو عادت الأيام بالكاتب الأشهر عالميا، لاختار قطاع غزة بديلا "واقعيا" لتكون مسرح أحداث  روايته "الأوسع انتشارا في عالم الأدب"، واسماء عائلاتها وصراع قواها السياسية، بقطبي أزمتها الداخلية، حماس وفتح، بديلا للمحافظين والأحرار، صراع أنتح من الكوارث والويلات ما فاق كل تصور للإنسان الفلسطيني، ولم يكن يوما ذات الصراع يخطر ببال أو يمر بذاكرة عابرة، صراع بين قوى تدعي يوميا أن "عدوها الأول" هو الاحتلال الاسرائيلي، وانهما يجهدان للخلاص منه، لكنهما بوعي أو بدونه، بعلم أو بلا يطيلان زمن الاحتلال كما لم يحلم من قاموا به عام 1948 ثم تكرر بنسخ مختلفة، عام 1956، وعام 1967، الى أن شهد طبعاته الجديدة، مع انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة..

قبل ايام اصدرت منظمة "أوكسفام" الانسانية البريطانية، تقريرا أشار الى أن "عملية إعادة إعمار قطاع غزة قد تستغرق مائة عام، طبقا للمعدلات الحالية، لإدخال مواد البناء، إن لم يتم رفع الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع".

والحقيقة، ايضا، التي ربما اصابت واضعي التقرير بالخجل من كتابتها أن هناك سبب اشار له أمين عام الجامعة العربية، واعتبره أساس ذلك "الخراب"، صراع حركتي فتح وحماس، ما يمنع سير اعادة الإعمار بمعدله الذي كان يجب أن يكون، ولكي لا ننشغل في من هو الأصدق أو الأكثر مقاربة بالواقع في تأخير اعمار القطاع، أهو الحصار الاسرائيلي فقط، ام تكالب فتح وحماس على سرقة المشهد فقط، ام كلا السببين بالتوازي والتتالي، ولا فرق إذ أن ذلك هو سبب "خراب القطاع"..

الفضيحة الأكبر أن تقرير المنظمة الدولية، تم تناوله، كخبر جاذب للدموع والعواطف الانسانية، قد يذرف البعض المخزون دموعا تنتهي بانتقاله لسماع خبر جديد في مسلسل "الكارثة الكبرى لفلسطين"، بأحداثه اللامنتهية، لكن الفاجعة المرعبة بأن "عزلة القطاع ستدوم 100 عاما من الحصار"، ليس سوى وجه من أوجه النكبة الثانية..

فحصار قطاع غزة، ليس سوى حصار للقضية الوطنية بكاملها، فمن يظن أن هناك "دولة فلسطينية" بدون قطاع غزة، ليس سوى واهم إن أحسنا النيه، وخائن إن كان هناك من يعمل لها في داخل أهل فلسطين..

فمن يظن أن باستطاعته تمرير "فصل القطاع في ثوب البحث عن حل للكارثة"، وإقامة "إقليم سياسي مثيلا لإقليم "هونج كونج" الصيني، رغم انه عاد للوطن الأم، لكنه لا زال له سمة سياسية غير بقية أقاليم الصين الشعبية، هو خائن وطني مهما تذرع وبحث عن ما يمنحه ذلك "الممر الاجباري للخيانة"، فلا خيانة وطنية تبررها الحاجة مهما بلغت درجتها..

 ومن يظن أنه سيبقى بعيدا عن القطاع، باحثا عن "تقاسم وظيفي مع دولة الاحتلال" ، منتظرا عالم الغيب السياسي، او زلزلة سياسية من خارج البلاد، لهو شريك في الخيانة مرتين، مرة بتقاسمه الوظيفي مع العدو، ومرة بسماحه المنتظر لفصل القطاع عن جسد الوطن، كي يقول أنه بريء!

من حق المنظمة البريطانية أن تحسب مدة الزمن وفقا لمعايير البناء التقليدية، وتصل بخلاصتها الى ذلك الرقم "الماركيزي"، لكنها بالقطع لم تحسن عملية حساب أهل فلسطين، بأن لهم طريقة حساب مستمدا من "الوصف العرفاتي"، فـ"شعب الجبارين" لا يمكنه أبدا أن يقف متفرجا على من يقدم على تمزيق الوطن والمشاركة بحصاره بمسميات عدة، مهما إعتقد البعض المصاب بهزيمة داخلية أن "الإحباط سيبقى سيد الموقف"، وأن العجز عن التمرد لم يعد حاضرا..

العزلة الماركيزية تصطدم حتما بالوصف العرفاتي، وأن الثورة التي انطلقت عام 1965 في ظروف علها كانت أكثر صعوبة مما هو الآن، حيث لم تستقبل كما ظن مفجروها الأوائل، بل أن الريبة والشك بل والتخوين التصقت بهم، الى أن جاءت النكسة - الهزيمة التي كشفت حقيقة الثورة المعاصرة لشعب فلسطين..

الآن كل شي بات جاهزا لتفجير تمردا عاما لكي لا يستمر الاحتلال والحصار والتكالب على سرقة الوطن وبقايا الوطن..أنه زمن انطلاقة هبة شعبية لكي لا يستمر الاحتلال مائة عام اضافية..

التحدي بات واقعا، والثورة عليه سيصبح واقعا في زمن هو أقرب لما يظن الخائبين!

ملاحظة: حاول اصحاب المصالح أن يسخروا من رفض قوى الشعب لاتفاقية العار – الغاز..سذاجة الساخرين تحت عنوان " الخبراء والتفاصيل" لا تمر..زمن الاتفاقية وحده دون الحاجة لسؤال هو عار وطني مدو!

تنويه خاص: وكأن غسان مطر رفض أن يرحل كما يرحل الانسان العادي..اختار رحيلا "دراميا" وكأنه يمثل آخر أعماله الفنية..سلاما يا كوتش ابا جيفارا!