حرية المديح والنقد
تاريخ النشر : 2013-11-26 15:02

أن نكتب في السطر الأول فإن كلمة (اقرأ) هي التي تتبادر الى الذهن ، و(باسم ربك) الذي خلق ، وليس القراءة كائنة باسم أي من عبيده ، فالله عز وجل جعل من اسمه ذو الجلال والإكرام حالة عتق من النار، وحرية ما بعدها حرية من عبودية العبيد، لذا كان الايمان بالخالق وعبوديته قمة الحرية من عبادة الناس أي ناس مهما علا شأنهم.
إن الحرية ليست منّة من أحد أبدا فهي منحة من الرب كما قال الخالد عمر بن الخطاب، وان حرية الايمان والتعبير والقول تتحدى حوائط العقل التي يشيدها العبيد حول عقولهم فلا يستطيعون التفكير بسببها خارج صندوق السيد وأوامره ونواهيه.
لم تعد الحرية مقالة تستوجب التوقف عندها لولا حال المسلمين والعرب اليوم الغارقين في غياهب جاهلية النص والمعنى ، وجاهلية الأخذ غير الرشيد لما تم تسطيره في زمن كان، ولأن الحرية أصبحت لصاحب المقام أو السلطان الدنيوي الفكري أو الفكراني (الأيديولوجي) أو الفقهي أو للحاكم تعني حرية المديح والثناء والإشادة فقط.
يقول السفير معصوم مرزوق في صحيفة الأهرام (أنه مهما تحلى الانسان بقوة الشخصية ، فإنه يضعف كثيرا أمام الإطراء حتى لو كان واضح الكذب) في استهجانه لمن أسماهم (جوقة الكهنة المنافقين) الذي يمدحون الآخرين فيخدعون أنفسهم، فيما أشار اليه بدعوتهم لإجبار الفريق السيسي بقبول الترشح للرئاسة.
ويذكر مثالا عن مديح كيسنجر للرئيس الأمريكي نكسون اثر أحد خطاباته عن حرب فيتنام عام 1971 حيث طرب الرئيس أيما طرب عندما قال له كيسنجر (أنه أفضل خطاب لك منذ أن توليت منصبك) رغم عدم صحة ذلك، ما حدى بنكسون أن يعود للاتصال بكيسنجر عدة مرات ليسمع المديح والثناء.
ما نريد قوله أن الثناء والمديح ضرورة، ولكن في موضعها، وباعتدال وبلا كذب أوتدليس، وذلك لا يعني مطلقا تجريد السيف ضد المخالفين من جهة ، ولا يعني أن نجعل من كلماتنا عصابة على أعين القادة فنضللهم.
إن المديح أو الإطراء واجب في مقامه ما لا يلغي النقد إذ أن أحد أهم وسائل الاتصالات الحديثة واسمها (أسلوب الشطيرة) تفترض معادلة هامة هنا هي (مدح – نقد – مدح) بحيث يأتي النقد ما بين مديحين لتمكن المخاطَب من تقبله بمحبة، فما بالك إن كان المقصود هو رئيسك في العمل أو الشركة أوالحزب أو كان رئيس الدولة أو رئيس وزرائها مثلا.
إن العلاقة بين حرية الرأي وحسن الاستماع وطيدة، كما العلاقة بين الحرية وحسن استخدامها بعدم التكفير أو التخوين أو التشهير ما لا يعني جدلا إلغاء النقد، لأنه كما قال عمر بن الخطاب (رحم الله امرءا أهدى الى عيوبي) ولأنه (من استبد برأيه هلك ، ومن شاور الرجال شاركها بعقولها) كما يقول على ابن أبي طالب ، وهو على حربة ضد الخوارج قال فيهم ( لا تحاربوا الخوارج بعدي فليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه) وهذه حرية وديمقراطية فريدة ، وهو لم يسجنهم لمخالفة الرأي أبدا بل رفض طلب من اشار عليه بذلك حتى رفعوا السيف فحاربهم.
في مرة من المرات أخذ أحد الرجال بتلابيب أبو بكر الصديق وهو خليفة لأكبر امبراطورية ناشئة في زمانها، وأساء له بالقول فكادالصحابة يفتكون به طالبين من أبي بكر قتله، فقال الصديق: أن هذا لا يجوز إلا لصاحب هذا القبر أي الرسول عليه السلام.
إننا أحوج ما نكون اليوم لكلمة الحق ، ولحسن التواصل، وحسن الاستماع كما حاجتنا للمديح في مقامه وللنقد في أسلوبه الثري وغير الفاسد، نقولها في حضرة السلطان العادل ونقولها في حضرة الجور أجاءت من مسؤول سياسي أم اعلامي أم فكري، لأنه أعظم الجهاد كما قال رسول الحق والبشرية.