الأزمة المالية للسلطة الفلسطينية : والعودة لكينز !!
تاريخ النشر : 2015-02-25 10:23

لقد استطاعت إسرائيل بسياساتها التوسعية والتمددية السيطرة على جزء كبير من مفاصل الاقتصاد الفلسطيني بشكل مباشر عبر نهب الأراضي والمياه والاستيطان والسيطرة على مناطق C وغيرها من الموارد الاقتصادية للفلسطينيين, وبشكل غير مباشر من خلال شروط التبادل التجاري القائمة على أسس غير متكافئة وجعل الاقتصاد الفلسطيني تابعاً وداعماً للسوق الإسرائيلي, حيث ومنذ توقيع منظمة التحرير الفلسطينية لاتفاقية أوسلو مع إسرائيل لا زالت السلطة الفلسطينية تعاني من أزمات متتالية ومستمرة ودائمة مع الاحتلال الإسرائيلي, وهذا يستوجب من السلطة الفلسطينية إيجاد حلول دائمة وليست مؤقتة بالاعتماد على سياسة اقتصادية تؤدي لدولة رفاه اقتصادي وهي الدولة التدخلية الكينزية بدلاً من اقتصاد السوق الذي أثبت وخلال عشرون عام أنه أداة أساسية لإعاقة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الأراضي الفلسطينية, كذلك من الحلول الدائمة هي الضغط على إسرائيل للاستفادة من الموارد الاقتصادية التي تقع ضمن السيطرة الفلسطينية, حيث أن الاستفادة والثمار الاقتصادية التي حصلت عليها إسرائيل في العشرين عام الأخيرة ( عهد السلطة الفلسطينية) هي أعلى بكثير لتلك المكاسب التي تم جنيها في عشرون عام أثناء الاحتلال وتحديداً الفترة 1986-1967م, حيث تشير التقديرات ان المكاسب التي جنتها إسرائيل أثناء الفترة 1986-1967م قد بلغت 22 مليار دولار, وذلك من خلال فروق الأجور للعاملين الفلسطينين مقارنة بالعاملين الإسرائيليين والسيطرة على المياه والسياحة وغيرها, أما في الوقت الراهن فحجم المكاسب الاقتصادية أكثر بكثير, حيث لا تقل سنويا عن 7 مليار دولار من خلال استغلال مناطق C والتي قدرها البنك الدولي ب 3 مليار دولار, وغاز بحر غزة المكتشف منذ العام 1999 المقدر بحوالي 4 مليار دولار, وآبار النفط في الضفة الغربية , وريع الشيقل في الأراضي الفلسطينية التي تستحوذ على 10-8% من قيمة الشيقل المصدر من البنك المركزي الإسرائيلي , إضافة لحجم التجارة الخارجية مع إسرائيل والتي تقترب من 4 مليار دولار, وعند تتبع ما يجري في الأراضي الفلسطينية وتحديداً استمرار الانقسام السياسي فيتضح أنه من الأسباب المهمة في استمرار إسرائيل لنهب الاقتصاد الفلسطيني حيث أدى لإضعاف الموقف السياسي الفلسطيني المطالب بنيل الحقوق الوطنية والحصول على دولة مستقلة على حدود الرابع حزيران 1967م, وعليه فإن استمرار الانقسام واستمرار احتلال الضفة وقطاع غزة يضيف لخزينة الحكومة الإسرائيلية 7 مليار دولار سنوياً , مقابل خسارة للاقتصاد الفلسطيني وتراجعاً قد يؤدي لحالة من الانهيار الاقتصادي, وقد تلجأ إسرائيل لاستمرا ر توسعها تعزيز الانقسام وتخفيف الحصار عن غزة جزئياً وإضعاف الموقف الفلسطيني لأعوام قادمة تستطيع من خلالها ضم وإلحاق أجزاء من الضفة الغربية والسيطرة على جُل الموارد فيها وكذلك غاز بحر غزة ,وإبقاء السوق الفلسطيني كسوق طرفي يعمل وفقاً للمركز الإسرائيلي, هذا الوضع الذي يمر به الاقتصاد الفلسطيني في الوقت الراهن يُعتبر الأسوأ منذ عقود, وتبقى الحلول ضعيفة ومتواضعة وفقاً للإمكانيات المتاحة, ومن الحلول التي من الممكن أن تساعد في علاج المشكلة المالية للسلطة الفلسطينية والتي تُختزل بأزمة الرواتب كونها المورد الذي يعني وجود السلطة الفلسطينية, إعادة النظر بالسياسة الاقتصادية المتبعة في الأراضي الفلسطينية وهي السياسة النيو ليبرالية عبر زيادة تدخل السلطة ( العودة لسياسة كينز الاقتصادية) وتنشيط دور القطاع العام , وإعادة النظر ببنود الموازنة الفلسطينية والبحث عن مصادر لتمويل الموازنة إلى جانب المساعدات والمنح وضرائب المقاصة , كفرض ضرائب تصاعدية على الدخل , وزيادة الضريبة المباشرة , ومنع التهرب الضريبي, والعمل على توفير الرواتب بانتظام لأن نسبة كبيرة من العاملين بالجهاز الحكومي هم من الطبقة الفقيرة والمتوسطة والتي تعتمد بشكل كبير على الرواتب , وتأخير تلك الرواتب من شأنه إحداث تدهور في الأسواق وحدوث مزيداً من الركود والتراجع الاقتصادي , وتحقيق المصالحة والتوجه نحو البعد العربي والذي تعهدت بتقديم شبكة للأمان المالي للسلطة بمبلغ 100 مليون دولار شهرياً وللانقسام أحد أسباب عدم التزام الدول العربية بذلك.
ومن نافلة القول أنه في كل يوم يستيقظ الفلسطيني يدفع 4.5 دولار لجيوب الإسرائيليين بسبب استمرار الاحتلال , علماُ بأن 60% من الفلسطينيين يعيشوا يوميا دون 2 دولار , وهذا يعني أنه لولا وجود الاحتلال لبلغ الناتج المحلى الإجمالي ضعف الناتج الحالي , وبالتالي فإسرائيل تتقاسم الموارد الاقتصادية جنباً إلى جنب مع الفلسطينيين الباحثين عن رغيف الخبز ..

*باحث اقتصادي - غزة