مركز أبحاث إسرائيل: الربيع العربى لم يجلب الاستقرار لأى دولة فى الشرق الأوسط
تاريخ النشر : 2013-11-26 00:53

أمد / تل أبيب : فى محاضرة نشرها مركز أبحاث الأمن القومى الإسرائيلى، مؤخرًا، لرئيس جهاز "الشاباك" الإسرائيلية السابق "يوفال ديسكين" أمام جنود وضباط "الشاباك"، قال فيها، إن الربيع العربى لم يجلب حتى الآن الاستقرار لأى دولة فى الشرق الأوسط، لكنه جلب "ديمقراطية للحشود الضخمة وليس للغالبية"، فالشعوب فى الشرق الأوسط أدركت فجأة قوتها وقدرتها على إحداث ثورات واستبدال أنظمة حكم، وأدركت هذه الحشود أن كتلة ضخمة من البشر غير راضية، وسيجد النظام صعوبة فى السيطرة عليها.

وأشار "ديسكين" إلى أنه من الناحية السطحية يمكن ملاحظة أن كافة الشروط تتوفر لدينا، كى تستيقظ الحشود الفلسطينية، ففى الضفة الغربية يتصاعد التوتر والإحباط وسط السكان الذين يشعرون أن أراضيهم تصادر، ويشاهدون البؤر الاستيطانية والمستوطنات تبنى، ويدركون حقيقة أن الدولة التى يأملون بها تبتعد عنهم، وحتى الاقتصاد لم يعد شيئًا يمكن التعزى به، ويتعاظم الإحساس بالقمع والاضطهاد، مقابل تصاعد الغضب بسبب الاعتداءات المتواصلة من قبل المستوطنين.

وتطرق المركز إلى تصريحات "ديسكين " التى ذكر فيها أن الخطر هو الإحساس الذى بدأ يسود الجماهير الفلسطينية بأنه لا يوجد مستقبل، بل يوجد ماض فقط، والمستقبل لم يعد قائمًا، لذلك تحصل البدائل الاجتماعية العميقة بشكل عام ببطء، وعلى مدار سنوات كثيرة، فجيل الشباب الفلسطينى يرى ظاهرة "الربيع العربى" فى الشرق الأوسط، ويلاحظ ضعف السلطة الفلسطينية، ويعانى من الاقتصاد المخنوق تحت الاحتلال.

وأكد "ديسكين"، أن هذا جيل يضم نسبة عالية من المثقفين خريجى الجامعات، لكن البطالة فى صفوفهم هى الأعلى، فمئات آلاف الشبان المثقفين عاشوا تحت الاحتلال ساخطون وغاضبون ومحبطون وبدون أمل، ويبحثون عن هدف لتفريغ ذلك، معتبرًا أنه من السهل تخمين ماذا يمكن أن يكون هذا الهدف، كل ذلك يشكل "أبخرة وقود" يتصاعد تركيزها لمستوى تكفى فيه شرارة صغيرة لإحداث انفجار كبير.

وأشار "ديسكين" إلى أن الشرارة الصغيرة لغضب الشباب الفلسطينى، قد تكون حادث طرق، كما حدث فى الانتفاضة الأولى، التى اندلعت فى ديسمبر 1987، لافتًا إلى أن خروج حشود ضخمة من الفلسطينيين للشوارع سيناريو محتمل، وليس مستبعدًا، وطبيعة مثل هذه الأحداث تخرج عن السيطرة، وتساءل "ديسكين": هل يمكن الخروج من المسار ذى الاتجاه الواحد الذى يؤدى لمواجهات بدون نهاية لها؟ المطلوب أولا عدة فرضيات أساسية مهمة:

أولها: "استراتيجية "حل الدولتين لشعبين" هى الاستراتيجية التى تقود إسرائيل، وأنا مؤيد لها، لكنى أعتقد أننا قريبون جدًا من نقطة اللاعودة التى لا يمكن بعدها تحقيق هذا الحل على الأرض، لأن غالبية القضايا الجوهرية فى الصراع، تتركز فى الضفة الغربية، والقضايا الأكثر تعقيدًا هى تسوية الأراضى وحق العودة وحل قضية القدس، وخاصة الحرم المقدسى والحدود الشرقية – الأغوار.

ثانيها: "انقسام السلطة الفلسطينية بين فتح فى الضفة الغربية، وحماس فى قطاع غزة، يعتبر مشكلة مصيرية فى المحادثات، والقدرة على التوصل لتسوية نهائية وتامة".

ثالثها: "الخارطة السياسية الائتلافية الحالية فى إسرائيل لا تسمح بتطبيق أية تسوية مع الفلسطينيين، كما أن عدم الثقة بين القادة يصعب التوصل لتسوية كالتسويات السابقة، والأجواء العامة فى الطرفين لا تسمح بالتوصل لاتفاق يمكن تطبيقه."

وأوضح "ديسكين"، أن الهدف الأول الذى يجب السعى نحوه هو التعايش، الذى يشكل البنية التحتية للتوصل لاحقًا للسلام، ويجب أن يكون مبنيًا على أرضية صلبة من المصالح المشتركة لعدد من الدوائر "المعنية"، وهى الدول ذات المصلحة المهمة فى حل الصراع مثل (مصر والأردن والسعودية ودول الخليج)، بما فى ذلك قطر، وبالطبع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى وروسيا ودول أخرى.

وطالب "ديسكين" بإدخال الأردن ومصر بشكل معمق للمفاوضات فى مرحلة مبكرة نسبيًا، لأنه سيوفر لأبو مازن الشرعية العربية المهمة بالنسبة له لاتخاذ قرارات حاسمة، ويتطلب ذلك نسيجًا من المصالح المشتركة خلال المفاوضات، كالأمن والطاقة والمياه والمواصلات والاقتصاد والزراعة، ويترجم لسلسلة من الاتفاقيات البعيدة المدى بين اللاعبين، وخلق علاقة تبادلية صحية بينهم. وأشار إلى أنّ "إسرائيل" تستطيع بمخزونات الغاز الاستراتيجية وتكنولوجيا تحلية المياه والتكنولوجيا الزراعية المتطورة، أن تكون لاعبًا مركزيًا ومؤثرًا فى المجالات المذكورة.

وانتقل "ديسكين" فى حديثه إلى السعودية وتركيا ودول الخليج، التى تستطيع أن تدعم اقتصاديًا وسياسيًا الحل الذى يتم التوصل إليه وتثبيته، ثم الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا، وباقى الدول ذات المصلحة الواضحة فى حل الصراع، يجب أن تخلق محفزات إيجابية، سياسية واقتصادية، لكافة الأطراف المعنية للتوصل لتسوية.

وأكد "ديسكين"، أن قضية الانقسام بين قطاع غزة والضفة الغربية لا يمكن حلها فى الوقت الحالى، وغالبية القضايا المصيرية موجودة فى الضفة، فإن مثل هذا الاتفاق يجب أن يبدأ فى الضفة بسلسلة عمليات ملموسة لبناء الثقة فى الفترة القريبة، لخلق أجواء تساعد فى التوصل إلى حل، مثل القيام بخطوات جريئة من قبل القيادة الإسرائيلية، كالحضور لرام الله أمام هيئة من كبار المسئولين فى منظمة التحرير أو قادة فتح، أو دعوة أبو مازن للكنيست، واقترح "ديسكين" الوصول إلى تسوية للقضايا العالقة من خلال أفكار عدة منها: "إعطاء مخرج فلسطينى للبحر أو لميناء، وشراكة فى منشآت تحلية المياه أو توفير المياه، التزام بتوفير الطاقة الكهربائية والتزود بالغاز، وإقامة مناطق صناعية مشتركة لتطوير الاقتصاد وخلق أماكن عمل.

واختتم "ديسكين" حديثه بالإشارة إلى أن الجمع بين القيادة الشجاعة والتفكير الاستراتيجى، وتنسيق التطلعات، وخلق الأمل، والتفكير غير التقليدى، والحوار، من شأنه أن يحدث تحولا يخرج "إسرائيل" من المسار الحالى، الذى يقود حتمًا إلى الانفجار القادم.