الحلم الضائع
تاريخ النشر : 2013-11-25 10:13

 فى خطوة منتظرة سحبت مصر سفيرها نهائيا من تركيا، وأبلغت السفير التركى فى القاهرة بأنه شخص غير مرغوب فيه، ومن ثم طلبت منه مغادرة البلاد، وقررت مصر تخفيض التمثيل الدبلوماسى مع تركيا إلى درجة القائم بالأعمال، وقد ردت الخارجية التركية باستدعاء القائم بالأعمال المصرى وأبلغته بأن السفير المصرى غير مرغوب فيه فى أنقرة، وهى خطوة متوقعة فى سياق المبدأ الدبلوماسى المعمول به «المعاملة بالمثل».
المؤكد أن الخطوة المصرية كانت متوقعة لا سيما فى ضوء حالة الهيجان التى أصيب بها رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان واستمراره فى التهجم على ثورة الثلاثين من يونيو والنظام الانتقالى فى مصر، والذى وصل إلى درجة السفر إلى روسيا فى محاولة لإلغاء صفقات السلاح الروسى لمصر وتشويه النظام المصرى.
البعض يتساءل عن أسباب هذا الموقف التركى المعادى لمصر على نحو غير مسبوق وحالة الهياج التى أصابت رئيس وزراء تركيا، طبعًا رئيس الوزراء والمسؤولون هناك يتحدثون عن سبب أخلاقى وقيمى للموقف من منطلق أن ما وقع فى مصر فى الثلاثين من يونيو هو انقلاب عسكرى ضد رئيس مدنى منتخب ديمقراطيا، وأن تركيا بحكم معاناتها من الحكم العسكرى تقف بكل قوة فى وجه أى حكم عسكر.
طبعا هذه الأقوال التركية كاذبة كليةً، فتركيا آخر دولة فى العالم يمكن أن تربطها صلة بالديمقراطية وحقوق الإنسان، فتركيا تاريخيا دولة قامت على الدماء والأشلاء، نشرت الدمار والخراب فى أنحاء واسعة من العالم، جثمت على نفس العالم العربى ومنه بلدنا فى احتلال بغيض دام قرابة خمسة قرون لم تترك سوى التخلف والظلام والفساد، الجيش التركى نشر الدماء والأشلاء، حيثما حل فى البلقان ووسط أوروبا وقتل جنودًا، نحو مليون ونصف مليون أرمينى أعزل بدم بارد خلال الحرب العالمية الأولى.
وإذا أردنا معرفة السبب الحقيقى وراء العداء التركى السافر لثورة الثلاثين من يونيو نجده يكمن بوضوح فى أن هذه الثورة التى أطاحت بحكم المرشد والجماعة فى مصر، نسفت فى طريقها حلم أردوغان بأن يكون الخليفة العثمانى الجديد، فحزب أردوغان جزء من جماعة الإخوان وهو عضو فى التنظيم الدولى للجماعة، ووصول مرسى إلى السلطة فى مصر ترافق مع اقتراب تحقق حلم فروع الجماعة فى عدد من الدول العربية، أبرزها سوريا وليبيا وتونس واليمن، إضافة إلى تمكنه من السودان، ومن ثم فإن تمكن الجماعة من السيطرة على الحكم فى هذه الدول يمهد الطريق أمام ظهور الطبعة الجديدة من الخلافة، والتى ستكون تحت القيادة التركية، ومن ثم فأردوغان بحكم أنه عضو فى التنظيم الدولى للجماعة وحزبه ينتمى للجماعة فكريا وسياسيا كان يرى أن بلده هو المؤهل لقيادة العالم الإسلامى، وأنه شخصيا سوف يكون الخليفة الجديد، ولم يكن التنظيم الأم فى مصر يمانع فى ذلك، فالمهم هو استعادة الخلافة، والخلافة رابطة دينية لا تستند إلى وطن أو جنسية، ومن ثم فلا يوجد ما يحول دون تولى أردوغان كرسى الخليفة.
ويبدو أن هذه الفكرة استحوذت على كيان أردوغان وفكره وأخذته بالكامل وسيطرت عليه، وكان طوال السنوات الثلاث الماضية يرى حلمه وقد اقترب من التحقق لا سيما بعد اندلاع القتال ضد الأسد فى سوريا وتقدم فروع الجماعة فى تونس وليبيا واليمن والمغرب وغيرها من دول العالم العربى، ووجد أردوغان فى الخلافة ما يعوض خيبة الأمل القومية من إغلاق أبواب الاتحاد الأوروبى فى وجه الأتراك، فقد حلم أردوغان بأن يكون خليفة لأمة غنية ثرية بثروات طبيعية وأموال ضخمة تعيد مجد الأتراك الغابر وتحقق له طموحه الشخصى فى أن يكون الخليفة العثمانى الجديد الذى أحيا دولة الخلافة.
تعاون وتخابر وأنفق الكثير من الوقت والجهد والمال ولاح حلم الخلافة وبات قريب المنال، فجأة ثار الشعب المصرى وخرج على حكم المرشد والجماعة، نادى جيشه بأن يقف إلى جواره، فلبى الجيش النداء ووضع قادة الجماعة فى السجون، ضاع حلم أردوغان، فلا دخلت بلاده الاتحاد الأوروبى وتمتعت بعضويته، ولا هيمنت على المنطقة وأحيت حلم الخلافة من جديد. ضاعت الأحلام القومية والشخصية، ففقد أردوغان عقله وأخذ يتصرف بطرق هوجاء لا علاقة لها بدبلوماسية ولا مسؤولية. من هنا نفهم اللوثة التى أصابت أردوغان والتى جعلته يهذى بكلمات بذيئة ضد ثورة الثلاثين من يونيو وضد قواتنا المسلحة فى وقت اكتسبت فيه ثورة مصر مواقع جديدة وحققت نجاحات عديدة، حيث عادت مصر لتشارك بقوة فى المنظمات الإقليمية والدولية، وأقر وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى بحقيقة سرقة الجماعة للثورة، وأن ما جرى فى الثلاثين من يونيو كان استعادة لثورة مسروقة. كما تواصل الانفتاح الأوروبى على مصر وواصلت خريطة الطريق مسارها، كل ذلك جعل السيد أردوغان يفقد حلمه ومعه بدأ يفقد قدرًا من عقله واتزانه.
عن التحرير المصرية